مسعود ولد بلخير يكشف خيوط المؤامرة/سيدعلي بلعمش

(الزمان): ـ كل مخططات ولد عبد العزيز للبقاء في الحكم تم إحباطها بإحكام من قبل القوى المعارضة: ـ تم إحباطها على المستوى الداخلي من خلال عناد رموز المعارضة و طول نفسهم و وضوح رؤيتهم و من خلال الرفض الشعبي العارم المتصاعد و الاستعداد الرائع للشباب الموريتاني بكل حركاته التنويرية الشجاعة التي أثبتت وطنيتها و وفاءها و التزامها و استعدادها الدائم و غير المشروط، للدفاع عن الوطن بكل ما تتطلب المهمة من صبر و تجلد و تضحيات..

ـ و تم إحباطها على المستوى الخارجي من خلال دبلوماسية موازية هادئة و هادفة و واعية، تعتمد الوقائع و القرائن و الأدلة، أثبتت انحراف نظام هذه العصابة الضالعة في كل جرائم العالم و المتورطة بشكل مباشر في جل مشاكل القارة، المزعزعة للاستقرار و السكينة و المسيئة لحسن الجوار.. لم يبق لولد عبد العزيز صديق في القارة اليوم غير صنوه يحيى جامي و لم يعد يستطيع زيارة أي بلد أوروبي و لم يعد يستطيع استكتاب مقال و نشره في الصحف الأمريكية من دون دفع ملايين الدولارات و علاقاته مع دول الخليج ظرفية و انتهازية ـ من الطرفين ـ إلى أقصى حد : فدول الخليج لن تتعامل معه برجل في الخليج و أخرى في إيران و علاقته مع إيران محكومة بعلاقته مع الجزائر المحددة بخيارات النهاية الحتمية أو البقاء المشروط. حتى من يحيطون اليوم بولد عبد العزيز من النفعيين المتزلفين، أصبحوا يدركون جيدا أنه يسير في طريق مسدود و أن مصلحتهم تقتضي إما أن يخرجوا من ورطته و إما أن يتراجعوا خطوات عن واجهة ، استعدادا لما أصبح من الواضح، أن ليس منه بد. لقد كانت معركة صعبة و مكلفة و طويلة النفس، أربكت النظام و سدت أمامه أبواب الهروب في كل الاتجاهات و أبواب البقاء بأي ثمن . كان طول نفس المعارضة صعبا و مكلفا و في ظروف صعبة و مكلفة و كانت انتصاراتها باهتة (ظاهريا) لأنها غير مباشرة، لكنها كانت انتصارات حقيقية و عميقة و بالغة الألم، لا تقتل ولد عبد العزيز لكنها تسد أمامه كل طرق النجاة من حتفه الحتمي. هذه الحقائق هي ما جعلتهم يعلنون الحرب على المعارضة : المعارضة جبانة، المعارضة ضعيفة، فاشلة، مشتتة من الداخل، المعارضة خائنة، خائفة… إذا كانت المعارضة كل ذلك فلماذا تولونها كل هذا الاهتمام؟ إذا كانت المعارضة بهذه الهامشية و العبثية لماذا تطرحون حوارا منذ مهرجان شنقيط و تتخذون عشرين قرارا بقيامه “بمن حضر” و من غاب و من خان و من تآمر و تعجزون حتى الحين عن تحقيق ذلك الحوار؟ إذا كانت المعارضة بهذه الخفة و الهشاشة و التفاهة، لماذا تقيمون معها حوارا أصلا؟ تنقسم جوقة العصابة المختطفة للبلد من ثلاث مكونات : ـ الرأس (جنرالات الباكوتي و تجار القبيلة و مسعود): هؤلاء يدركون بألم و مرارة، أن المعارضة حاصرت كل مخططاتهم و أفشلت كل مشاريعهم و سدت كل الأبواب عليهم. ـ الاتحاد من أجل نهب الجمهورية و مجرته من تراخيص الشنطة: لا يفهمون سوى أن ولد عبد العزيز يجب أن يبقى في الحكم و ليسوا معنيين بأكثر من هذا الفهم.. ـ الإدارة المركزية و بقية أجهزة الدولة : تفهم أن ولد عبد العزيز يسعى بكل جهده للبقاء في الحكم لكنها لا ترى أي قابلية لتحقيق هذا الحلم، الذي لا تتمناه. من يفهم هذه المكونات و مواقعها و أدوارها، يدرك بسهولة أسباب الحالة الهستيرية التي تعيشها : القيادة محاصرة، الهوليغانص تتم مشاغلتها بدعاية سيئة التصميم و طبول انتصارات كاذبة في هجوم دفاعي لا تمل الكلاب نباحه و وسائل التنفيذ (الإدارة المركزية)، تستطيع تلفيق ميزانية وهمية ، تبرير مشاريع خيالية، تحصيل ضرائب فوق طاقة المواطن، لكنها لا تستطيع إنقاذ الجنين و أمه في حالة مستعصية ، يؤكد تشخيصها أن محاولة إنقاذ الاثنين لن تؤدي إلا إلى موتهما معا. ولد عبد العزيز الآن جنين ميت في بطن الدولة و محاولة إنقاذه لا يمكن أن تعيد له الحياة لكنها يمكن أن تهدد حياة البلد و “حل مسعود” محاولة تأجير رحم فاسد، تأخرت كثيرا عن وقتها: ”قال ولد بلخير إنه كرس حياته لخدمة موريتانيا في جميع المناصب المختلفة التي تقلدها و التي لم يبق أمامه منها إلا الرئاسة و سيصلها”. ـ كيف سيصل مسعود إلى الرئاسة و “المواد المحصنة من القانون” تمنع ترشحه بسبب العمر؟ هذه هي الرسالة التي قدم لنا مسعود بالأمس و لم يفهمها الكثيرون: لقد اتفق مع عزيز ـ بعد محاصرة كل محاولات الأخير في البقاء في السلطة ـ على أن يتم تغيير المادة التي تحدد عمر المترشح من دون المساس بالمواد التي تحدد عدد المأموريات، ليتم تقديم مسعود كبديل في محاولة تكرار سيناريو “سيدي ولد الشيخ عبد الله” (نقدم رئيسا ضعيفا نتحكم في كل شيء من خلفه مع تصحيح أخطاء التجربة الماضية) لكن ما هي أخطاء التجربة الماضية التي ارتكبها عزيز؟ هذا السؤال جوهري و محوري : خطأ المرحلة السابقة الوحيد هو كان قراءة عصابة الجنرالات لحقيقة و شخصية الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله : ـ لقد كان الرئيس سيدي ضعيفا نعم، لأنه لم يأمر يوم توليه الحكم بإزاحة ولد عبد العزيز و ولد الغزواني من مناصبهما أو حتى إقالتهما من الجيش. ـ كان ضعيفا، لأنه يتمتع بصفاء نفس و طيب سريرة منعه من الغدر بمن وقفوا معه في الانتخابات التي أوصلته الرئاسة.. ـ كان ضعيفا، لأنه خلط كثيرا بين الخاص و العام على حساب مصلحة شعب هو من أوصله إلى الكرسي لا 24% التي أوصلته الدور الثاني و التي لا يمكن أن تتجاوز نسبتهما منها أكثر من حدود 4% في أحسن تقدير.. ـ كان ضعيفا، حين عينهما جنرالات و هما آخر من يستحقها على وجه الأرض و يدركها الرئيس سيدي جيدا.. ـ كان ضعيفا حين انكشفت نواياهما، و لم يدبر لهما عملية محكمة، لم تكن تتطلب أكثر من قرار لمحقهما في أقل من نصف دقيقة. و لا يمكن لأي دين و لا أي منطق و لا أي إنسانية أن تجعل أرواح كلبين مجرمين أهم من أرواح شعب كامل من الأبرياء. لكن سيدي لم يكن ضعيفا في ما توقعاه و خططا له، و لو كانها لما اختلفا معه و لما طالباه بالتراجع عن قرار عزلهما مقابل التراجع عن الانقلاب عليه. و هذا هو الخطأ الذي يتم تصحيحه اليوم : لقد تم اختيار مسعود بعد تجاوزه كل مراحل الاختبار طيلة الثمان سنين الماضية ـ نعم، طيلة السنين الثمانية الماضية ـ و لأن شهورهم سنوات، فقد دخل مسعود اليوم شهره التاسع و أصبح حمل سفاح لا يمكن إخفاؤه، يجب صدم المجتمع بأسبابه المؤسفة لتقبل التعامل مع ظهوره إلى الوجود من مسافة آمنة. فكيف تم اختيار مسعود و منذ متى و ما هي الأدلة و كيف أخفى حقيقة علاقته المستمرة مع عزيز منذ 2005 و أين كنا أغبياء في الحكم على تصرفاته و أين كنا أكثر غباء في قراءة حقيقته؟ هذه أمور تحتاج عدة مقالات ستأتي في وقتها. لقد كان مسعود ذكيا جدا في بعض حلقات هذا التسلل الماهر إلى كرسي، يؤسفني أن أؤكد له أنه فرط في فرص أكبر و أهم و أنبل في الوصول إليه و قد تأكد ذلك الآن بما لا يحتمل أقل قدر من شك.. كان ماهرا في التمثيل و المشي على الحبلين طيلة هذه الفترة من بكائه أمام الكاميرات إلى تهديده و وعيده و تظاهرة بالقوة و الاستقلالية و التشكيك في جدية و قدرة و مهارات كل منافسيه.. لكننا نقول اليوم بأننا لا نندم على ترشيحنا له و هرولتنا في حملته و خلف قيادته في جبهة الدفاع عن الديمقراطية قبلها و تصديقنا لحسن نواياه التي تأكد الآن أنها كانت كاذبة : لقد كان شيخا منا يملك كل وسائل و شروط القيادة و الاستقرار و الاحترام، فإن يصدق نفي له و نموت دونه و إن يكذب (كما اختار مع الأسف و كما تأكد اليوم لأغبي الناس) نقيم الحجة عليه و لله ما أخذ و له ما أبقى. لقد كان مسعود واضحا في خطاب أمس حد قصص “كرفاف” لكن الأسابيع و الأشهر القادمة ستؤكد له أن الطريق الوحيد المفتوح أمام مخططي مشروع رئاسته هو مصير حسين هابري و مصير من يتواطأ معهم هو الضريبة الحتمية لكل من يخون شعبه. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى