الصحفية آسية تبكي والدها الراحل

الزمان انفو –
كتبت الصحفية اللامعة آسية عبدالرحمن تدوينة مؤثرة في رثاء والدها مستهلة بكاءها ببيتين لأحمدشوقي من قصيدة “سألوني: لم لم أرث أبي ؟ ” وكانت الزميلة قد فجعت في الفقيد عبدالرحمن الذي رحل عن عالمنا قبل أقل من شهرين…:

“سألوني لمَ لم أرث أبي
ورثاء الأب دين، أي دين

أنا منْ ماتَ، ومنْ ماتَ أنا،
لقيَّ الموت كلانا مرتين”

_______

فقْدُ الأب لا يُحكى وألمه أكبر من الكتابة وأعظم من الوجع!
ليس الوجع في أيام الفقد الأولى فحسب ؛ بل لاحقا حين تتوالى أيامك اليتيمة فتجد أن من كان لك السند قد رحل!

‏عبد الرحمن ليس أبا دُفن، ولا فردا رحل،
عبد الرحمن عَالَمٌ قد مات ومجتمع تيتّم!

أكثر من ستة أسابيع مرت على رحيل أبي وأنا أحاول أن أكتب عن فجيعتي فلا أقوى، أَجِد حروفي ضعيفة وهزيلة وهي تواجه صعوبة التعبير عن حياة ثرية مثل حياة عبد الرحمن!

أحارب موت حرفي، بالتغاضي عن خصال كريمة كثيرة لأبي، لا تُعد!
لن يدرك أي أحد مدى تخبط الكلمات وضياعها إلا حين يكون الحديث عن رجل مثل أبي؛ وهَبَ نفسه للبذل والعطاء وحب الخير للناس!

يخجلني جدا يا أبي عجزي الآن عن كتابتك، ولكن عذري هو تشعّب أبواب صفاتك وثراء عُمرك..
عُمْر لم يضيع، كان عريضا ومباركا بفعل الخيرات..

ستون عاما فقط!
نعم ستون عاما صنعت فيها ما يعجز غيرك عن فعله لو عاش مائة سنة!
كَبُرت ولمّا تبلغ الحلم بعد، وتجاوزت أقرانك إلى أقران أبيك، وحملتَ بقوة وعزم هموم الجميع ومصالحهم، وشيّدت لهم السمعة الطيبة والمجد الرفيع، ليس ذاك فحسب بل وصلْتَ الفقير الضعيف وأدنيت المحتاج العفيف..كنت للجميع سندا؛ للكبير إبنا، وللصغير أبا، وللصاحب أخا، وللأخ صديقا!

والله الذي لا إله غيره ما بالغتُ في ما ذكرت، وليس قولي في عبدالرحمن شهادة بنت لأب به معجبة ،وحُق لها، ولكن يعرف من عرف أبي حقا صدق قولي، وأعلم أنا وأشهد أنني لم أفيه حقه، وأن هذا قليل جدا من خير وأثر عبد الرحمن!

يا أبي عندما وقفتُ على قبرك حضرني رثاء أمنا عائشة لأبيها الصدّيق، وشعرتُ صادقة كم يصدقُ فيك، فبَردَ بعض حرّ الفقد وسكن!

تقول أم المؤمنين عائشة، ومعها أقول:
“نضَّرَ الله وجهك يا أبتِ ، وشكر لك صالح سعيك ، فلقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها ، وللآخرة معزا بإقبالك عليها ، ولإن كان أجلَّ الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك ، وأعظمَ المصائب بعده فقدك ، إن كتاب الله ليعد بحسن الصبر فيك حسنَ العوض منك ، وأنا أستنجز موعود الله تعالى بالصبر فيك ، وأستقضيه بالاستغفار لك ، أما لإن قاموا بأمرالدنيا ، لقد قمت بأمر الدين لما وهى شعبه ، وتفاقم صدعه ، ورجفت جوانبه ، فعليك سلام الله توديع غير قالية لحياتك ، ولا زارية على القضاء فيك ”

أكرر عجزي وفقر لغتي حين الحديث عن أبي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى