عن محاكمة عزيز

كتب أبو العباس ابراهام:

عن محاكمة عزيز

حاولت الشركات منذ ظهورها في شكلِها الحديث، في منتصف القرن التاسِع عشر، اللعب بالغش للسيطرة على السوق والصفقات. لقد تمّ الحديث في القرن التاسع عشر والعشرين عن نمطين من الاحتكار وإقصاء المنافَسة: الأول هو نمط Trust، الذي يموجبه احتكرت الشركات كافة مراحِل صناعة البضاعة وأقصَت منافسيها من خلال البيع تحتَهم ثمّ إعادة رفع الأسعار بعد القضاء على المنافَسة. هذا النوع أخذ شكلاً تقليدياً من روكفلر إلى أمين عثمان وولد انويكِظ. ولكنّه تطوّر إلى شكل آخر مع عودة الشركات الكبيرة للحياة الرأسمالية في النصف الاخير من القرن العشرين: من غوغل حتى أمازون.

النوع الثاني كان اتفاق الشركات على توحيد الأسعار وإبعاد المنافسة من خلال التوحّد على المستهلِك، وهذا النوع عُرِف بـ cartel، وهو نموذج سائد عند تجار المخدّرات، ولكن نموذجه الأكبر هو IG Farben في ألمانيا في القرن العشرين.

ثمّة نموذج مألوف: وهو دخول الشركات في السياسة ثمّ التربّح بالقانون. وهذا النوع مألوف في الولايات المتحِّدة، حيث الشركات وجماعات الضغط (وأكثرَها شركات) تموّل المنتخَبين لقاء تمرير قوانين لصالح أعمالِهم.

ما حصَل في موريتانيا في العشرية الماضية لا يُشبِهُه إلاّ حالات معينة من الحُكم العسكري الملبرَل في أميركا الجنوبية (عندما يقوم أحد الـCaudillo بالاستثراء؛ أو في بعض الفساد الإفريقي كما في توغو أياديمي). وهو أنّ رئيس الدولة استربَح من أعمال البناء وصفقات الخوصصة. لقد أخذ الصفقات الكبرى على مدى عشر سنوات بنى فيها مشاريع الدولة بدون مناقَصات حقيقيّة وبتربّح فاجِر وبعدم شفافية في هويات شركاتِه، التي أدارَتها أسماء شكلية. لقد قام باحتكار للصفقات، صفقات الطرق والإعمار والتموين، وأرسلَها تباعاً إلى شركاتِه الوهمية، متقاسِماً الأرباح مع شركائه في نفس الوقت الذي يتبجّ؛ فيه سياسياً من الإنجاز، الذي هو في الحقيقة استثمار اقتصادي له. ما حدَث لم يكن اختلاس التسعينيات، بل كان عملاً اقتصادياً طبيعياً، إلاّ في تضارب المصلحة وإخفاء هويات الشركات والقضاء على المنافَسة والمناقَصة والشفافية. في آخر النفَق ظهَر عملاق اقتصادي على أنقاض دولة دُمِّرت فيها الإجراءات والشفافية.

لقد أحيط بثُمُرِه. ولكن ما هو أهّم هو إنهاء هذا الاقتصاد السياسي الذي خلقَه. فهذا هو غطاء خلدوني لصعود رجال أعمال مزّيفين ليس لهم من رأس مال إلاّ العلاقات، وأحياناً القرابات، مع رجال الدولة. لا يبدو أنّ هذا الاقتصاد السياسي قد توقّف. بل يبدو مستمِّراً من خلال حلقة أخرى من صعود رجال الأعمال الجدد والحفاة الذين يتطاوَلون في البنيان. لا بدّ من ثورة هيكلية في طريقة أداء الأشياء ونشرها والنفاذ إلى تفاصيلها وإلاّ فإنّه، مرّةً أخرى، أمير المؤمنين يأمُر للشعراء من بيت المال.

يتواصَل النضال!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى