على كلام الجنرال

الزمان انفو –
كتب الأستاذ عباس ابراهيم:
————-
لم يعد التعليق على خرجات الجنرال عزيز يخدُم حاجات ذهنيّة كبيرة، بفعل عدّة أسباب: ١-الجنرال أصبَحَ يُكرّرً نفسَه كثيراً. ٢-مع اقتراب أجلِه السياسي يبدو أنّ الجنرال لم يعُد مُلِّماً كثيراً بالوضع. ففيما مضى كان يُعطي أخباراً مجهولة (بفعل عدم وجود صحافة مطّلِعة). أمّا اليوم فهو يُكرِّرُ أحاديث البيروقراطيّة وتعميماتها، ولا يُنبِئ المتابِعين بكثير. ٣-تلقِّي المتعاطين لكلام الجنرال ليس مثيراً هو الآخر. فهؤلاء يُكرِّرون النُكت المألوفة من عربيتٍه وفرنسيِتِه ومن فساد نُطقِه وتعبيرِه ومن فرويدياتِه وعثرات لسانِه الكثيرة (أضِف إلى هذا ضحكات استهتاريّة قد جدّد بها مذهبه). وعلاوة على أنّ هذه النُكَت تعكِس العقليّة الزاويّة التقليديّة بالتسخيف بالنحو وبالتخريج من التقاليد العِلميّة ومطابقة القيمة بالخطابة، فإنّها أيضاً تتهرّبُ من نقاش الوقائع والمحاججة.

إلاّ أنّ الجنرال يستحقّ التعاطي من حينٍ لآخر. هنا مُحاوَلة:

١-الخرجة هي خرجة انتصارويّة، من نوع “دفيليه” و”الكَجْ”. إلاّ أنّها لا تصلُح لذلك، فالمنافَسة، التي “انتصَرَ” فيها الجنرال لم تكن شريفة. فلأسباب فنيّة، وربّما سياسيّة، لم يتم التعبير عن إرادة كلّ الناخبين. وقد لعبَت الدولة قوتَها في تخليد أعيانِها، سواء باستراتيجيات ما قبل انتخابيّة أو ما بعد انتخابيّة.

٢-يستقيم ما ذكرَه الجنرال من أنّ المعارضة التاريخيّة فرّطت في رأسمالِها السياسي لصالِح مزاعِم شخصيّة وظرفية. وقد آن لنا في المعارضة أنْ نكشف الحساب لصالح برنامج حزبي واضِح. لا بدّ من العودة إلى عجولنا الحزبيّة وعدم الانشغال كلّ الوقت بالظرفيات التاريخيّة.

٣-يستقيم ما قاله الجنرال من أنْ سَبْقَ المعارضة الإسلامويّة للمعارضة التاريخيّة الأخرى جاء بسبب السياسات الحِزبيّة للمعارضة. إلاّ أنّ ما نسيّه الجنرال هو أنّه هو من غلّب المعارضة الإسلامويّة على المعارضة الأقدَم. فقد بدأ حُكمه بالإطاحة بالكادِحين، ثمّ تصفيّة التكتليين، الحلفاء الظرفيين، أو انتزاعِهم بالعصا والجزرة. تقادَم هذا مع تقويّة جليّة للإسلامويين الذين تحالفوا معه بطريقة غير مباشِرة في ٢٠٠٩ وبطريقة مباشِرة في ٢٠١٠، وقد وصَل الطرفان، بحسب ويكيليكس، قريباً من إقامة حكومة ائتلافيّة. وقد ظلّ وكلاء الإسلاموية من غيرِ الوزراء من حكومة الوحدة الوطنية ليوليو ٢٠٠٩ في مناصِبِهم، بعكس بيروقراطيي المعارضة، حتّى الانتقامات السياسيّة في ٢٠١٢. ينضافُ إلى ذلك تقويّة وتعميد أحبار الحركة الإسلاموية وتمكينِهم حتّى ٢٠١٤. وحتّى ٢٠١٣ كان الإسلامويون وحدَهُم من سُمِح لهم بالمشاركة بضمانات في الانتخابات (في إطار استراتيجية في الربيع العربيّة بإبقاء شعرة معاوية معهم وعدم تجذيرِهم وتطريفِهم والسخاء بهم للشارع).

٤-الجنرال عزيز هو مُعمِّد الإسلام السياسي الرسمي من خلال قنوات الأيديولوجيا الإسلامويّة وقوانين العقوبات المُقدّسة ورمزيات الخلافة والتدّعش. الآن يأتي الجنرال ويُدافِع عن عِلمانيّة لايْت: ضرورة التخلّص من استغلال الدِّين. وهذا المنطِق كان دائماً أصيلاً في شكل العلمانوية: ليس فصل الدِّين، وإنّما ضبطه وفصله على مقياس الحكومة. ومن الجلي أنّ الحركات الإسلاموية لنْ تخرج من هذا النموذج؛ فهو في صُلب الدولة الوطنية الحديثة.

٥-تيمة وصف الحركة الإسلامويّة الموريتانيّة بالتطرّف (إذا كان مقصوداً به التهديد الأمني، وليس التسلّف والتكفير) لا يستقيم. فهذه حركة تتدمقرط بفعل انخرط بعض من أحبارِها (وليسوا جميعاً) في القناعة الدِّيمقراطيّة. ما زالت بعض تقاليد تكفير المُخالِف وشتمِه والمطابقة بين الحركة والإسلام قائمة. ولكن ينبغي تشجيع الاتجاهات الديمقراطيّة في هذه الحركة، وإلاّ فسيتمّ تشجيع الاتجاهات القُطبيّة.

٦-كان الجنرال من خلال سحب حلفائه في الحركة الإسلاموية وشراء بعض لاعبيها قد مهّد لحركة مُوحّدة أيديولوجيا (على مستوى القادة)؛ وبالتالي فهو مسؤول عن خيارات المواجهة (رغم أنّ أداء الرئيس “السابق” للحركة لا يبدو راديكالياً إزاء النظام إلاّ خطابياً، أما تسييرُه لإدارة المعارضة فقد شهد ليونة).

٧-أغلب الظنّ أنّ الحركة الإسلامويّة لن تُصعِّد مع الجنرال، شأنها في ذلك شأنها عشيّة “غزوة المصحف” ٢٠١٤. فهذه لم تعد الحركة الفقيرة أيام ولد الطايع التي لم يكن لديها ما تخسرُه غير أغلالها. هذه اليوم حركة مُثقَلة بالمغانم والأوقاف وبالمسؤوليات. وكما في “بلاط الشهداء” فإنّها لن تقدِر على الحرب بكلّ هذه الغنائم والمكتسبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى