استثمار الراجحي والتوظيف السياسي

المهندس: الهيبة ولد سيد الخيرالزمان ـ تعرض العالم سنة 2007 لأزمة غذائية حادة، نجم عنها ارتفاع كبير في أسعار المنتجات الغذائية، مما دفع بعض دول العالم لحد حظر تصدير سلعها الغذائية، إثر ذلك قررت الحكومة الموريتانية تبني إستراتجية وطنية لتشجيع الاستثمارات الزراعية، سعيا لتطوير قطاع الزراعة وإنتاج سلع حيوية ضرورية لوقف نزيف العملة الصعبة.

 

الاستثمار مفتاح النمو

لا شك أن الاستثمار شرط أساسي للنمو والتطور، فالمستثمر الأمريكي هو من ساهم في نهضة اليابان، والمال الياباني انتقل إلى كوريا، والمال الكوري إلى الصين، والمال الصيني بدأ يتدفق إلى كل أرجاء المعمورة، درس حفظه الجميع.

 

إن تطوير قطاع الزراعة في بلادنا لن يتم قبل توفير الحوافز الضرورية لتشجيع الاستثمار الأجنبي، والذي سينقل الخبرة ويعطي الثقة للمستثمر الوطني، وعندها فقط ستتوفر فرص العمل ويتحقق الاكتفاء الذاتي، مما سينعكس على ساكنة الضفة ويعيد لهم الأمل ولتعود منطقتهم سلة غذاء كما كانت دائما.

 

استثمار مجموعة الراجحي

وافقت الحكومية الموريتانية على عقد إيجار يسمح لمجموعة الراجحي باستغلال 50000 هكتار في منطقة دار البركة بولاية لبراكنة، وذلك لإنتاج محاصيل غذائية عديدة وتوفير الأعلاف، مما سيسمح بتغير وجه المنطقة ويوفر فرص عمل، علما أن الاستثمار يصل لمليار دولار.

 

جاء استثمار مجموعة الراجحي استجابة لتشابك هدفين إستراتجيتين صيغا في بلدين مختلفين، ونتيجة لدروس وعبر خاصة بكل بلد، فالأولي وطنية وجاءت بعد أزمة الغذاء العالمية لسنة 2007، وكنتيجة لتعثر المجهود الوطني في المجال الزراعي، أما الإستراتجية الثانية فسعودية وتنطلق من المحافظة علي المياه الجوفية، وبالتالي البحث عن مناطق عبر العالم لإنتاج الغذاء، وبجدر بنا هنا التوضيح بأن المشكلة ليست مشكلة الأراضي، بل هي مشكلة الماء فتطور التقنيات الزراعية سمح بإمكانية استغلال معظم الأراضي لكن يبقي العامل المحدد هو الماء.

 

مناهضة المشروع

تعرض المشروع منذ إرهاصاته الأولي عام 2010 لحملة قوية من بعض الجهات، سعيا لإجهاضه، في سابقة خطيرة، من شانها تعطيل مشاريع الاستثمار وعزوف المستثمرين عن المجيء إلى بلادنا، ومن سوء الحظ أن تلك الحملة تصادفت مع حراك الربيع العربي، مما حجّم من قدرة السلطات العمومية على التعامل معها، وهنالك جملة ملاحظات على تلك الحملة:

·       تدعي الحملة بأن مصادرة الأراضي ستمنع الفلاحين من زراعة أرضهم، وهذا غير دقيق فاغلب الأراضي موجودة خارج نطاق الزراعة أصلا، أما الموجود منها في نطاق الزراعة فهي أراض كانت تفيض في الماضي لكنها خرجت من الاستثمار بعد بناء سد مننتالي؛

·       تعتبر الحملة أن هذه الأراضي انتزعت من ملاكها التقليدين من الزنوج، وهذا غير دقيق فـ90 % على الأقل من تلك الأراضي، تعود ملكيتها التقليدية لغير الزنوج، وعلى العموم فالملكية التقليدية إقطاعية أساسا وغير معترف بها قانونا؛

·       إن منطقة المشروع من أكثر مناطق موريتانيا فقرا، فأهلها كانوا يمتهنون الزراعة الفيضية وبعد تراجعها أصبحوا من الفقراء فلا ماشية عندهم لذلك فالمشروع سيخدمهم كثيرا؛

·       إن العديد من مناهضي المشروع يتغنون بتجربة السنغال في جلب الاستثمارات ويعتبرونها نموذج نجاح، بينما يعارضونها في بلادنا ويعتبرونها مصادرة عنصرية للأراضي.

 

·       إن عرقلة هذا الاستثمار ستكون سابقة خطيرة، فمن غير المستبعد أن يخرج السكان المحليون في كل مكان مطالبين بوقف الاستثمارات مما سيقوض مكانة الدولة ويفتح الباب أمام الفوضى.

 

تجربة استثمار زراعي ناجح

أتيحت لي فرصة التعرف على تجربة السنغال في مجال إدارة الاستثمارات الزراعية الأجنبية، وقد اتسمت بإشراك فعلي للسكان المحلين في مراحل إنجاز المشاريع وتوقيعهم لعقود مع المستثمرين تضمن استفادتهم من بعض الامتيازات الخاصة، كفرص العمل وبعض الخدمات، مما يطمئنهم ويزيد من ثقتهم في المشاريع، وعندها لن يستطيع أحد استغلالهم، فمثلا تم منح 10000 هكتار لمجموعة Mimran الفرنسية لإنتاج قصب السكر وهي تشغل عدد عمال اسنيم، والأهم أن استثمارها مستدام، كما تم منح أراضي أخرى لمجموعة GDS والتي تنتج وتصدر الخضار إلى أوربا والمملوكة لمستثمرين فرنسيين، وهي تشغل آلاف العمال من أبناء القرى المحاذية وقد غيرت حياتهم جذريا.

 

إن جلب مشروع الراجحي لمنطقة الضفة سيكون إن تحقق من أهم انجازات الحكومة، نظرا لما سيوفره من نماء لمنطقة تعاني من قلة جهود التنمية،ومن المخجل أن يُوظف مشروع كهذا في التجاذب السياسي العقيم، وضرب عرض الحائط بمصير الفقراء، والغريب في الأمر أن مناهضيه هم من ينتقد تقاعس الحكومة عن تنمية المنطقة، وهنا أسألهم، هل هنالك سبيل آخر غير الزراعة للتطوير..؟.

 

إن مشروع الراجحي قصدنا بحثا عن ماء نهر السنغال، الذي لا نستهلك من حصتنا منه سوى أقل من 12%، مياه تضيع سدى في المحيط، وبالتالي فهو تثمين لحصتنا من الماء، لذلك فعلى السلطات العمومية أن تٌبدد مخاوف السكان المحلين، عبر إشراكهم في مراحل التنفيذ، بما لا يٌخل بالتزاماتها الوطنية والدولية، شفافية ضرورية لقطع دابر المتربصين.

المهندس الهيبه سيدالخير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى