جامعة نواكشوط :حديث عن فضائح مالية وأخلاقية

في قلب مدينة نواكشوط تتوزع بنايات قديمة متناثرة بشكل فوضوي لا يحس المرء عند دخولها بمشاعر الهيبة والاحترام التي تنتاب الزائر حين يكون أمام صرح علمي يحترم نفسه بقدر ما يحس بالرهبة والدهشة وكأنه أمام مجموعة من نُصُب الموتى متمثلة في تلك الحيوط القديمة التي تشكل..

ما يسمى مشروع جامعة نواكشوط، ذاك المشروع الذي ظل منذ تأسيسه –قبل ثلاثة عقود- إلى اليوم يدار من طرف مجموعة من المافيا عملت على إفساده ولا زال أعضاؤها يتبادلون الأدوار في نهب موارده متلاعبين بمستقبل أبناء موريتانيا غير عابئين بسيل الفضائح المالية والإدارية والأخلاقية التي تلاحقهم في مختلف الكليات وإنما همهم الأكبر أن يبقى حرم جامعتهم مُحرمٌ على غيرهم بحيث لا يتم اكتتاب أستاذ جديد إلا على الأسس التي رسمتها تلك المافيا الخبيثة بعيدا عن الشروط الأكاديمية والميزات العلمية.

وسنهتم هنا بسرد بعض الوقائع التي تكشف من الداخل جرم الطاقم المسير لجامعة نواكشوط على الأقل خلال السنوات الأخيرة التي كنت خلالها طالبا بهذه الجامعة وشاهدا على مشاهد الفوضى التي تشهدها والفضائح التي يرتكبها المسئولون عن إدارة شؤونها.

سوء التسيير ثم الفضائح المالية والأخلاقية تلك هي السمات المشتركة بين كليات جامعة نواكشوط وعمدائها وحتى بين الرؤساء المتعاقبين على إدارتها بما فيهم الرئيس الحالي سيدي محمد ولد محمد عبد الله والذي هو أستاذي السابق ولي معه ذكريات عديدة فقد كان بحق شخصية محترمة بالنسبة لي كباقي الطلاب إذ كان قريبا من طلابه يحاول مساعدتهم وقد خصص ساعتان من وقته أسبوعيا لتلقي استشكالات الطلاب في مادة الاحصاء التي كان يدرسها وذلك مساء كل ثلثاء في مكتبه بعمادة الكلية، وذات مساء كانت إحدى الطالبات المتميزات ضيفة على العميد في مكتبه حاملة معها مشكلة في أحد تمارين الاحتمالات وخلال وقت قصير خرجت الطالبة على الحاضرين من زملائها حائرة من هول المفاجأة وقالت بصوت المصدوم أنها حين بينت للسيد العميد المحترم المشكلة التي واجهتها في حل التمرين رد بكلام غريب مفاده أن فكرة التمرين بسيطة لكنه لن يساعدها إلا مقابل أجر خاص تدفعه في مقابل الشرح..! استغربت الفتاة وحين همت بالخروج تدارك العميد طرف ملحفتها مطالبا إياها بالجلوس متظاهرا بأنه كان يمزح لكن الطالبة رفضت الجلوس وفرت خارج المكتب…

نفس العميد كان في بداية العام 2009 خلال زيارة الجنرال محمد ولد عبد العزيز رئيس المجلس العسكري الحاكم آنذاك لجامعة نواكشوط في طليعة المستقبلين يحمل صورة مكبرة للجنرال الزائر داخل أكبر مدرجات الكلية في مشهد يقضي على روح الاستقلالية والولاء للعلم والمعرفة التي تميز أساتذة الجامعات داخل الحرم الجامعي على الأقل..!

لم ينتهي المشهد هنا بل بعد ذلك بأشهر قليلة كان عميد كلية الاقتصاد والقانون رئيسا للحملة الانتخابية للجنرال المترشح للرآسيات في العاصمة السينغالية داكار، ليتم تعيينه بعد ذلك رئيسا لجامعة نواكشوط خلفا للسيد إسلك ولد إزيد بيه الذي يتهم بالوقوف خلف المشاكل العرقية التي شهدتها الجامعة في العام 2011 وذلك لحسابات سياسية أيضا…

في كلية الاقتصاد والقانون التي تعد أكثر كليات الجامعة فوضوية تعشش مافيا الفساد في وكرها الكبير حيث تمتد أيادي أصحابها إلى كل كبيرة وصغيرة وتنتشر فضائحهم المختلفة وقصصهم المثيرة في كل مكان دون أن يكون لها صدى يهدد كيان تلك المافيا ووجودها.

وتعتبر مصلحة الشؤون الطلابية بالكلية هي الوكر الأكبر حيث يتم التلاعب بالتسجيل والنتائج ويملك رئيس المصلحة محمد ولد أرحيل صلاحيات واسعة حتى أنه يتدخل في شؤون الماستر المفتوح حديثا مع أنه من المفترض أن منسق الماستر هو المسير الوحيد لشؤونها، كما يعتبر ولد أرحيل المسئول الأول عن التسيب الحاصل في الكلية حيث عاصر جل العمداء المتعاقبين على إدارتها وهو الخبير بكل ما يجري بداخلها فكل وافد إلى الكلية يمر عبر بوابته وكل خريج لابد وأن يكتوي بفوضويته فمجرد سحب إفادة أو تصديق كشف درجات يقتضي من صاحبه يومين على الأقل من حر الشمس وسط الزحام والفوضاء.

محمد ولد أرحيل ورغم كونه المتهم الأبرز في قضية تزوير الشهادات التي كادت تعصف به قبل سنوات والتي تم غلق ملفها حين أتضح أن خيوطها ستطال بعض النافذين في الجامعة إلا أن الرجل لا يزال صاحب اليد الأولى في إدارة شؤون الكلية ومع ذلك لا أحد يعرف مؤهلاته ولا كيف وصل إلى منصبه كرئيس لمصلحة الشؤون الطلابية بكلية الاقتصاد والقانون…

قبل أيام حدثني أحد الزملاء بأن له صديق لم يتمكن من استيفاء مادتين متبقيتين له من الفصل الثالث في مرحلة الليصانص لكنه وبعد أن قدم رشوة لمحمد ولد أرحيل منحه المعدل المطلوب في المادتين المذكورتين ليتمكن بذلك من الحصول على شهادة الليصانص وهو الآن يعد للماستر في إحدى الجامعات السينغالية…

أوجه الفساد في مصلحة الشؤون الطلابية متعددة ومتنوعة فمع بداية افتتاح الماستر في العام الماضي تمكن ولد أرحيل من تسجيل أكثر من طالب في مختلف وحدات الماستر رغم كونهم لم يكونوا ضمن اللائحة الرسمية لأن معدلاتهم لا تسمح بذلك، كما أعرف أكثر من طالب قضى كل منهم سنوات طويلة في الإعادة وكانوا ضمن النظام القديم ثم انتقلوا إلى النظام الجديد وكل عام يتم تسجيلهم من طرف ولد أرحيل بشكل غير قانوني…

فضائح كلية الاقتصاد والقانون لا تنتهي فقصة الأمين العام السابق للكلية الطالب الذي قام بإفشال إضراب الطلاب عام 1997 مقابل منحة دراسية ليتم تعيينه بعد ذلك أمينا عاما للكلية، ثم الطريقة التي أوصلت الأمين العام الحالي محمد بمب ولد سيد محمد إضافة إلى فضيحة بعض الأساتذة الرسميين بالكلية الذين لا تعرف لهم شهادات كرئيس قسم التسيير الحالي الذي يدعي بأنه كان طالبا في إحدى كليات الزراعة المصرية! أما الفضائح الأخلاقية التي يرتكبها أساتذة الكلية والنافذون فيها فتلك تستدعي أكثر من مقال…

وفي كلية الآداب والعلوم الإنسانية تتعدد أشكال الفساد والفضائح أيضا من فضيحة عميد الكلية حمودي ولد جغدان الذي أعطى المنحة الأولى في قسم الترجمة الصينية لإحدى قريباته رغم تغيبها عن امتحانات فصل كامل، ثم الفضائح الأخلاقية لرئيس قسم التاريخ السابق الذي تم تعيينه مفتشا بالوزارة، والأخطر من ذلك الفضيحة المالية لمسئول المصادر البشرية السابق بالكلية الأستاذ الحسن ولد أحمد والذي عين مؤخرا مستشارا برآسة الجمهورية مع الأستاذة الأمريكية داليا دان لوب التي كانت تعمل متطوعة في الكلية بينما كان هو يتقاضى باسمها راتبا ضخما يرده إلى جيبه بأريحية تامة..! كل هذا وذاك سنتطرق له بتفاصيل أكثر…    

يتـــــــــــــواصـــل

 

كريم الدين ولد محمد ـ الغد

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى