ردود سريعة على مغالطات وزير المالية

إن أي وزير سيقرر أن يدافع عن عدم تخفيض أسعار المحروقات السائلة سيجد نفسه في ورطة كبيرة، وسيتحول إلى مادة للسخرية والتندر، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أنه لا يوجد أي مبرر وجيه يمكن تقديمه لتبرير عدم تخفيض أسعار المحروقات في هذه الفترة التي تشهد فيها أسعار النفط في الأسواق العالمية انهيارا وتراجعا كبيرا.

  إن من يقرر أن يدافع عن عدم تخفيض أسعار المحروقات سيجد نفسه في ورطة كبيرة، هذا هو ما حصل مع الوزير الناطق باسم الحكومة خلال مؤتمرين صحفيين، وهذا هو ما حصل أيضا مع وزير المالية في المؤتمر الصحفي الأخير، وهذا هو ما سيحصل مستقبلا مع أي وزير آخر يقرر أن يجازف بالدفاع عن عدم تخفيض أسعار المحروقات.  لقد جاء في دفاع وزير المالية عن عدم تخفيض أسعار المحروقات عدة مغالطات سأرد عليها من خلال النقاط التالية:  1ـ لقد ذكر وزير المالية بأننا نحن وفرنسا نشتري النفط بنفس السعر، وهذا كلام صحيح لا لبس فيه، ولكن الصحيح أيضا هو أننا نحن والجارة المغرب نشتري أيضا النفط بنفس السعر، ومع ذلك فإن الحكومة المغربية تبيع لتر المازوت لمواطنيها بسعر في حدود 250 أوقية، أما الحكومة الموريتانية فإنها تبيعه بسعر يصل إلى 384 أوقية، أي بفارق 134 أوقية، هذا مع العلم بأن المازوت الذي يباع في موريتانيا هو أقل جودة وأكثر رداءة.  إنه من غير المنصف أن نقارن بين الأسعار في موريتانيا والمغرب، وذلك نظرا لأن دخل المواطن الموريتاني أقل من دخل المواطن المغربي. أما أن نقارن الأسعار في موريتانيا بنظيرتها في فرنسا فإن ذلك لمن عجائب المقارنات ولمن غرائبها.  2 ـ إن الراتب الأدنى في فرنسا يصل إلى نصف مليون أوقية تقريبا، أي أنه يضاعف عشر مرات الراتب الأدنى في موريتانيا، ولذلك، وبمنطق الأرقام فإن لتر المازوت كان يجب أن يباع في فرنسا ب3840 أوقية عندما يباع في موريتانيا ب384 أوقية.  وللعلم فإن كاتب هذا المقال يتبع وظيفيا لوزير المالية، ويتقاضى راتبا قدره 41000 أوقية فقط، وذلك على الرغم من أنه يحمل شهادة جامعية ..ربما أكون أنا هو الوحيد من أصحاب الشهادات الذي يتقاضى مثل هذا الراتب في وزارة المالية، ولذلك أسباب معروفة، ولو كنتُ في فرنسا لما حصل لي مثل هذا الظلم، ولكني لستُ في فرنسا، وحكومتنا ليست كالحكومة في فرنسا. ولو أن السلطة رفعت من الرواتب الدنيا، وأوصلتها لخمس الراتب الأدنى في فرنسا، لأطلقنا نحن أصحاب الرواتب الدنيا في هذه البلاد مبادرة تطالب برفع أسعار المحروقات بدلا من المطالبة بتخفيضها.  3 ـ برر وزير المالية عدم خفض أسعار المحروقات في موريتانيا بما يشهده الحديد من تراجع. كان يمكننا أن نقبل هذا التبرير لو أن الحكومة خفضت أسعار المحروقات في السنوات الماضية التي وصل فيها سعر الحديد إلى مستويات غير مسبوقة. لقد حققت شركة “اسنيم” أرباحا خيالية خلال السنوات (2009 ـ 2013)، وهي أرباح تقدر ب4 مليار دولار، أي ما يعادل ميزانية موريتانيا لثلاث سنوات ..فلماذا لم تخفض موريتانيا أسعار المحروقات السائلة في هذه السنوات التي كان يباع بها الحديد بأعلى الأسعار؟ ولماذا قررت الحكومة في هذه السنوات أن تزيد من سعر المحروقات بدلا من تخفيضها؟ لقد وصل مجموع الزيادات في أسعار المحروقات خلال هذه الفترة إلى ثلاثين زيادة.  4 ـ إن تدني أسعار الحديد لا يمكن أن نجعل منه مبررا لعدم تخفيض أسعار المحروقات، فأسعار الحديد كانت متدنية في عهد الرئيس السابق، وقد كان متوسط سعر طن الحديد في العام 2007 هو 36 دولارا فقط، ووصل في العام 2008 إلى 60 دولارا. إن أسعار الحديد كانت متدنية في عهد الرئيس السابق، وكانت كلفة إنتاج الحديد في ذلك العهد مرتفعة جدا بسبب ارتفاع أسعار النفط، والتي وصلت في شهر يوليو 2008 إلى 132 دولارا للبرميل، ومع ذلك فإن الرئيس السابق كان يبيع لتر المازوت ب304 أوقية ، أما اليوم فإن برميل النفط يباع في الأسواق العالمة بسعر في حدود 32 دولارا، ولتر المازوت يباع في العاصمة نواكشوط ب384 أوقية، أي بزيادة 80 أوقية.  5 ـ تحدث وزير المالية في مؤتمره الصحفي عن اهتمام الحكومة بالمواطن، وما يمكن قوله في هذه المسألة هو أن اهتمام الحكومة بالمواطن يطغى عليه الطابع النفعي، والحكومة قد أصبحت تنظر إلى المواطن بوصفه موردا اقتصاديا لا ينضب يمكن أن يحصل منه المزيد من الأموال من خلال الضرائب، ومن خلال بيع المحروقات بأسعار مرتفعة جدا.  ركز الوزير في مؤتمره الصحفي على دكاكين أمل وعلى تشغيل الشباب، وبالمناسبة فإنه توجد بفرنسا بقالات التضامن، والحكومة الفرنسية تمنح راتبا لكل عاطل عن العمل قدره 524 “أورو” وهو ما يعادل 200.000 أوقية.  6 ـ لم يكن وزير المالية في مؤتمره الصحفي يهمه إقناع المواطن الموريتاني، ولذلك فقد جاء في مؤتمره الصحفي بهذه المقارنات العجيبة مع فرنسا. إن كل ما يهم الوزير هو أن يشتري من “ماله الخاص” مقرا للحزب الحاكم في مقاطعة “مكطع لحجار”، أو أن يقول كلاما يرضي الرئيس حتى ولو كان يعلم بأن ما سيقوله من كلام سيثير سخرية المواطن. وللأمانة، والحق يقال، فإن وزير المالية قد وفق في إرضاء الرئيس، وذلك بسبب أنه قد أبدع في تحصيل الأموال الطائلة من المواطنين، فقراء كانوا أو أغنياء، ولذلك، ولبراعته في التحصيل فقد خصه الرئيس من بين كل الوزراء، بأن وشحه بوسام رفيع في الذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال الوطني.  لقد أبدع وزير المالية في التحصيل، ويكفي أن نعلم بأن هذا الوزير كان له الفضل في أن أضاف جملة جديدة إلى بيانات مجلس الوزراء المملة، فبالإضافة إلى الجملتين التقليديتين المتمثلتين في بياني وزيري الداخلية والخارجية، فقد أصبحنا اليوم نسمع جملة جديدة غير معهودة في قاموس بيانات مجالس الوزراء تقول :”وقدم وزير المالية بيانا حول البيع بالمزاد العلني لمساحات كانت تأوي ثلاث مدارس مسحوبة من الخريطة المدرسية”.  7 ـ حاول الوزير في مؤتمره الصحفي أن يقلل من شأن حملة “ماني شاري كازوال”، وقال الوزير بأن هذه الحملة تسعى لأغراض غير نزيهة. فمتى كانت المطالبة بتخفيض الأسعار عن المواطن عملا غير نزيه بلغة وزير المالية، أو غير نبيل بلغة الوزير الناطق باسم الحكومة؟ إن حملة “ماني شاري كازوال” هي الحملة الأكثر نبلا والأكثر نزاهة، وهي حملة غير مسيسة أطلقها نشطاء شباب ومدونون من مختلف المشارب والاتجاهات يرفعون مطلبا شعبيا ملحا يتفق الجميع على وجاهته وشرعيته. إن المشكلة الوحيدة لهذه الحملة تتمثل في كونها قد وضعت السلطة في موقف محرج جدا، فإما أن تتنازل السلطة عن شيء من الأرباح الطائلة التي تجنيها على حساب المواطن المسكين، وإلا فإن جشعها واحتيالها سيظهر للمواطن الموريتاني، والذي جعله هذا الحراك يدرك حجم الاحتيال والنهب الذي يتعرض له من خلال بيع المحروقات بأسعار خيالية.  8 ـ لقد شكل انقطاع الكهرباء عن قصر المؤتمرات أثناء كلمة الرئيس، وبحضور الرئيس السنغالي الذي نصدر لدولته الكهرباء فضيحة كبيرة، ومع ذلك فقد صفق الوزراء وكبار المسؤولين للظلام. فأي شيء يمكن أن ينتظره المواطن الموريتاني من وزراء يصفقون للظلام؟  الطريف في الأمر هو أن الرئيس الذي انقطعت عنه الكهرباء في قصر المؤتمرات في العام 2016، هو نفسه الرئيس الذي كان قد قال في خطاب له في العام 2009: “أتعهد أمامكم بأن يحصل كل منكم على حقوقه كاملة غير منقوصة، ستقسم ثورات البلد بينكم بعدل، سأبادر ببناء إدارة قوية تحترم المواطن وتخدمه دون تمييز أو انتقائية، وأتعهد بتعميم الماء والكهرباء على الجميع، وأن تكون أزمات الماء والكهرباء وجميع الخدمات الأساسية جزءا من الماضي فور انتخابي رئيسا للبلاد”.  أيها الوزير دعني أختم بهذا السؤال: هل أصبحت أزمات الكهرباء والماء جزءا من الماضي، وهل يمكن المقارنة بين فرنسا وموريتانيا في هذا المجال؟  حفظ الله موريتانيا..  محمد الأمين ولد الفاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى