تقييمُ المخزون السّمكي… لماذا؟ وكيف؟ / حمود محمد الفاظل

سُئِلَ أحد الباحثين في مجال الثروة السمكية وتقييم المخزون عن مهمته كباحث في هذا الميدان ؟ فأجاب: أقوم بِعَدِّ الأسماك في البحر! ومع بساطة هذه الاجابة إلا أنها قد تعطي فكرة أولية عن المقصود بتقييم المخزون السمكي رغم أنه ليس بهذه السهولة والبساطة.

تُعتبر الثروة السمكية من المصادر الطبيعية المتجددة التي لها القدرة على تجديد نفسها من خلال عمليات التكاثر الطبيعي ويرتبط قطاع الصيد الذي يشكل أهمية كبرى في الاقتصاد الموريتاني (50 %من الصادرات و30 %من إيرادات الميزانية وأكثر من 30000 فرصة عمل)  بهذه الثروة وخصوصا حجم المخزون السمكي ومستوى استغلاله وكذلك قدرته الانتاجية..

وبطبيعة الحال يتأثر هذا المخزون السمكي بمجموعة من العوامل منها الطبيعي (خصائص المياه، الحرارة، الملوحة…الخ) ومنها العوامل التي يسببها نشاط الإنسان والتي يمكن اجمالها فيما يعرف ب”جهد الصيد” الذي هو المحصلة النهائية لكل ما يمارسه الإنسان من آثارٍ لاستغلال المخزون (عدد قوارب الصيد، معدات الصيد، فترات الصيد…الخ) ويعتبر جهد الصيد العامل الأكثر تأثيرا على المخزون السمكي حيث يشكل تنامي جهد الصيد بشكل غير منظم ولا يتناسب مع طاقة المخزون وقدرته الانتاجية تدهورا في المخزون واستحالةَ عودته لحالته الطبيعية مما يؤثر على التنمية ويحدُّ من الاستفادة من الثروة السمكية ، ويعتبر تقدير المخزون السمكي (معرفة حجم الثروة السمكية المتوفرة) وتقييمه (معرفة درجة استغلاله : هل يُستغل بشكل متوازن أم هناك فرط في الاستغلال) من الأمور الأساسية التي لا غنى عنها لحماية الثروة السمكية واستغلالها بما يضمن تجددها.

1-   المفهوم:

المخزون السمكي بمعناه العام يعني حجم الكتلة الحية من الأسماك في المياه البحرية وقدرتها الانتاجية  وفي موريتانيا يمكن تقسيم المخزون السمكي إلى قسمين كبيرين:

1-2 : مخزون الأسماك السطحية وهي التي تعيش قريبة من السطح وعادة يكون هذا المخزون مشتركا بين الدول المجاورة نتيجة لهجرة هذه الأنواع  ويمثل حجم الانتاج السنوي من هذا المخزون أكثر من 70%من الكمية المصطادة وحوالي 30%من قيمة الصادرات السمكية في موريتانيا.

1-3 : مخزون الأسماك القاعية وهي الانواع السمكية التي تعيش في القاع أو قريبة منه ويضم أهم الأنواع ذات العائد المادي الكبير كالأخطبوط مثلا، وتمثل الموارد القاعية حوالي 31%من الكمية الاجمالية للصيد بينما تصل قيمة الصادرات السمكية لهذا المخزون حوالي 75 %.

2-   لماذا تقييم المخزون السمكي؟

إن تقييم المخزون السمكي وتحديد مستوى استغلاله يعتبر عنصرا أساسيا للحفاظ على ثروتنا السمكية من التدهور وفي غياب هذا التقييم يمكن أن يشكل تنامي جهد الصيد بشكل غير منظم على أسماك معينة دون مراعاة  المخزون المتوفر والمتاح للاستغلال خطرا يهدد هذا المخزون، كما أن الاستمرار في صيد أعداد كبيرة من الأسماك في مراحل نضوجها وحرمانها من فرصة التكاثر وإثراء المخزون الطبيعي  والصيد المُوجّه لصغار الأسماك بأحجام صغيرة كل ذلك ينتج عنه تدهور المخزون السمكي مما يهدد بانقراض أنواع معينة وتراجع المخزون حتى يصل إلى مرحلة يصعب معها أن يعود لوضعيته الطبيعة لذلك يصبح من اللازم تقييم المخزون السّمكي لمعرفة الأنواع التي تتعرض لاستغلال مفرط وتلك التي لاتزال مخزوناتها في حالة جيدة تسمح بمزيد من الاستغلال ولا بد هنا من الأخذ بالتّوصيات العلمية التي يصدرها المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد (IMROP) في هذا الشأن لضمان استغلال متوازنٍ لثرواتنا السمكية.

3-   كيف يتم تقييم المخزون السمكي؟

يتم تقييم المخزون السمكي بإحدى طريقتين: طريقة مباشرة وأخرى غير مباشرة.

3-1: الطريقة المباشرة:

 وذلك عن  طريق ما يعرف بالحملات العلمية (les campagnes scientifiques )وهي عبارة عن إجراء مسح لمياه البحر بواسطة سُفن الأبحاث لتقدير المخزون السمكي ورصد تطوره وهناك نوعان من الحملات العلمية وذلك حسب طبيعة المخزون السمكي المُراد تقييمه فإذا كان المخزون من الأسماك القاعية يتم تقييمه عن طريق:

3-1-1: الحملات القاعية ((Les Campagnes démersales

حيث تقوم سفينة البحث بإجراء مسوحات لأخذ عينات الأسماك عن طريق شباك الجر القاعي على طول المحيط ويتم بعد ذلك تصنيف وعد الأسماك التي تم صيدهاوذلك لحساب مؤشرات الوفرة لهذه الأنواع فيما بعد والتي تعتبر عنصرا أساسيا في تقييم المخزون السمكي خصوصا إذا كانت سلسلة البيانات طويلة، وفي حالة المخزون المراد تقييمه يتكون من أسماك السطح الصغيرة ففي هذه الحالة يتم استخدام:

3-1-2: الحملات الصوتية(Les campagnes acoustiques)

حيث يتم تقييم الكتل الحية للنوعيات المستهدفة وإعداد خرائط توزيعية لها وذلك عن طريق جهاز مثبت في السفينة يطلق مجموعة من الأمواج الصوتية تنعكس على شكل طاقة (SA) حين تصطدم بأجسام الأسماك حيث يتم تحليل تلك الطاقة لتقدير الكتلة الحية لتلك الأسماك وتحديد أنواعها.

وينظم المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد هذه الحملات العلمية منذ عشرات السنيين حيث وفرت مجموعة من المعطيات العلمية حول طبيعة المخزون ومستوى استغلاله ورغم بساطة هذه الطريقة إلا أنه رغم ذلك تعترضها الكثير من الصعوبات منها مثلا طبيعة الأسماك وسلوكها حين تحس بالشباك وهي تقترب منها وكذلك تكاليفها الباهظة (حيث يكلف اليوم الواحد قرابة 1200000 أوقية،في سفينة البحث “العوام” أحيانا تصل الحملة إلى عشرين يوما).

 

 

3-2: طريقة غير مباشرة: وذلك عن طريق استخدام نماذج تقييم المخزون السمكي انطلاقا من المعطيات المتوفرة عن المخزون (الكميات المقبوضة ، جهد الصيد ..الخ) حيث تقوم هذه النماذج عن طريق مجموعة من العمليات الرياضية بتقييم  المخزون السمكي وذلك لتحديد ثلاث مستويات للمخزون:

 

·        مصايد مستغلة دون  المستوى المطلوب والذي يتيحه المخزون

·        مصايد تكون فيها درجة الاستغلال متوازنة مع مايتيحه المخزون وضمان تجدده

·        مصايد تكون فيها درجة الاستغلال تفوق  مايتيحه المخزون وهو ما يعرف بالاستغلال المفرط الذي يؤدي لتدهور المخزون .

وبحسب الدراسات والأبحاث التي يقوم بها المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد  انطلاقا من هذه الطرق المباشر وغير المباشرة وعن طريق استخدام  المعطيات التي توفرها الحملات العلمية وكذلك قواعد البيانات المختلفة يمكن بشيء من الإجمال القول بأن مؤشرات الوفرة لأهم الأنواع السمكية القاعية شهدت تراجعا مستمرا خلال العقد الماضي وأن مخزون بعض الاسماك القاعية  يشهد تناقصا وأحيانا تدهورا بسبب فرط الاستغلال الذي تجاوز قُدرات المخزون كما هو الحال بالنسبة للأخطبوط فيما يظل مخزون الأسماك السطحية بشكل عام في حالة جيدة تسمح بمزيد من فرص الاستغلال.

وحسب التقرير الصادر عن مجموعة العمل الأخيرة المنظمة من طرف المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد (دجمبر 2010) لتقييم المخزون السمكي يمكن تقديم المعلومات التالية المتعلقة بحالة المخزون لأهم الأنواع السمكية.

1-     أسماك السطح الصغيرة

–         مخزون أسماك السردين  Sardine(المخزون C) وهو مخزون مشترك بين المغرب وموريتانيا تقدر الكتلة الحية (Biomasse)لهذا النوع ب 5281520 طن وقدرة المخزون ب 1310000 طن (قدرة المخزون هي الكمية التي يتيحها المخزون للاستغلال دون أن يأثر ذلك على فرص تجدده ) وتقدر الكمية المصطادة ب 317600 طن (منها 105000 في موريتانيا) ويظهر أن هذا المخزون غير مستغل ولايزال يتيح الكثير من فرص الاستغلال.

–         الجواف المستدير Sardinelle ronde

تقدر الكتلة الحية لهذا النوع ب 1560000 طن ، قدرة المخزون  365000 طن وتقدر الكميات المصطادة ب 530000 طن منها 215000 في موريتانيا ويظهر هنا أن الكميات المصطادة تجاوزت ما يتيحه المخزون فهو في حالة فرط الاستغلال.

–         الجواف المفلطحSardinelle plate 

الكتلة الحية: 1300000 طن ، قدرة المخزون:265000 طن الكميات المصطادة 113000 طن منها 27000 طن في موريتانيا ويظهر أن هذا المخزون لايزال يتيح المزيد من فرص الاستغلال.

 

–         الماكريل الأسود Chinchard noir

تقدر الكتلة الحية لهذا النوع ب 840000 طن وطاقة المخزون ب 330000 طن يتم صيد 347000 طن من هذا النوع في شبه المنطقة منها 260000 طن في موريتانيا فهو مخزون يعاني فرط الاستغلال.

–         الماكريل الأطلسي  Chinchard de l’Atlantique

الكتلة الحية:220000 طن ، قدرة المخزون 102000 طن يتم صيد 120000 طن في شبه المنطقة منها 52000 طن في موريتانيا وهو كما هو واضح يعاني من فرط الاستغلال.

–         الماكرو   Maquereau

تقدر الكتلة الحية لهذا النوع ب 610000 طن وقدرته الانتاجية ب 250000 طن ويتم صيد 244000 طن من هذا النوع منها 44500 طن في موريتانيا وهو كما يظهر في حالة استغلال متوازن.

2-    الأسماك القاعية

 

–         الأخطبوط Poulpe

تظهر نتائج تقييم مخزون الأخطبوط بأنه وصل لحالة فرط الاستغلال حيث تصل القدرة الانتاجية لهذا المخزون إلى حوالي 30000 طن فيما تجاوزت الكميات المصطادة منه أكثر من هذا بكثيروعلى الرغم من الإجراءات المتخذة(توقيف الصيد في فترتين من السنة) لحماية هذا المخزون الذي يشكل أهم الأنواع التي يرتبط بها الصيد التقليديوتشكل مصدر دخل للكثير من الصيادين التقليديين فإن كل مجموعات العمل المتوالية تظهر دائما أن هذا المخزون في حالة استغلال مفرط.

–         السبيط: Seiche

 في ما يتعلق بهذا النوع أظهرت النتائج بأن الكميات المصطادة تبقي دون مستوي الكميات المتاحة للاستغلال حيث تقدر القدرة الانتاجية لهذا النوع ب 7000 طن.

–         نازلي أسود: Merlus noirs 

تظهر نتائج تقييم المخزون لهذا النوع أن استغلاله لايزال دون المستوى المتاح حيث تصل الكميات المصطادة منه إلى 6700 طن فيما تقدر طاقته الانتاجية ب 12000 طن.

–         الجمبري الشاطئي: Crevette côtière 

 مخزون هذا النوع في حالة استغلال متوازن تقدر قدرة المخزون ب 18000 طن

–         جمبري الأعماق: Crevette profonde 

نتائج التقييم تفيد بأن الكميات المصطادة من هذه الثروة تبقي نسبيا دون المستوي الأمثل المتاح للاصطياد الذي يقدرب 2500 طن بينما تبلغ المقبوضات  حاليا حدود 1400 طن (1).

 

4-   ختاما

يبقى تقييم المخزون السمكي أداة لا غنى عنها من أجل إدارة أمثل لمواردنا السمكية كما أن تحقيق التوازن بين حجم المخزون السّمكي وجهد الصيد الذي يمارس عليه سيساهم في صيد الأعداد أو الحجم الزائد من المخزون في كل سنة ولا يمكن تحقيق هذا التوزان مالم يتم الأخذ بنتائج الدراسات والاستشارات العلمية التي يقدمها المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد في هذا الشأن حيث يمكن للقرارات الصادرة من السلطات المعنية بناء على هذه الدراسات أن تُساهم في الحفاظ على المخزون السّمكي واستغلاله مع ضمان تجدده وذلك بتطبيق مجموعة من الاجراءات المختلفة.

ومن هذه الاجراءات الضرورية :

·        منع صيد الأحجام الصغيرة من الأنواع السمكية التي لاتزال في طور النمو وذلك لتوفير الفرصة لها لتصل إلى حجم يمكن معه أن تصل إلى مرحلة النضوج كما أن صيدها بأحجام صغيرة يجعل قيمتها التجارية متدنية.

·        منع الصيد في مواسم وأماكن معينة كتلك الأماكن التي يعتقد أن الأسماك تلجأ إليها للتكاثر ووضع البيوض أو المحميات الطبيعة لما توفره من توازن طبيعي مهم لثراء المخزون وتنوعه كما أن منع الصيد في مواسم معينة يأتي للحفاظ على المخزون السمكي لأنواع محددة يعاني مخزونها فرط الاستغلال (حسب الدراسات) وذلك لإعطائها فرصة للتكاثر وحماية صغارها وكمثال على ذلك (الراحة البيولوجية التي تستهدف حماية مخزون الأخطبوط) .

·        منع استخدام معدات الصيد الضارة التي تتسبب في تضرر المخزون السمكي أو البيئة البحرية بسبب استخدام نوع معين من المعدات يخالف المعايير المعتمدة في هذا المجال.

·        تحديد جهد الصيد وذلك عن طريق تنظيم رخص الصيد وعدد القوارب التي تصطاد في المياه الوطنية وسيساعد ذلك في تخفيض جهد الصيد ليتناسب مع الطاقة الإنتاجية للمخزون، بحيث يتم استغلال ما يزيد على حاجة المخزون من الأعداد والإبقاء في نفس الوقت على أعداد كافية منه لتقوم بمهمة تجديد المخزون عن طريق التكاثر.

إن هذه الاجراءات وغيرها مِمَّا لم يتم اتخاذه بعد من شأنه أن يُسهم في الحفاظ على ثروتنا السمكية وإدارة استغلالها بما يُحقق الفائدة للمواطن ويضمن تجدد هذه الثروة في المستقبل وذلك في ضوء نتائج الأبحاث والدراسات العلمية التي تشير إلى تناقص المخزون السمكي وحالة الاستغلال المفرط الذي تعاني منه بعض الأنواع السمكية ذات الأهمية البيئية والعائد المادي المعتبر، ولن يتم ذلك بالطبع مالم تُعطى عناية خاصة للبحث العلمي في مجال الثروة السمكية عن طريق الاهتمام بالمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد (IMROP) ماديا ومعنويا وتوفير كل الوسائل الضرورية ليقوم بمهمته في هذا المجال وذلك بوصفه المؤسسة المسؤولة عن إعداد الدراسات والأبحاث بشأن الثروة السمكية وتوفير المعلومات الأساسية عن حالة وتطورالمخزون السمكي.

 

 

———————

(1)- التقرير الصادر عن مجموعة العمل التي نظمها المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد (IMROP)دجمبر 2010.

بقلم: حمود محمد الفاظل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى