معلومات صادمة ..عن سيدتنا عائشة/ سيدي محمد ولد جعفر

altالزمان ـ من الصعب استيعاب عالمية الإسلام وقابليته للتطور عبر العصور – فيما نعتقد- ما لم يُنزع زخرف القول عن تاريخ المسلمين، وتُشنف آذان عبدته بأنه أحداث صنعها بشر، ثلة منهم مؤمنون صادقون مخلصون، يخطؤون ويصيبون، وأكثرهم للحق كارهون، وأن يُفصل لهم البون الشاسع بين تاريخ الفتوى البشرية التي جاءت عبر العصور استجابة لحاجات مجتمعات المفتي أو المجتهد، والتي هي في الجوهر رأي محكوم كأي عمل بشري بحالات أصحابها النفسية، وخصوصيات مجتمعاتهم ، وخصوماتهم المذهبية، وبين تلك الأبعاد الانسجام مع البيئة الثقافية السائدة التي يتم التحرك فيها.

 

في زمن الخصومات العبثية المنتصرة لكل ما “وُجد عليه الآباء” أصبحت كل دعوة لمراجعة الموروث، أو نقد جوانبه المخالفة والمتناقضة مع سنن الخالق التي لا تبديل لها في كونه، وتبيان الاعوجاج البين في بعض مسلماتهم، تواجه بألسنة حداد تسطو على كل مخالف مشهرة سلاح التنفير والتحريض، وتُهم المروق من الملة، لا يرغبون إلًا ولا ذمة لمن يقترب من عرين الأسلاف جاعلينهم جزءً من الدين، هم الوحيدين المخولين تبيان ما سطروا، وحدهم المنافحين عما اقترفوا من سيء عمل بينٍ يجعلونه مناقب سيؤجرون عليه.

سننازلهم في عرينهم مناقشين باقتضاب قضية من محاذيرهم “المقدسة” حيث نراها قمينة بأن يماط اللثام عنها خاصة في هذا الظرف، قد يراها غيرنا خارج السياق، ونراها ملحة جداً، ويراها هو غير مجدية، فألف شكر لمن لعن، وضعفه لمن أطرى ، ملقين إلى مسامع كل مسترق للغة العقل الخافتة، والمُتهم لِلُغة العاطفة المغشوشة أن بعض مسلمات التراث المشهورة –المتجددة- هي من المفتريات المتعمدة، لامستها أصابع الاستبداد المعرفي وبصمتها بطابع اللامعقول الذي طبع الكثير من جوانب مسيرة الأمة منذ فجر تاريخها مدعوما بسند قوي من ظلمة متحكمين لا يريدون للمخالف أن يكون سوى مباح الدم.

إنها قضية ترتب عليها وعبر العصور حيف شديد، لأقدس مقدس في وجداننا معاشر المسلمين،( محمد صل الله عليه وآله وسلم) وسألج نفقها الممتلئ بالأفاعي، بطرح سؤال بدبلوماسية لم ألفها، تطيبا فقط لخواطر أصحاب النيات الحسنة أسرى المألوف، وخطب مغفلي الوعاظ، ومرددي المحفوظات، سؤال عن عمر سيدتنا عائشة عند زواج النبي الأعظم بها؟ هل هو ست عند العقد، وتسع عند الدخول كما تزخر بذلك جل كتب الأسلاف ؟ أم هناك في تلك الكتب نفسها وما سطرت أيدي مؤلفيها ومصححيها ما ينسف هذا الخبر بوعي كانوا ينتبهون إليه وبسبب ثقل اكراهات زمانهم لا يستطيعون حيلة؟، فعبارات متفق عليه، وصحيح لها مفعول تخديري لا يحب الجل مقاومته، فأن يكون المبعوث كي يتمم مكارم الأخلاق تزوج قاصراً قبوله أهون عندهم من رد -حتى لا أقول الطعن- فيما صححه “الثقاةّ”!

أشهر المحفوظات تقول إن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله عقد على كريمة الصديق وعمرها ست سنين، ودخلت بيته الشريف وعمرها تسع سنين، هكذا في صحيحي البخاري ومسلم من طُرق عن هشام عن أبيه عروة عن خالته عائشة رضوان الله عليها فالحديث سنده صحيح، وفق منهج البخاري في “التصحيح ” ،,وهذا يعني أنها ولدت بعد البعثة النبوية بأربع سنين، وقد درج عليه المفتون، وللمؤرخين نقولات تنافيه، كما للبخاري نفسه روايات في نفس الصحيح تنسف هذا الخبر من أصله.

القول الثاني وهو “من المخفيات” الأقل شهرة والأقوى أدلة أن العقد تم وهي بنت أربع عشر سنة، والدخول بها تم وعمرها ثمان عشر سنة، وهو ما يعني أنها ولدت قبل البعثة بأربع سنين، ولنا أدلتنا من البخاري نفسه وفي صحيحه تصريحا وليس تلميحا، -وسنشفعها بغيرها وسنضرب صفحا عن الكثير من لأدلة ربما إلى حين- فقد روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب الآية }بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر] آية أطبق جل المفسرين وعلى رأسهم القرطبي أنها نزلت قبل بدر بسبع سنين” أي قبل الهجرة بخمس سنين وبعد البعثة بثمان سنين،” نقول لهم لو كانت عائشة ولدت سنة أربع بعد البعثة كيف يصح خبر البخاري هذا؟.

معنى الجارية كما في معاجم اللسان خاصة منهم ابن سيده في المحكم، وابن منظور في لسان العرب هي الفتية من النساء وهي الشابّة، يطلقون الجارية على البنت في أول شبابها حيث تجري جيئة وذهابا،فيكون عمر عائشة عند نزول قوله تعالى [بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر] على القول الأول أربع سنين وبنت الأربع لا يقال لها جارية ويستحيل أن تعقل أمورا حدثت سنة ثمان ، وأما على القول الثاني فإن عمرها وقت نزول الآية اثنتي عشر سنة، وهذا ينسجم مع معنى الجارية في اللسان.

خبر أخر رواه البخاري أيضا عن عائشة أنها قالت “لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان بالإسلام، فلما ضيقت قريش على المسلمين خرج أبو بكر مهاجرا إلى الحبشة، حتى إذا بلغ مكانا يسمى برك الغماد لقيه ابن الدغنة..”. رده عن الذهاب إلى الحبشة خبر بن الدغنة مشهور ووجه الدلالة فيه أمران:

الأول أن الطفل لا يدرك في العادة تديُّن الناس من حوله بدين يخالف دين أبويه قبل سن الخامسة على أقل تقدير، ولو كانت عائشة ولدت في السنة الرابعة من البعثة وكان أول إدراكها لما حولها في السنة الثامنة لكان قولها “لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان بالإسلام ” غير ذي فائدة، لأن الإسلام في تلك الفترة قد انتشر حتى خارج مكة ومعلوم أن أبا بكر رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، وكذلك والدتها أم رومان، كما قال ابن سعد في الطبقات، ولكن إذا كان مولدها قبل البعثة بأربع سنين وكان أول وعيها بما حولها في السنة الأولى من البعثة يكون لهذا القول فائدة، وهي أنها أو ل ما بدأت تدرك ما حولها رأت والديها كليهما يدينان بدين الإسلام، وليس والدها فقط. وهذا دليل على أن ولادتها كانت قبل البعثة بنحو أربع سنوات.

وثانيهما أن قولها “فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا إلى الحبشة” صريح في أنها كانت إذ ذاك واعية لهذا الحدث، وخروج الصحابة من مكة للهجرة نحو الحبشة كان في أواخر السنة الخامسة أو أوائل السادسة لظهور الإسلام ،ولو كانت ولدت في السنة الرابعة من البعثة لما كان ممكنا لها أن تدرك ما حدث في أوائل السنة السادسة لأن عمرها سنتين، ولكن إذا كانت قد ولدت قبل البعثة بأربع سنوات فهذا يعني إمكان إدراكها لذلك بوضوح.

خبر آخر عند البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنهما أنه قال -عن أحداث يوم احد- ” لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملأنها، ثم تجيئان فتفرقانها في أفواه القوم، ورواه مسلم “تنقلان القِرب” ،( قال الخطابي في كتابه أعلام الحديث قوله تنقزان معنى النقز الوثب، وأحسبه تزفران والزفر حمل الِقرب الثقال ويقال للقربة نفسها الزفر ) فعلى القول الأول يكون عمرها يوم أُحد أحد عشر سنة، وعلى القول الثاني (19) سنة وعليه فإن القول الأول لا يستقم لأن من كان عمرها (11) سنة لا تقوى على حمل القرب الثقال لتفرغها في أفواه المقاتلين ثم ترجع وتحملها بخلاف من لها (19-20) سنة . كيف تحدث المؤرخون عنها؟

قال محمد بن إسحاق في السيرة النبوية في ذكر أسماء أوائل من أسلموا”ثم أسلم ناس من قبائل العرب، منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وامرأته فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة،” .. وكلام ابن إسحاق واضح في أنها أسلمت في فترة الدعوة السرية لأن من ذكر اسلموا فيها، والقول بأنها ولدت بعد البعثة بأربع سنين واضح أنه لا يستقيم أصلا.

وقال الطبري في تاريخه ” تزوج أبو بكر في الجاهلية قتيلة بنت عبد العزى فولدت له عبد الله وأسماء، وتزوج أيضا في الجاهلية أم رومان بنت عامر فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فكل هؤلاء الأربعة من أولاده و لدوا في الجاهلية”.فهذا نص تاريخي واضح صريح في أن عائشة رضي الله عنها ولدت قبل البعثة النبوية. وروى ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها، أن خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنهم لما توفيت أمنا خديجة عليها السلام قالت لرسول الله صلى الله عليه,وآله وسلم أي رسول الله، ألا تتزوج؟. قال ومن؟. قالت إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا قال فمن البكر؟.قالت: عائشة بنت أبي بكر قال ومن الثيب؟. قالت سودة بنت زمعة. قال: فاذهبي فاذكريهما علي، و لا يعقل أن تخطب لرسول الله طفلة عمرها أربع سنوات في هذا الظرف لكن إذا كانت بنت أربع عشر سنة فهذا معقول، وهو الصحيح لأن هذه الأدلة والقرائن تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وعمرها ثمانية عشر عاما ,ولا ننسى أنها كانت مخطوبة لجبير بن المطعم. وقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق قال كانت أسماء بنت أبي بكر أكبر من عائشة بعشر سنين، وروى أبو نعيم في كتابه معرفة الصحابة في ترجمة أسماء أنها ولدت قبل ( الهجرة) بسبع وعشرين سنة، وتوفيت سنة ثلاث وسبعين، ولها مئة سنة، ويؤكد هذه الرواية في ضبط سنة ولادة أسماء ما روى عنها أبو نعيم أنها قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، ما منكم اليوم أحد على دين إبراهيم غيري. وقد توفي زيد بن عمرو وقريش تبني الكعبة قبل أن ينزل الوحي على رسول الله بخمس سنين، كما رواه ابن سعد في الطبقات، أي قبل الهجرة بثمانية عشر عاما، فيكون عمرها وقت سماعها إياه لا يقل عن تسع سنين، لأن من يضبط مثل هذه الأمور لا يكون إلا في حدود تسع سنين في الغالب.

وقال ابن الأثير في كتابه أسد الغابة,في معرفة الصحابة، ولدت أسماء قبل التاريخ بسبع وعشرين سنة ، وقال ابن عبد البر في’كتابه الاستيعاب في معرفة الأصحاب وتوفيت أسماء بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وعمرها مئة سنة، وهي أكبر من عائشة بعشر سنين.

,واضح مما ذكر أن عائشة ولدت قبل البعثة بأربع سنوات، وعقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من البعثة وعمرها أربعة عشر عاما، قبل الهجرة بثلاث سنوات، وتزوجها في أواخر السنة الأولى بعد الهجرة وعمرها ثمانية عشر عاما.

الخبر الوارد في تحديد عمر عائشة بست سنوات يوم العقد وبتسع سنين مخالف لنصوص أقوى منه ومخالف للوقائع التاريخية الثابتة، فهو من أوهام المحدثين خاصة وأن الرواة يهتمون بصحة السند أكثر من اهتمامهم بالنص والوقائع التاريخية، وقال الباحث في التاريخ الإسلامي المتمكن من فنون الحديث تعديلا وجرحا في زماننا حسن بن فرحان انه لم يجد تفسيرا لمقولة تسع سنوات سوى أن قصور الملوك كانت ممتلئة بالسبيات القُصَر فزوروا لهم هذا الخبر الذي يظهر النبي صلى الله عليه آله وسلم متزوجا بطفلة، خاصة وأن عروة كان من اخلص ندماء عبد الملك، وكان ابنه هشام من اخلص أصدقاء أبي جعفر المنصور ولهما الكثير من الروايات المسيئة إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله.

وغالبية الأحاديث التي يتهم بها الشيعة سيدتنا عائشة مروية عن طريقهما ، وكذلك الأحاديث التي يسخر المستشرقون من النبي بها، والمشكلة أن الغلاة لا يحسنون الدفاع عن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ولا يتركوننا ندافع عنه، فهم لا يقبلون أن يكون رواتهم يكذبون لكن يقبلون أن تكون السيدة عائشة كانت تخرف.

 

من صفحة الكاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى