رسائل مختصرة جدا

(1)

مهما أحببتم “اسنيم”، ومهما عشقتموها، صدقا أو كذبا، فعليكم أن تتذكروا دائما هذه: إنكم لن تكونوا أصدق حبا ولا أكثر عشقا لشركة “اسنيم” من عمالها البسطاء المضربين، لذلك فلا داعيَّ للمزايدة على هؤلاء العمال المضربين.

(2)

إن شركة “اسنيم” ليست مجرد محل تجاري صغير في حي شعبي يمكن له أن يغلق بشكل عابر، ودون أن تتأثر الدولة والسلطة الحاكمة بإغلاقه. إن شركة “اسنيم” تعني فيما تعني: 10 آلاف وظيفة وفرصة عمل، سدس ميزانية الدولة، رمز من رموز السيادة الوطنية، أهم ضامن للقروض والاستثمارات الأجنبية، إنها مدينة بكاملها وباختفائها ستختفي مدينة “ازويرات” وكل القرى والتجمعات السكنية الواقعة على السكة الحديدية.

إنه على السلطة القائمة أن تعلم هذه : إن انهيار “اسنيم” سيعني، وبشكل تلقائي، انهيار السلطة التي تسببت في انهيار هذه الشركة.

(3)

لا تناقض بين مصلحة العمال، ومصلحة شركة “اسنيم”، والمصلحة العليا للوطن، فمن ينشد المصلحة العليا لموريتانيا عليه أن يدافع عن مصلحة “اسنيم”، ومن يريد مصلحة “اسنيم” عليه أن يناصر العمال المضربين، ويدعمهم في مطالبهم المشروعة.

إن من يقف اليوم مع العمال المضربين يقف مع مصلحة “اسنيم”، وهو بالتالي يقف مع مصلحة الوطن، وأما من يقف ضد العمال المضربين فإنه يقف ضد مصلحة “اسنيم”، وهو بالتالي يقف ضد المصلحة العليا للبلد.

 

فزيادة رواتب وأجور العمال هي التي ستضمن للشركة البقاء، وهي التي ستمنحها قدرة تنافسية أكبر، خاصة إذا ما علمنا بأن أعباء الأجور في شركة “اسنيم” لا تصل إلى 20% من كلفة الإنتاج، في حين أنها تزيد لدى شركة “تازيازت” مثلا على 30%.

إن هناك مجالات عديدة يمكن للشركة أن تقلص من خلالها النفقات، وأن ترشد من خلالها الموارد، فأرباح الشركة تستنزف من خلال الصفقات المشبوهة، والاستثمار في مشاريع مرتجلة، والإنفاق على الحملات الانتخابية.

(4)

يحاول البعض أن يتهم العمال المضربين بتسييس إضرابهم، وحجة هؤلاء بأن العمال تحركهم نقابات مسيسة، وبأن تلك النقابات تحركها أحزاب سياسية معارضة.

الطريف في الأمر هو أن هؤلاء الذين يدعون اليوم بأن المعارضة هي من حركت العمال هم أنفسهم الذين كانوا يقولون بالأمس بأنه لا شعبية للمعارضة، فكيف لمعارضة بلا شعبية أن تحرك ما يقترب من أربعة آلاف عامل بغمزة عين؟ فلو كان بإمكان المعارضة أن تحرك أربعة ألاف عامل بغمزة عين لكان بإمكانها أن تسقط نظام ولد عبد العزيز في طرفة عين.

إن هذه الآلاف من العمال المضربين لم تجمعها السياسية، ففيها الموالي، وفيها المعارض، وفيها من لا تهمه السياسة إطلاقا، هذه الأربعة آلاف عامل مضرب لم يجمعها إلا الدفاع عن حقوقها الضائعة ومطالبها المشروعة.

(5)

إنه ليس من المنطقي أن تعجز شركة “اسنيم” التي مرت بها أربع سنوات ارتفع فيها سعر الحديد بشكل غير مسبوق عن منح زيادات بسيطة في أجور عمالها، بحجة أنها قد مرت بها سنة انخفض فيها سعر الحديد عالميا.

فأين هي الأرباح الطائلة التي راكمتها هذه الشركة خلال أربع سنوات شهدت ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الحديد؟

لقد ظلت الحكومة خلال تلك السنوات الأربع تفتخر بما حققته الشركة من أرباح، وذلك بدعوى أن ذلك ما هو إلا إنجاز من انجازاتها الجبارة، وبأنه ليس بسبب زيادة أسعار الحديد في الأسواق العالمية، فبنفس المنطق، فإنه على الحكومة أن تعتبر بأن ما تعاني منه الشركة اليوم لم يكن بسبب انخفاض أسعار الحديد، وإنما كان بسبب الفشل في إدارة وتسيير هذه الشركة.

إن الحكومة التي تبنت الأرباح الناتجة عن ارتفاع سعر الحديد، واعتبرتها انجازا من انجازاتها، عليها في المقابل، أن تتبنى الخسائر الناتجة عن انخفاض أسعار الحديد، وأن تعتبر تلك الخسائر إخفاقا من إخفاقاتها المتعددة.

(6)

لم يعد مقبولا بأن تظل بقية المدن الموريتانية تواصل تفرجها على مدينة “ازويرات” وهي تحتضر، فهذه المدينة التي جادت بما في بطنها على كل مدن موريتانيا، ففكت العزلة عن تلك المدن، وشُقت الطرق من عائدات مناجمها، وذلك رغم أنها ما تزال مدينة معزولة، وما تزال بأمس الحاجة إلى طريق معبد يربطها ببقية المدن.

هذه المدينة التي أعطت الكثير ولم تأخذ إلا القليل تعاني اليوم، فلماذا يتم تجاهل معاناتها؟ ولماذا لم نسمع عن أي تبرع لصالح العمال المضربين غير تلك التبرعات التي تنافس في تقديمها أبناء المدينة من تجار ومعلمين وبائعي رصيد وجزارين وسائقي سيارات ..؟ لماذا لم نسمع عن قافلة تضامنية تنطلق من “النعمة” أو من “سيلبابي” أو من “روصو” أو من “كيهيدي” في اتجاه مدينة “ازويرات”؟ لماذا لم نسمع عن أي تبرع من أي واحد من أولئك الذين شاهدناهم ذات مرة وهم يتزاحمون أمام باب التلفزة الموريتانية من أجل تقديم تبرعات سخية للمنتخب الوطني؟ ولماذا لا يقول المنتخبون والوجهاء وأطر الحوضين للرئيس بأنهم لن يستقبلوه في الحوضين من قبل أن يزور مدينة “ازويرات” ويحل مشاكل عمالها؟ ولماذا غابت المسيرات الشعبية التضامنية مع عمال “ازويرات” وذلك مع العلم بأننا من أكثر شعوب العالم تضامنا مع الأشقاء والأصدقاء من خارج حدود البلاد؟

ولماذا لم نعلن حتى الآن بأن مدينة “ازويرات” مدينة منكوبة تستحق أن نتضامن

 

“اسنيم” في خطر / محمد الأمين ولد الفاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى