2014 عام النصرة

أجل، من المرجح أن تستمر وتتنوع الاحتجاجات على المقال المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، الذي أقدم عليه ذلك المغرور بحرية التعبير، خصوصا أيام الجمعة، التي تحولت إلى مناسبات ملائمة للحشد الشعبي ضد الإساءة لسيد الخلق وخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، وتأكيدا للتمسك بعروة الإسلام الوثقى وإتباع سنته صلى الله عليه وسلم.

كل الأيام والأسابيع والأشهر والأعوام، وكل محطات العمر في حساب المسلم، ينبغي أن تظل وتبقى نصرة قولية وفعلية للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا العام بسبب هذه الحادثة الغريبة الشاذة المخالفة لكل الأعراف والقيم الرفيعة، ظهر فيه تيار شعبي متزايد القيمة والتأثير يرفض بشدة المس من جنابه صلى الله عليه وسلم، وحياض الدين الحنيف، فاستحق لقب “عام النصرة”، طبعا لنبينا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم.

وأما الحديث بأنه تحرك يراد منه تشكيل فيصل حزبي في النهاية، لمنافسة حزب “تواصل” مثلا أو غيره، فهذا لا يبرر التهاون في أمر النصرة، وإنما قد يكون فيه تنبيه لأهمية الوعي السياسي في هذا الصدد، بضرورة الحرص على حيادية جهود المناصرة، حتى لا تكون مجرد سوق إعلامي دعائي، لنفض الغبار عن تجارة الموالاة أو المعارضة.

إن ما حدث من كتابة مسيئة وما يلاحظ في حالات أخرى مستترة- على صفحات “التواصل الاجتماعي”- يستحق التحرك الجماعي المدروس المنظم والخالص لوجه الله، حتى يتم ضرب هذا التوجه الإلحادي في مهده قبل فوات الأوان، والمساهمة في هذا المنحى، ينبغي أن تكون بعيدة عن التحزب والعدوانية والتجني أو الاستهداف غير المبرر.

فمحاكمة المسيئ بحزم وصرامة، ورفض الدفاع عن هذا التوجه الخبيث الهابط، والتناغم مع اتجاه نصرته صلى الله عليه وسلم قولا جهريا مهابا وفعلا متبعا دائما، لسنته ومنهج الإسلام المعصوم، هذا الحراك الإسلامي الواسع المتمدد الطبيعي الملتزم بمبادئ الإسلام وأخلاقياته ومثله، سيشكل دون شك إسهاما في دفع الموسوسين بالإلحاد إلى ترك أمراضهم أو التوارى بها، إلى حين تخلصهم سرا من لوثاتهم النفسية أو الفكرية الخطيرة على سلامة العقيدة والانتماء الأولي للإسلام، ورفع وترسيخ صيت الإسلام في بلده وموطنه: الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

فما كان لحرية التعبير أن تتخذ معولا ووسيلة للمساس من شخصية سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، أو طريقا للتلاعب بالدين الإسلامي، وما كان للدولة مهما كان قصورها وتخبطها بين الاستبداد والنفعية أن تترك الحبل على الغارب، لكل من هب ودب، يصب وساوسه وضعفه العقلي والسلوكي بين أولاد وبنات المسلمين، لينهلوا من منبع مسموم ملوث قاتل.

إن أصحاب الفكر الإسلامي الوسطي، وأصحاب الرأي الحكيم السليم، ينبغي أن يهبوا للإسهام، كل من موقعه في تأطير هذه الهبة الشعبية المباركة، هبة نصرته صلى الله عليه وسلم ومؤازرته وتطبيق سنته.

فإن لم تراع مساراتها للحرص على حياديتها وسلامتها من الطيش اللفظي والفعلي، فقد تتحول إلى مجرد فرصة للنظام -بوجه خاص- لرفع قيمة أسهمه في الوسط الإسلامي، خصوصا أن السنة  الحالية، يتوقع أن تكون سنة الاقتراع الرئاسي، أو تستغلها المعارضة بأسلوب آخر، لمحاولة رص صفوفها الممزقة والإهتداء إلى خطة للخروج من ورطتها السياسية والانتخابية، التي باتت لا تخفى ولا تحتاج إلى شرح أو تبيين.

أين الدعاة والعلماء والشعراء لإنعاش محاضرات وندوات النصرة، وأين رجال الأعمال لتمويل وإنعاش هذا التوجه الإيجابي الملح في هذه الأيام، وأين المعارضة لتسهم بحرارة وحماس في هذا الشأن العقدي والإسلامي الهام؟، وأين الدولة لحماية وتشجيع هذا النشاط الإسلامي المبرر الناجح المفيد؟، وأين المنظمات الشبابية والنسوية للمشاركة بقوة وإقبال حقيقي، في هذا الجهد المناصر لسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، بعد هذا التجرئ غير المفهوم وغير المستساغ إطلاقا؟.

وأين الإعلام الخاص والرسمي، بمختلف أنواعه وأنماطه، لتغطية هذه المناصرة المتزايدة لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وشرح أهميتها وسماتها المناسبة البعيدة من الشطط أو التطرف أو التساهل.

إن دور الجميع في هذا التوجه مطلوب، واستعجالي فعلا في هذه الحقبة، التي حصل فيها هذا الهجوم المباغت، الذي تكرر بعد حرق بعض الكتب الإسلامية، وعندما سكت بعضنا أعلن ولد إشدو عن استعداده للدفاع عن من أساء إلينا جميعا، بإساءته لسيد الثقلين النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.

فهل يواصل بعضنا السكوت عن الحق “والساكت عن الحق شيطان أخرس”، كما قال صلى الله عليه وسلم، ليحدث ما لا تحمد عقباه؟.

إن ضرورة الوقاية مما هو أدهى وأمر، تستدعي تحرك الكل وحزم القضاء وتشجيع الدولة لجهد النصرة، وتأطير كل الخيرين لهذا التوجه، عسى أن لا تتكرر حادثة حرق الكتب أو الإساءة لجناب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فالسكوت والتهاون في أمر الإسلام العظيم إهانة للحق، وذلك هو مبلغ الإضرار بالحرية الحقيقية الملتزمة، وما سوى ذلك، خصوصا في مجتمعنا المسلم بكامله، فتح لباب التمرد على هويتنا الإسلامية، وموئلنا الحضاري الجامع الآمن.

لقد عنونت المقال تفاؤلا لهذا العام، بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم المطلوبة في كل وقت، رغم قناعتي بأن الكثير منا، يفضل التصفيق للحاكم بأي مناسبة هزلية غير مستحقة، مثل تعيينه على الاتحاد الإفريقي، أو الإقبال على حملته المنتظرة، بينما قد يواجه جهد المناصرة التهاون وعدم النشاط، المفترض والمطلوب شرعا.

ولكن احذروا جميعا من التفريط في دينكم وحرمات نبيكم صلى الله عليه وسلم، فالله يقول: “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، فلو خصصت ساحة ابن عباس لتوزيع كعكة أو عطاء ما، فما تأخر إلا القليل، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

لقد برهنت الجمع الماضية، على وجود بقية حياة في الناس، ومناصرة لهذا الدين ورسوله المعصوم صلى الله عليه وسلم، فهل نعمل على زيادة هذا المقدار الطيب من المشاعر والعمل الصالح، لصالح تحصين حياض ديننا ورسولنا صلى الله عليه وسلم عن طيش السفهاء، والجهلاء على السواء، والمرجفين في المدينة والمتربصين بالأمة الإسلامية في الداخل والخارج.

كما أن المناصرين لصاحب المقال المسيئ، ينبغي أن يضايقوا حتى يعلموا  أن ما قاموا به خطأ جسيم مرفوض، بقوة وعمق، وحتى لا يعودوا إلى هذه السفاهة والتطاول، سواء كانوا منظمات خارجية أو جهات داخلية، ولعل سكوت البعض وتغاضيه -محليا-  على هذا التهاون بشخصيته صلى الله عليه وسلم ضعف دين يكتمونه، آن لهم أن يتوبوا منه ويبتعدوا عنه بسرعة وصرامة.

وليعلم الفقيه والعارف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج الإسلام بإخلاص وأمانة، حتى لا يكون ممن يكتمون الحق والعلم، فالناس بحاجة ماسة لمعلمي الحق والخير بإخلاص ودون تنطع، عسى أن ينحسر موج الجهل والسقوط في حرمات الدين، وينتشر العلم النافع والعمل به بإذن الله.

ومن الجدير بالتنبيه إلى أن إساءة “ولد امخيطير” من الناحية العقابية، لا وجه فيها للتفلت من العقاب، فهو إن صحت توبته، في الحيز الزمني المتاح لصاحب الردة، ثلاثة أيام، فحكمه عند فقهائنا القتل حدا، أي مع إقرار إسلامه في حالة ثبوت هذه التوبة، وإن لم يتب في تلك الفترة الزمنية، ثلاثة أيام، الكافية لمراجعة النفس القابلة للرجوع للحق، فحكمه القتل كفرا، فهل تسارع الجهات القضائية المعنية، لإخراج البلد من هذه الدوامة الخطيرة، التي ظن فيها المفلسون إمكانية التجاوز عن تلاعبهم، بديننا المقدس المحصن، فتصدر حكمها الفيصل وينفذ فورا، دون حساب الضغوط الخارجية، محل المزايدة والمقايضة ربما، على حساب الحدود الشرعية، الواقية، ودون حصول مزيد من الفوضى ودس الأنف في أمر لا يجوز فيه غير الالتزام والتوقير، لمن أراد أن يحمل عنوان موريتانيا وجنسيتها.

لقد مثلت الإساءة المفاجئة لسيد الأنام صلى الله عليه وسلم، إختبارا حقيقيا للجميع، فلا السلطة يحق لها لا دستوريا ولا أخلاقيا منع التظاهر السلمي ضد مثل هذه الأفعال السيئة الغريبة، وعليها أن تبذل الجهد لتسريع العقاب المطلوب بإلحاح مشروع جدا، ولا الشارع المسلم الموريتاني يحسن به التغاضي عن الاهتمام بهذا الأمر، تظاهرا واستمرارا في رفض مثل هذه التصرفات المكروهة، ذوقا والمحرمة شرعا ودينا.

إننا جميعا إعلاميون وسلطة وشعبا، مدعوون إلى تفهم خطر مثل هذا الهجوم الدنيئ، على شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل على الدفع إلى إصدار العقوبة الملائمة والمعروفة، وتنفيذها، دون تفريط في حكم الله.

إن الحرية لا تعني فتح المجال للعبث بديننا ومقام قدوتنا وقائدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.

ومرحبا بالحرية في مجالاتها المناسبة المفيدة، الفاتحة للعقل على ما ينميه ويسقيه خيرا واستقرارا وتوازنا، ويزكي النفس البشرية، ويعمق آفاق التنمية في كافة المناحي الحياتية المتنوعة، ولتكن فعلا سنة 2014 وغيرها سنة مناصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بامتياز.

ولنتذكر أنه في ماليزيا في الأيام الماضية، في أحد أكبر مساجد العاصمة كوالالامبور، تم حرق علم موريتانيا، احتجاجا من الماليزيين على الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم في بلادنا، فهل نترك بلدنا يرتبط اسمه الغالي بهذه الإساءة المنكرة؟.

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير “الأقصى”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى