رشوة على مكتب الرئيس!

الزمان ـ ذكرت وكالة الأخبار المستقلة نقلا عن مجموعة من الشيوخ كان الرئيس قد التقى بها في الأيام الأخيرة بأن الرئيس قد حدث أولئك الشيوخ عن رشوة بقيمة عشرة ملايين دولار وضعها رجل أعمال فرنسي على مكتب رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وذلك في محاولة منه للحصول على صفقة تسيير ميناء 

نواكشوط المستقل. وحسب الشيوخ الذين نقلوا هذا التصريح عن الرئيس فإن محاولة رجل الأعمال هذه قد باءت بالفشل.

إن صحت هذه الرواية، فإننا سنكون أمام فضيحة كبيرة تشعرنا كمواطنين في هذه البلاد بالعار، وتفرض علينا أن نطرح أسئلة من قبيل: لماذا لم تتم محاسبة هذا الراشي الذي أساء إلى الرئيس وأساء إلى هيبة الدولة الموريتانية؟ ما مصير العشرة ملايين دولار؟ وهل أعادها الرئيس إلى رجل الأعمال، وإن كان قد أعادها فكيف أعادها؟ وهل هذه هي الرشوة الوحيدة التي تم عرضها على الرئيس منذ وصوله إلى السلطة أم أن هناك حالات أخرى؟ وهل هناك إمكانية ما لمتابعة الراشي من خلال القضاء الفرنسي الذي يعتبر قضاءً مستقلا ويختلف بطبيعة الحال عن القضاء عندنا؟ وفي انتظار أن نجد أجوبة مقنعة على كل هذه الأسئلة، فإن هناك سؤالا آخر يطرح نفسه وبإلحاح إن صحت هذه الحادثة، وهذا السؤال الأخير هو الذي سأحاول الإجابة عليه من خلال هذا المقال. يقول السؤال : لماذا كشف الرئيس عن هذا السر الذي تم إخفاؤه لفترة من الزمن، ولماذا تحدث الرئيس عن هذه الفضيحة في مثل هذا الوقت بالذات إذا ما افترضنا صحة ما نقله الشيوخ عن الرئيس المحارب للفساد؟ من الملاحظ بأن الرئيس قد أصبح يعاني في مأموريته الثانية من ارتباك شديد، وقد أصبح ذلك الارتباك أكثر وضوحا في الفترة الأخيرة، وقد ظهر هذا الارتباك في خطاباته: خطاب النعمة، خطاب اختتام النسخة الثانية من حوارات سبتمبر حيث افتخر الرئيس بانتهاكه للدستور مرتين. كما يظهر هذا الارتباك في بعض القرارات التي اتخذها الرئيس في الفترة الأخيرة. في المأمورية الأولى ظهر الرئيس عزيز كرئيس قوي له روح مخاطرة ويمتلك جرأة زائدة، وقد ساعدته تلك الصفات في أن يتخذ قرارات جريئة، وأن ينجح بشكل أو بآخر في تنفيذ تلك القرارات ودون أن تكون هناك أي التفاتة إلى الوراء: الانقلاب على أول رئيس منتخب؛ قطع العلاقات مع العدو الصهيوني؛ الخروج من الرئاسة لفترة محددة. في تلك الفترة لم يكن الرئيس يلتفت إلى الوراء عندما يتخذ قرارا، وقد ساعده ذلك في تجاوز العديد من المواقف الحرجة. هذا عن الماضي، أما عن الحاضر فيبدو أن رئيسنا قد أصبح مرتبكا، ضعيفا، مترددا، ويبدو أنه لم يستطع أن يحسم موضوعا قد أصبح يشغله كثيرا في الفترة الأخيرة، وهو الموضوع المتعلق بما بعد العام 2019، فالرجل لا يستطيع أن يتخيل نفسه خارج السلطة، وهو يعلم أيضا بأنه لا يستطيع البقاء فيها من بعد العام 2019 . إنه لم يستطع أن يقرر بشكل حاسم الخروج من السلطة في العام 2019، ولم يستطع أن يقرر بشكل حاسم البقاء فيها، ومن هنا ظهر ارتباك الرجل الذي لم يرفض  الدعوات المطالبة بمأمورية ثالثة، وذلك في وقت كان يصرح فيه بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة. ويظهر أيضا هذا الارتباك والتردد من خلال دعواته المستمرة للحوار، وذلك في وقت ظل يرفض فيه تنظيم أي حوار جدي، كما يظهر أيضا من خلال وعده بتنظيم استفتاء وعدم قدرته في نفس الوقت على القيام بخطوات جدية وملموسة  تمهد لذلك الاستفتاء. الرئيس في غاية الارتباك، وكثير التردد، وهو لم يستطع حتى الآن أن يحسم موقفه من البقاء أو الخروج من السلطة، ولذلك فهو لم يحسم موقفه من الحوار، ولا من الاستفتاء، فهل يبدأ في إجراءات تنظيم هذا الاستفتاء أم أن الأفضل هو تجاهل الاستفتاء والتفكير في حوار جديد. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن ملف كاتب المقال المسيء، فالرئيس قد أظهر ترددا وارتباكا في هذا الملف، وهو لم يحسم حتى الآن إن كان من الأفضل له أن يرضي الغرب ويغضب الداخل فيخفف العقوبة عن هذا المسيء، وهذا ما كان يفكر فيه الرئيس في الأسابيع الماضية ولم يمنعه من تنفيذ ذلك إلا الهبة الشعبية غير المسبوقة، أم أن الأفضل له هو أن يحكم على المسيء بالإعدام فيرضي الداخل ويغضب الغرب. الرجل أصبح مترددا في كل شيء، حتى في الاستفتاء فهو لا يعرف إن كان من الأفضل له أن ينظم استفتاءً شعبيا بكلفة كبيرة، وبنتائج غير مضمونة، وذلك نظرا للرفض الشعبي الواسع لتغيير العلم، حتى وإن كانت أسباب ذلك الرفض متعددة ومتنوعة. أم أن الأفضل بالنسبة له هو أن يجري التعديلات الدستورية من خلال مؤتمر برلماني، وهنا تبقى مشكلة الشيوخ مطروحة، والذين لا يمكن للرئيس أن يضمن تصويت أربعة أخماس منهم لصالح التعديلات الدستورية، ولذلك فقد تكررت دعوتهم على دفعات من طرف الرئيس لجس النبض وللاطلاع على نواياهم الحقيقية، وكان من بين تلك الدعوات الدعوة الأخيرة التي قال بعض الشيوخ بأن الرئيس قد قال لهم على هامشها بأن رجل أعمال فرنسي قد وضع رشوة بقيمة عشرة ملايين دولار على مكتب رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية. لم يحسم الرئيس موقفه من الخروج أو البقاء في السلطة، فلو أنه قرر الخروج من السلطة في العام 2019 لحاول من الآن أن يفتح صفحة جديدة مع معارضيه يكون عنوانها الأبرز هو التصالح وبناء الثقة من أجل تهيئة الظروف المناسبة للخروج الآمن من السلطة في العام 2019، ولو أنه في المقابل قرر البقاء في السلطة بشكل نهائي لتجنب إطلاق التصريحات التي يقول فيها من حين لآخر بأنه لا يفكر في مأمورية ثالثة. إن الرئيس يمر في مأموريته الثانية بحالة من الضعف والتردد والارتباك الشديد، ولا شك بأن ذلك سينعكس سلبا على أدائه وعلى تصريحاته فيما تبقى من هذه المأمورية، ولذلك فعليكم أن تتوقعوا في المستقبل أن يحدثكم الرئيس عما هو أخطر من وضع رشوة بقيمة عشرة ملايين دولار على مكتبه. حفظ الله موريتانيا…

 

محمد الأمين ولد الفاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى