من الذي أفشل المسيرة الداعمة لغزة؟

altإنه لمن المؤسف حقا أن تفشل المسيرة الداعمة لغزة في مثل هذا الوقت الحرج الذي يرتكب فيه العدو مجازر بشعة ضد أهلنا في غزة، وهي المسيرة التي كان من المفترض بها أيضا أن تمد يد العون لأهلنا في أمبود، والذين لاشك بأنهم هم أيضا بأمس الحاجة لمن يمد لهم يد العون بعد الكارثة التي حلت بهم.

لقد تسبب فشل هذه المسيرة في صدمة كبيرة للكثير من الموريتانيين الذين كانوا قد تحمسوا لها كثيرا عندما أعلن عنها، وذلك لأنها من جهة مسيرة داعمة لغزة التي تتعرض اليوم  لمجازر بشعة من طرف عدو متغطرس، ولأنها من جهة ثانية أول مسيرة  كان من المفترض بها أن تجمع الطيف السياسي، والذي يتمنى الكثير من الموريتانيين أن يراه مجتمعا بعد سنوات من الاستقطاب الغير مسبوق.

فمن ذا الذي أفشل هذه المسيرة التي تحمس لها الكثير من الموريتانيين؟

الإجابة على هذا السؤال تفرض علينا أن نوضح بعض الأمور لعل من أهمها:

أولا : لقد تم الإعلان عن هذه المسيرة في حفل إفطار جمع كل الطيف السياسي والنقابي والإعلامي، وهو الحفل الذي نظمه حزب “تواصل”، وللتذكير فإن حزب تواصل هو من الأحزاب المشكلة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.

ثانيا : إن أول من اقترح فكرة هذه المسيرة هو الرئيس محمد ولد مولود، وللتذكير فإن محمد ولد مولود يرأس حزب اتحاد قوى التقدم، والذي هو أيضا من الأحزاب المشكلة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.

ثالثا : بعد أن تقدم الرئيس محمد ولد مولود بهذا المقترح على الطيف السياسي عبرت نقابة الصحفيين ونقابة المحامين عن استعدادهما للإشراف على هذه المسيرة.

يمكنكم أن تلاحظوا بأنه وإلى حد الآن، لم يتم أي ذكر للحزب الحاكم لا في اقتراح الفكرة، ولا في بذل أي جهد في جمع الطيف السياسي والنقابي والإعلامي الذي سيتبنى فيما بعد هذه الفكرة.

رحب الجميع بالفكرة، وبدأت لجنة الإشراف بالعمل، وتم الاتفاق على تحديد موعد للمسيرة، وتم الاتفاق أيضا على أن تقتصر الشعارات على رفع العلم الفلسطيني والموريتاني، وعلى الاكتفاء برفع شعارات تدين الحرب على غزة.

ولاشك أن مثل ذلك الاتفاق كان سيساهم في نجاح المسيرة، فالسماح لكل حزب بأن يرفع شعارات خاصة به، كان سيؤدي حتما إلى فوضى في الشعارات، فقد يرفع الحزب الحاكم شعارا ت تمجد الرئيس ولد عبد العزيز على قطعه للعلاقات مع العدو، وقد ترفع الأحزاب المشكلة للمنتدى شعارات تدين الموقف المتخاذل الذي اتخذته الحكومة من الحرب الدائرة حاليا في غزة، وكان ذلك سيؤدي بالمسيرة إلى أن تتحول إلى خصومة بين المشاركين فيها، بدلا من أن تكون مسيرة داعمة لغزة أو لأمبود.

لا يمكن لهذا النوع من المسيرات الذي يجمع المعارضة والموالاة أن ينجح إلا إذا تم الابتعاد عن الشعرات الحزبية، فلماذا أصر الحزب الحاكم على أن يرفع شعارات حزبية؟

لا يمكن أن نجيب على هذا السؤال، إلا بإجابة واحدة، وهي أن الحزب الحاكم كان يسعى لإفشال هذه المسيرة، ومما يدعم ذلك، هو أنه في مثل مناسبة كهذه كان من المفترض أن تكون المعارضة هي من يصر على رفع شعارات حزبية، لا الحزب الحاكم، ولكن أن يكون الحزب الحاكم هو من يصر على رفع شعارات حزبية في حين أن المعارضة هي من يطالب بالاكتفاء برفع العلم الوطني، فإن ذلك لمن الأمور التي تثير الاستغراب.

ومما يؤكد أن الحزب الحاكم كان يسعى لإفشال المسيرة هو أنه لم يعلن عن نيته لرفع شعارات حزبية إلا بعد منتصف النهار من يوم المسيرة، أي في وقت لم يعد بإمكان المشاركين الآخرين أن يعدوا لافتات خاصة بهم، وتحمل شعاراتهم، حتى ولو قبلوا بأن يرفع كل حزب شعاراته الخاصة به. فالحزب الحاكم لم يعلن عن إصراره على رفع شعارات خاصة به، إلا في وقت لم يعد بإمكان المشاركين الآخرين أن يأتوا بشعارات خاصة بهم، حتى ولو أرادوا ذلك.

وفي الختام فإنه لابد أيضا من تحميل نقابة الصحفيين ونقابة المحامين جزءا من المسؤولية في فشل المسيرة، وذلك لأن كلا من النقابتين كان قد أظهر ضعفا كبيرا أمام الحزب الحاكم، ولم تستطع النقابتان أن تمنعا الحزب الحاكم من جلب عدد من الأطفال إلى المسيرة وتوزيع لافتات الحزب عليهم، ويبدو الأمر بالنسبة لنقابة المحامين أشد خطورة، وذلك لأن المجلس السابق للنقابة كان قد نجح في جمع الطيف السياسي على نشاط داعم لغزة، في حين فشل المجلس الجديد في أن يجمع الطيف السياسي في أول اختبار له.

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى