عن نوبات الهلع

كتب خليل فاضل:

الزمان أنفو _

تكون جالسًا على كنبة بيتك فى أمان الله، مع أصحابك على المقهى لا لك ولا عليك، فجأة ينتابك إحساس فظيع، مخيف، وقاس. المشكلة أن النوبة قد تأتى وأنت تقود سيارتك على الطريق السريع وحدك، وفجأة وكأنك تقترب من الموت، يغمرك العرض تلو العرض يضرب قلبك صدرك كطبول الحرب، تتسارع أنفاسك فى لهاث، تتسارع وكأنك تجرى فى الصحراء وراء سراب، ترتعش، تختنق، تصيبك لوعة ويغشاك الغثيان، لا تدرى من أنت ولا أين أنت وكأنك تتفرج على الدنيا من خلال لوح زجاج مغبش، تخاف من أن تفقد عقلك، تنمل أطرافك، تحس فى كل جسمك ببرودة وسخونة، تأتى فجأة وتذهب فجأة، يؤلمك صدرك، تدوخ وتظن أن أزمةً قلبية قد داهمتك، وأنك بين خط الموت والحياة، تختبر الحقيقة ولا تدركها. إنها نوبات الهلع وكأنها نوبات الموت تأتى لتختفى، وتظل مرعوبًا من أن تأتيك فى أى وقت، تباغتك فى أى مكان وأى زمان.

 

نوبة الهلع تأتى بين الحين والآخر فيظنها المُصاب بها ذبحة صدرية أو حالة خطيرة، والأخطر أنها إذا ذهبت يظل منتظرًا حدوثها مُجددًا، ليعيش مهددًا مما يجعله مكتئبًا كمن يمشى على حبل فوق قاع سحيق، أو من يسير على حد سيف مما يخلق حالةً من الخوف من الخروج للعمل، أو للزيارة أو لممارسة الحياة بشكل عام، وهذا أخطر ما فيها لأنها تكبِّل صاحبها وتكاد توقف دورة حياته.

 

لا يوجد سبب محدد لها، لكن العامل الوراثى يلعب دورًا مُهمًا، فإذا كان أحد أفراد الأسرة مصابا بها ولو حتى كان قريبا من بعيد، يخلق لديك الاستعداد للإصابة، كما أن صدمات الحياة المتكررة، إرهاق العمل، الإجهاد، الحِداد، حساسية كيمياء المخ العصبية تجعل الإنسان عرضة للإصابة بنوبات الهلع.

 

العلاج يكون ببعض مضادات الاكتئاب التى تعمل على تنظيم مادة السيروتونين مما يخفض درجة التوتر. فى فرنسا يستخدمون عقار الـ Propranolol الذى يستخدم عادة لخفض الضغط وتقليل التوتر والرعشة، يعمل من خلال آلية طرفية لا تعمل مباشرةً على المخ، ومن ثم لا توجد أعراض جانبية شديدة.

 

أثناء التعرض للنوبة إذا استسلمت لأعراضك بسرعة، وصدَّقتها واشتغلت عليها على أنك مصاب بمرض خطير، وأنك على وشك الموت سيزداد فزعك وسيتصبب عرقك وستدخل فى دائرة مغلقة تنتهى بك إلى التفاف عائلتك والهيئة الطبية حولك، وإلى استنشاقك الأوكسجين مما يجعلك تصدق الكذبة التى خلقها خوفك من خلال جسمك، لكن إذا أسرعت (بعقلنة) أعراضك وإقناع نفسك مبكرًا بأن المسألة نفسية ولها وقت وستختفى.

 

لا بد من التدريب بالعلاج المعرفى الذى يصحح المفاهيم النفسية المغلوطة لديك، لا تُهَّول ولا تضخِّم أيا من أحاسيسك. اقبض على يدك التى تكتب بها، ابسطها واقبضها وكأنك تضخ إلى قلبك ورئتيك الثقة والهدوء وشجاعة مواجهة الموقف. عليك بتعلم الاسترخاء الذهنى والجسدى، بأن تنام على ظهرك، أو تستلقى على كرسى مريح وتتنفس من بطنك وترخى عضلات جسمك بدءًا من رأسك حتى قدميك، جزءًا جزءًا، لا تستعجل ولا تستخِّف بهذه التمارين.

 

هذا بجانب أن أى أحداث منذ الصغر كطلاق الوالدين، والتصاقك بأحدهما يخلق حالةً من الخوف الدائم فى غياب الطرف الذى ربَّاك ورعاك، بجانب إحساسك بالضيق والغضب من الطرف الآخر الذى هجرك وتركك (والدك مثلًا) وكأنك لا شعوريا تناديه وتخبره بأنك مُصاب بالهلع، تُحمِّله ذنبك، ومن ناحيةٍ أخرى تربط نفسك بوالدتك وتجد نفسك غير قادر على حلّ العُقَد مع أنه لا عقدة بدون حلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى