كي لا يتم إجهاض المنطقة الحرة في انواذيبو/المحامي محمد سيدي ولد عبد الرحمن

altصادقت الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ خلال شهر دجنبر 2012 على مشروع قانون يتضمن إنشاء منطقة حرة في انواذيبو1 ويبدو أن رئيس الجمهورية قد أصدر القانون بدليل اتخاذ مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 10 يناير 2013 مرسوما تطبيقيا له2 وكان من اللافت أن الوزير الأول في عرضه المكتوب حول أسباب مشروع القانون ذكر بأن “.. رئيس الجمهورية قرر أن يجعل من انواذيبو منطقة حرة.. بهدف أن تكون المنطقة بصفة خاصة وموريتانيا بصفة عامة، وجهة متميزة لاستقطاب المستثمرين”.

وتعاطيا مع هذا الحدث الوطني الهام الذي يشكل حديث الساعة وجدت من المناسب تناوله في هذا التحليل الذي أمهد له بتعـريف المنطقـة الحرة عموما ثم أتناول مؤهلات المناطق الحرة الناجحة قبل استعراض نواقص تأهيل مدينة انواذيبو وأختم باقتراحات عملية كي لا يتم إجهاض مشروع واعد. أولا/ تعريف المنطقة الحرة المنطقة الحرة حيز جغرافي من دولة ما تمنح في حدوده مزايا كالإعفاء من الأعباء الضريبية والجمركية وتيسير الإجراءات القانونية لإنشاء الشركات وإقامة المصانع تشجيعا لبعض المشاريع الإقتصادية، بحيث تتمتع المقاولات التي تتمركز في المنطقة بنظام تمييزي إيجابي بالمقارنة مع نظيراتها في المناخ العادي الذي تعمل في ظله الوحدات المتواجدة خارجه. وتنقسم المناطق الحرة إلى ثلاث فئات: 1. الموانئ والمناطق التجارية الحرة وهي مساحات معفية من الحقوق الجمركية تتواجد بها عادة مصانع تخصص منتجاتها للتصدير، 2. المخازن والمستودعات الحرة التي تتواجد عادة بمحاذاة الموانئ الكبرى والمطارات الدولية وهي أقل مساحة من المناطق ويتاح إيداع البضائع بها دون رسوم بحيث يتمكن مصدروها من فرزها وتصنيفها وتجميعها وتعبئتها قبل تصديرها لوجهتها النهائية، 3. الدكاكين الحرة المعروفة عالميا باسم “ديوتي افري” duty free وتوجد بالمطارات والموانئ وتبيع بعض البضائع المثقلة غالبا بالرسوم معفية من الأعباء الجمركية كالتبغ والعطور والمواد الكمالية الخفيفة. ثانيا/ مؤهلات المناطق الحرة الناجحة: تحتاج المناطق الحرة لكي تحقق النتائج التنموية المرغوبة إلى قوانين جاذبة وكفاءة في الإدارة والتنظيم وإلى بنى تحتية كافية. 1. النصوص الجاذبة وكفاءة الإدارة والتنظيم: لا خلاف في أن التشريعات الجاذبة للمستثمرين أساسية لوجود المناطق الحرة فالقوانين التي تتضمن الإعفاء من الرسوم الجمركية وتخفيف الأعباء الضريبية وتبسيط الإجراءات القانونية لإنشاء الشركات وتحويل الأموال دون قيود كفيلة بلفت أنظار أصحاب رؤوس الأموال ولكن هذا الطعم لم يعد كافيا لتدافع المستثمرين على منطقة ما فأغلب الفاعلين أصبح مطلعا بما يكفي لإدراك أن وعود النصوص غير ناجزة في أغلب دول العالم الثالث حيث لا يزال القانون حبرا على ورق لا ينتج أثرا إذا لم تتوفر إرادة سياسية مصممة على احترامه بإلزام نفسها به أولا وفرضه على المتعاملين وتمكينهم من الحصول على الحوافز المقررة فيه بكل حياد وشفافية ودون تمييز فكثيرا ما كانت الإستفادة من المزايا المقررة في التشريع تشرط في الواقع بصرف رشاوى أو تحريك وساطات أو حتى التنازل عن نسبة في مشروع ما لأحد المقربين من السلطة تحت طائلة العراقيل الكثيرة. ولأن المناطق الحرة تستقطب مختلف المتعاملين باتت حاجتها ماسة لعدالة مستقلة وفعالة لدرجة تمكنها من إدانة سلطة المنطقة الحرة نفسها إن هي انتهكت القواعد المقررة لحكم المنطقة ولعل التحكيم التجاري يظل أفضل السبل للفصل السريع والمرضي في النزاعات التجارية مما يتطلب تفعيل مدونة التحكيم3. وينبغي الإنتباه إلى أن مثل هذه المناطق لا يسلم من غزو الإجرام وعصاباته مما يجعل الحفاظ على الأمن أحد الأولويات التي يجب توفيرها في المناطق الحرة كي لا تتحول إلى وكر للجريمة المنظمة التي كثيرا ما صاحبت الثراء، على أن من الضروري أن يحاط توفير الأمن بضمانات تمنع من استخدام أجهزته شططا لابتزاز ذوي الأموال الذين يدفعهم الحرص على مصالحهم إلى التحلي بالجبن4 مما يجعل من الضروري التفكير في إنشاء شرطة خاصة بالمنطقة الحرة وهناك مئات الموريتانيين العاطلين ممن عملوا في أمن دولة الإمارات العربية المتحدة الرائدة عربيا في مجال المناطق الحرة يمكن الإفادة من خبراتهم. وبعد قراءة مشروع القانون المتضمن إنشاء منطقة حرة في انواذيبو دونت جملة ملاحظات أتقاسمها مع القارئ في النقاط التالية: أ‌. أن القانون يتعلق بتأهيل وتنظيم المنطقة الحرة وكان من الأجدر بالسلطات العامة أن تتدرج في المشروع بأن تصدر أولا تشريعا متعلقا بتأهيل البنى التحتية للمدينة بتوسيعها واستصلاح مساحات وشواطئ غير المأهولة وتهيئتها لتشييد منشآت جديدة مطابقة للمعايير الدولية والتركيز على ما يتطلبه ذلك من موارد وآجال أما قانون إنشاء المنطقة الحرة فيتعين تأجيله لحين تهيئة المجال ومن الوارد أن يكون ذلك ذلك في حدود سنة 2035 كما تناقلته الأنباء في البداية، لأن مشروعا من هذا القبيل يتطلب إضافة للموارد فترة إنجاز لا مجال فيها للإرتجال ومن اللافت أن الوزير الأول في عرضه لأسباب المشروع نسب قرار إنشاء المنطقة الحرة للإرادة المنفردة لرئيس الجمهورية ولم يتطرق لما يتطلبه مثل هذا العمل من دراسات وتشاور ولا لإسهام ما للمجلس الإقتصادي والإجتماعي أو تشاور مع المجموعات المحلية والمنتخبين وغيرهم من الفاعلين. ب‌. أن القانون أنشأ مجلسا أعلى للتوجيه الإستراتيجي لسلطة المنطقة الحرة في انواذيبو يتكون من سبعة أعضاء (7) برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية ثلاثة وزراء (الشؤون الإقتصادية، المالية والإستصلاح الترابي) بالإضافة لثلاثة موظفين سامين في الدولة (مكلف بمهمة يتم تعيينه بمرسوم، المدير العام لصندوق الإيداع والتنمية ورئيس سلطة المنطقة الحرة) وتتمثل مهمة المجلس المخضرم في تحديد التوجيهات الإستراتيجية للمنطقة الحرة والإشراف على تنفيذها. ت‌. أن القانون لم ينظم هيئات إدارة المنطقة الحرة فباستثناء رئيسها الذي نص على أنه يعين بمرسوم رئاسي4 تقرر أن تتشكل لجنة الإدارة من ممثلين عن الإدارات العمومية والمجموعات المحلية والمؤسسات العمومية وهيئات القطاع الخاص دون تحديد عدد أعضاء هذه الهيئة وتشكيلتها وإجراءات اختيار أعضائها وتنظيمها وتسييرها الذي ترك لمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء5. ث‌. نص القانون على إنشاء سلطة إدارية مستقلة تدعى مركز تنظيم منطقة نواذيبو الحرة ملحقة برئاسة الجمهورية يعهد إليها بمهام متشعبة وغير متجانسة: إصدار التعليمات والنظم الداخلية الضرورية لتنظيم المنطقة الحرة، إصدار العقوبات المنصوص عليها في القانون وتنظيم إجراءات التصالح والتحكيم بشأن النزاعات التي تقوم بين الفاعلين في المنطقة الحرة ونص القانون على أنه يمكن الطعن في قرارات المركز أمام المحاكم المختصة6 وأن الطعن موقف لتنفيذ قرارات المركز7 ولم يفصل القانون طبيعة الطعن وما إذا كان قرار مركز التنظيم بشأن النزاعات يعتبر قرارا قضائيا ابتدائيا قابلا للإستئناف على شاكلة قرارات هيئات التحكيم8 أم قرارا إداريا قابلا لأن يطعن فيه بالإلغاء أمام المحكمة العليا، مع أن صلاحيات ونظام مركز التنظيم وتعيين أعضائه ونمط تسييره ترك هو الآخر لمرسوم يصدره مجلس الوزراء9. وربما لم يدرك المشرع أن ما قرره من كون الطعن يوقف تنفيذ القرار سيترتب عليه شل المركز كما أن إعطاء الكلمة الأخيرة للمحاكم بهذا الشأن إجراء منفر للمستثمرين الأجانب الذين يحتفظون بانطباعات سيئة عن القضاء الموريتاني. ج‌. أنشأ القانون شباكا موحدا تتواجد فيه مختلف مصالح الدولة لإنجاز جميع الإجراءات وإصدار التراخيص التي يطلبها المتعاملون باستثناء الإجراءات الجمركية10 والظاهر أن هذا الإستثناء يطعن في وحدة الشباك ويقلل من أهميته ودوره. ح‌. وفي المجال الجمركي أقر القانون استثناءات كثيرة وردت على مبدأ الإعفاء وشملت تصدير منتجات الصيد الغير مصنعة واستيراد العربات المستعملة وقطع غيارها والمواد الأساسية من أرز وشاي وقهوة ودقيق ولبن مجفف وسكر وزيت وتبغ ومحروقات وكذا المنتجات البترولية التي تبقى خاضعة للرسوم المطبقة حتى وإن تم إنتاجها داخل المنطقة الحرة ولو كانت موجهة للإستهلاك المحلي11. خ‌. أقصى القانون المقيمين في المنطقة الحرة من مزاياها واشترط للإستفادة منها التسجيل والاعتماد إذ نص بالحرف على أنه: “لا يمكن للأشخاص الطبيعيين أو الإعتباريين الذين يمارسون نشاطا داخل المنطقة الحرة ولم يستفيدوا من تسجيل أو اعتماد برسم نظام المنطقة الحرة الإستفادة من نظام المنطقة الحرة ويبقون خاضعين للقانون العام”12. د‌. لم يعف القانون المقاولات المعتمدة في المنطقة الحرة من الضرائب وإنما ألزمها بكافة الرسوم والضرائب المحلية وأخضعها للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية ولمساطر القانون العام فيما يخص الوعاء الضريبي والتصريح والإعتراض كما أخضع العاملين بها للضريبة على الأجور والرواتب بل وأكثر من ذلك شدد على المقاولات المعتمدة في المنطقة الحرة عندما أخضعها لإتاوة إدارية لا تخضع لها المقاولات التي تعمل في ظل النظام العام ولعل القانون لم يضف إلا تسهيلات مقتبسة من تشريعات مماثلة تتمثل في منح المقاولات فترة إعفاء تمتد سبع سنوات من تاريخ تسجيلها أو اعتمادها13 وإن ظل الغموض قائما حول الضرائب المشمولة بفترة الإعفاء. ومن هذه الملاحظات تتبين ضبابية الإطار القانوني المنظم للمنطقة الحرة في انواذيبو وأن الحوافز المقدمة فيه متواضعة إلى حد كبير وليست كافية لجذب استثمارات خارجية مهمة لعلة توفر بيئة أعمال أفضل في المناطق الحرة التي أصبحت موضة عبر العالم إذ توجد في الإمارات العربية المتحدة، الرائدة في هذا المجال عربيا، ثلاثون منطقة حرة (30) كما توجد في المملكة المغربية القريبة ست مناطق حرة (6) وفي الجزائر منطقتان (2)14 ومنذ أكثر من ثلاث سنوات شرع جيراننا السنغاليون إجراءات تهدف إلى تطوير منطقتهم الحرة بالتعاون مع مؤسسة جبل على للموانئ الحرة الإماراتية وهي منطقة قائمة منذ أربعين سنة. 2. البنى التحتية اللازمة: وعلاوة على الإطار القانوني تتطلب المناطق الحرة بنى تحتية نوردها بحسب أهميتها: أ‌. الموانئ: القادرة على استضافة أغلب أنواع السفن التجارية الخاصة بنقل البضائع والتي تتوفر، علاوة على مراسي كافية لاستيعاب عدة سفن تجارية في آن واحد، على الوسائل اللوجستية اللازمة للتفريغ والشحن والمساعدة الفنية. ب‌. المطارات: ذات الحركة النشطة التي تتيح للفاعلين الاقتصاديين التنقل ذهابا وإيابا من وإلى المنطقة الحرة في الأوقات المناسبة أي بوتيرة سريعة وبمعدل عدة رحلات في الأسبوع بحيث يتمكن المتعاملون من إنجاز أعمالهم في المنطقة والإنتشار في الأرض. ت‌. الطرق البرية: وتكمن أهميتها بالنسبة للمناطق الحرة في تيسير تنقل الأشخاص ونقل السلع بسرعة وانسياب لوجهتها النهائية، وللطرق التي تربط المنطقة بالدول الخارجة عن الإقليم الجمركي الوطني خاصة التي تصل بلدانا ليست لها حدود بحرية أهمية كبيرة لأنها تسهم في تنشيط المنطقة ومن هنا ينبغي التفكير في طريق يربط المنطقة الحرة المرتقبة بالأراضي المالية وهو مشروع من شأنه إحياء “النصف الخالي” في شمال أراضي الدولة الموريتانية. ث‌. الأسواق والمخازن والمستودعات: التي تتيح عرض وحفظ ما توفره المنطقة من بضائع وخدمات حتى يتسنى تصريفه الذي تبغيه المقاولات المتواجدة بالمنطقة. ج‌. الخدمات: ولا غنى للمناطق الحرة عن قطاع خدمات سريع وفعال بحيث يوفر الخدمات الإعلانية وخدمات التجميع والتعليب والتغليف وغيرها. ح‌. النزل والفنادق والمنتزهات: الكافية لاستيعاب المتعاملين وتوفير وسائل الراحة والترفيه لهم إذ أن للبعد السياحي أهمية خاصة لجذب الفاعليين لهذه المناطق. ثالثا/ نواقص تأهيل مدينة انواذيبو: عرفت مدينة انواذيبو إنشاء أول الشركات في موريتانيا إذ أسست فيها الشركة الصناعية للصيد الكبير (SIGP) منذ سنة 1921 وشيدت بها مرفأ وفي ستينات وسبعينات القرن العشرين قامت بالمدينة عدة شركات ومصانع15 إلا أن المتابعين لتطور أوضاع المنطقة يتهيؤ لهم أن الدولة نحت سياسة تقضي بتهميش مدينة انواذيبو على امتداد السنوات الماضية فبعد أن كان مطارها في سبعينات وحتى ثمانينات القرن العشرين خلية نحل ومهبطا لطائرات عدة خطوط جوية دولية ووطنية (أذكر منها الخطوط الإيبيرية AIR IBERIA، اتحاد الطيران العالميUTA ، وكالة الطيران الروسية AEROFLOT.. بالإضافة طبعا للخطوط الجوية الموريتانية التي كانت طائراتها تنظم عدة رحلات يوميا من وإلى المدينة) أصبح برج مراقبة مطار العاصمة الإقتصادية في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين لا يألف إلا طائرة الحرس المدني الإسبانية (GUARDIA CIVIL) الرابضة غالبا على أرضيته المقفرة. وبعد أن كان الميناء على تواضع وسائله وحتى عهد قريب يستقبل بالإضافة لسفن الصيد ناقلات بضائع ألف السكان بعضها وآنسهم ترددها الأسبوعي ودأبها فى الطواف بين انواذيبو وجزر الكناري (POINTO CANARIO , CAP BLANC & CARIBBEAN TRAILER ) هجرته اليوم آخر سفن الصيد الأوربية والروسية التي كانت تخلق ديناميكية في مياه الميناء وتوفر عملا للبحارة وزوارق التاكسي والسماكة وغيرهم.. وأغلقت آخر مصانع تحويل السمك ومصفاة تكرير البترول أبوابها ولم يعد المراقب يشهد من مظاهر الصناعة في هذه المدينة إلا أعمدة الدخان النتن المتصاعدة من وحدات تصنيع دقيق الموكا (MOKA) ذات المردودية المحدودة على التنمية والضرر البالغ على الصحة والبيئة. حتى صغار الموردين أصبحوا يفضلون توجيه بضائعهم القليلة لميناء انواكشوط المستقل لانتظام ربطه بالموانئ الدولية أحيانا وللتسهيلات الإدارية أحيانا أخرى وإن تعين بعد ذلك نقل البضاعة لمسافة أربعمائة وسبعين كيلومترا عبر طريق ضيق يدين في أغلب حركته للشاحنات المتجهة لشركة تازيازت والعائدة منها في اتجاه انواكشوط لا انواذيبو، وبينما احتفل ميناء انواكشوط المستقل باستقبال أكثر من مائة ألف حاوية خلال سنة 2012 ظل النشاط التجاري لميناء نواذيبو ينحسر باستمرار. وبفعل تراجع النشاط الجوي والبحري والبري في مدينة انواذيبو لم يجد كبار الفاعلين بدا من مغادرتها مكرهين فلا غرو أن تقلص نشاطها مع الزمن. وعلى الرغم من موقعها الإستراتيجي المتميز وشواطئها الجميلة تفتقر مدينة انواذيبو للبنى التحتية التي تشكل ركيزة التنمية مما يقعدها عن منافسة المنطقتين الحرتين النشطتين المحيطتين بها من الشمال والجنوب (طنجة وداكار) وهما منطقتان عريقتان نسبيا فلقد أنشأ المغرب منطقة حرة في طنجة منذ سنة 1962 وأنشأ السنغال المنطقة الحرة لداكار منذ سنة 1974 وتسعى الدولتان جاهدتين لتطوير خدمات مناطقهما الحرة. ولم يشفع لميناء انواذيبو موقعه المتميز على شرم السلوقي (baie du lévrier) الهادئ فسعة الميناء محدودة وبواباته ضيقة لدرجة أن إدارته اضطرت مؤخرا إلى تكسير إحداها لتتمكن من إخراج مولد مستورد لمحطة توليد الطاقة الكهربائية، صحيح أن الدولة شرعت منذ سنوات، بدعم من التعاون الإسباني، في توسعة المرسى باتجاه الجنوب (جهة شركتي كوماكوب وبولي هوندون) إلا أن تلك التوسعة تبقي تصنيف الميناء في إطاره كميناء صيد متواضع. وعلى ذكر الكهرباء لا يزال تزويد المدينة بالطاقة متذبذبا وتنتابه انقطاعات غير مبرمجة ناهيكم عن الغلاء العام لأسعار الطاقة الذي يشكل أحد عوائق الصناعة في موريتانيا. ومع أن الشبكة الطرقية للمدينة اتسعت مؤخرا بخمسة عشر كيلومترا لا شك في أهميتها للساكنة إلا أن ضيق الطرق بشكل عام ومحدودية المدينة يظل عائقا أمام ممارسة نشاط اقتصادي ذي بال. رابعا/ اقتراحات عملية: كي لا يتم إجهاض مشروع واعـد إن المناطق الحرة تتفاوت بحسب الأهمية فمنها مناطق بارزة تكتظ بالنشاط ويؤمها الفاعلون من مختلف أصقاع المعمورة وتنعكس على التنمية الاقتصادية في محيطها وعلى العالم بأسره ومنها مناطق مطمورة لا يعلم عنها غير ساكنتها ولا تفيد منها التنمية في بلدها أحرى خارجه وما قد يفاجئ أغلب القراء أن جمهورية الصومال ذات الموقع الإستراتيجي المتميز والحدود البحرية الأطول في القارة الإفريقية تتوفر على سبع مناطق حرة مع أن البلد يبقى من أكثر دول العالم جوعا وأقلها أمنا. وبعد أن بينت في هذا التحليل أن من غير الملائم إنشاء منطقة حرة في انواذيبو دون سابق دراسات وتأهيل واستصلاح وأن التمسك بإنشاء المنطقة في المستقبل المنظور سيكون بمثابة إجهاض لمشروع طالما علقت عليه الآمال وأن قانون المنطقة الحرة المصادق عليه لن ينعكس على التنمية المحلية ولن يجذب الاستثمارات الأجنبية وسيجعل الفرص المستقبلية لتطوير المدينة أكثر صعوبة لما للزخم الإعلامي من أهمية في إنجاح مثل هذا المشروع بعد ذلك كله أطلب من السلطات العامة مراجعة قرار إنشاء المنطقة الحرة ليتماشى مع المصالح العليا للوطن والمواطنين. وأقترح على الدولة، في خاتمة هذا التحليل، أن تتبنى استصلاح المنطقة المطلة على شرم السلوقي (baie du lévrier) من جهة الشرق على الضفة المقابلة لمدينة انواذيبو – والمنطقة بالمناسبة داخلة في مخطط المنطقة الحرة الذي حدده القانون الأخير – لأن الأرض البكر تتيح إقامة بنى تحتية مطابقة للمعايير الدولية من ميناء تجاري ومطار ومناطق صناعية وتجارية وسكنية متمايزة وشوارع عريضة وساحات عمومية ومجار للمياه ويمكن تسمية المدينة الجديدة انواذيبو البر (NOUADHIBOU LAND) أو أي اسم آخر يتم التشاور حوله.. ومن العوامل المساعدة أن تزويد مشروع المدينة بالماء لن يكون مشكلا لأن الموقع أقرب إلى (بو لنوار) من المدينة الحالية وكذلك الطريق إلى انواكشوط. وفي انتظار بدء المشروع يتعين أن تبادر الدولة إلى وضع اليد على المنطقة وأن تعمل على منع اكتساح المحتلين غير الشرعيين “الكزارة” لها وأن تسن قانونا يمنع على السلطات منح القطع في حدودها قبل استصلاحها بالكامل مع العمل على وضع قواعد المنح وشروطه بكل تأن وشفافية وبالتشاور مع الشركاء طوال فترة إنجاز المشروع. أما مدينة انواذيبو الأصيلة فيمكن العمل على الرفع من أنشطتها التقليدية مع التركيز على تطوير السياحة فيها بمنح قطع أرضية على شواطئها الجميلة (كابانوهات) مجانا لشركات فندقة عالمية على أن لا يشترط عليها غير بناء منشآت سياحية في آجال محددة والحرص على إعفائها التام من الرسوم والضرائب مدة كافية لاسترداد رؤوس الأموال المستثمرة. وفيما يتعلق بخطوات إنجاز المشروع يمكن أن توفر الدولة الموريتانية تمويل الدراسات وأن تحدد الأهداف وعندما يكون الملف جاهزا ومتوفرا (باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية) حينها يسوغ توجيه طلبات تمويله إلى شركائنا في التنمية وفي مقدمتهم الأشقاء العرب – الذين يتهافت زعماء الغرب والشرق على طلب مساعدتهم – والشركاء الغربيون وبرامج التمويل الأممية وصناديق الدعم المختلفة وعندما تتضح الرؤية لا يبقى إلا العمل على عقد مؤتمر لممولي المنطقة الحرة في أحد المراكز الدولية للمال والأعمال يتم خلاله توقيع الإتفاقات ويبدأ تجسيد المشروع الواعد بإذن الله.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى