وديعة رمز إعلامي بامتياز/ بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

الزمان انفو –

العمل الإعلامي الصادق، يتطلب جرعة كبيرة متزايدة، من المصداقية والعبقرية، الأولى في هذا السياق قد لا تحتاج إلى شرح، وقد تستلزم مثلا، المبدئية والأخلاق الرفيعة والتوازن والجرأة بامتياز، ودون حدود بالنسبة للجرأة، في كثير من الأحيان.لأن حجم الطغيان في إفريقيا عموما، والعالم العربي خصوصا، والعالم المعاصر بصورة أعم، يتطلب السلامة بإذن الله من الخوف من المخلوق، وتمحض استهداف وطلب الخوف من الخالق وحده، ولا أحسب أن صحفيا ناجحا مهما كان دينه أو مشربه السياسي أو خلفيته الخاصة أو العامة، يمكن أن تنضج تجربته ويصلب عوده الإعلامي المهني، دون أن يتعرض لمخاطر جمة، أخطرها محاولة التصفية الجسدية وأقلها السجن والحرمان، والأوضاع المالية والصحية والنفسية الصعبة أو المعقدة المزعجة أحيانا، بسبب صرامة الموقف والتضحية من أجل الرأي والمهنة.”وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ”، ولا فخر.في ساحتنا الإعلامية المحلية برزت إمعات ورويبضات، تتسلى بتجاهل المظلوميات المختلفة وتعتاش على تجاهل معاناة الناس وتزكية استبداد واستحواذ الأنظمة المتعاقبة على الشأن العمومي، على أبشع وجه.وبين الفينة والأخرى وفي الوقت الضائع، بتنا نسمع عن فلان الذي اشتهر بسب بعض العلماء، عضوا في هيئة الإشهار، أو فلان الذي اشتهر بسب بعض مشاهير العلماء أيضا، وتزكية بعض الأنظمة الشمولية في المنطقة المغاربية، يعين ملحقا في الرئاسة، وأية رئاسة؟!.وفلان “الفجري”، الذي دأب على لعق نعال القذافي يتهجم على أصحاب المبادئ والأخلاق الرفيعة، لمجرد أنهم دخلوا عليه ساحة حرفته، من باب الاجتهاد، غير المبرر عندي على الأقل، لكنني إن لم أزكه فإنني لا أرفضه في الأصل، من باب البحث لغيري عن مخرج.ودأب آخرون على كتابة مقالات كثيرة، طلبا للعودة لساحة التكليف، بعدما هرب منها الخيرون، في سابق الزمن العتيق، لأن طالبها في الأصل دون شروط ملحة واستثنائية، اعتبره القرآن، ظلوما جهولا “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا”.سلطة عسكرية التهمت كل شيء تقريبا، في حدود ضيقة، لصالح بعض القرباء والمقربين، وحولتنا لساحة لا تعرف للرحمة ولا للرحم سبيلا، بسبب تعودنا على تجاهل الضعيف والخنوع للقوي، ولو كان ظالما فاجرا.انظر بعض ملتقيات الطرق في عمق عاصمتنا، تجد بعض مواطنينا ومن شريحة بعينها، يقضون حوائجهم الإنسانية عند تلك الملتقيات ويأكلون ويشربون أحيانا، إن توفر ما يؤكل ويشرب من صدقات قارعة الطريق، وظل المشهد متواصلا وحتى اليوم، عند بوابة “الجامع السعودي”، وفي نقاط أخرى، ولا يكاد يتحرك صوت إعلامي أو سياسي أو موالي أو معارض أو من أسفل الهرم الاجتماعي والسلطوي أو وسطه أو رأسه، ليقول أين صلة الرحم العامة بين المسلمين يرحمكم الله، أليس من بينكم جميعا رجل رشيد، ذي قلب رحيم!أجل مهنتنا تقتضي النباهة لهذا كله، من كل وجه أيا كان، ومن هذا المنطلق يأتي استهداف الزميل أحمدو ولد الوديعة وغيره، فمهنة الصحفي لا تقتضي فحسب، نشر الخبر الصحيح وإنما تتيح فرصة معالجته بحرية، دون ضغوط أو مخاطر، ولو نظريا من زاوية قانونية صرفة مجردة من التطبيق غالبا.هكذا جاء التعريف لمهنة الصحفي في القانون المعدل سنة 2007: “الصحافي هو الشخص المخول بالحصول على الخبر ومعالجته دون ضغوط أو مخاطر”.أما العبقرية، الشرط الثاني بعد المصداقية، فتقتضي فهم الحالة محل المعالجة والتناسب الطردي في الرد عليها.فاختطاف الشأن العام والاستحواذ غير الشرعي في الأغلب العام على المال العمومي، وإفراغ الخزائن المحلية من هذا المال العمومي، من أجل تحويله إلى بنوك أبوظبي ودبي أوغيرها، لصالح محمد ولد عبد لعزيز وولد الغزواني وتكبر بنت أحمد وبدر ولد محمد العزيز وولد أمصبوع ومحمد لحريطاني، قائد القوات الجوية، والشيخ ولد بايه صاحب الكلمة الشهيرة “امتليت أنا وامتالت موريتان”، وأفيل ولد اللهاه، وأهل غده، وأفراد معدودين محدودين من أسرة أهل غده وأهل ودادي، واللائحة تطول، وقد أضحت معروفة متواترة عند الجميع، وفي أغلبها من زاوية عائلية ضيقة، ومن قلة محدودة من ضباط الجيش، الذي دأبت الأنظمة المتعاقبة على إهماله وإهانته وتعريضه للمخاطر، مقابل رشوة بعض كبار ضباطه فحسب، على حساب بقية الضباط وضباط الصف وأفراد الجيش وضباط وعناصر المؤسسات الأمنية.فهل يعقل أن كل هذه الثروات الظاهرة، داخليا وخارجيا، عند هؤلاء المذكورين أو غيرهم، حصيلة رواتبهم وعلاوات مستحقة، أم أن كل هذه الرواتب الخيالية سبب الحصول عليها المال السائب العمومي الكثير الذي التهمه هؤلاء بالطرق غير السوية، على حساب السواد الأعظم، من مستحقيه من هذا الشعب الموريتاني الكريم المغبون.أجل مثل هذه الحالات تقتضي الفضح والمواجهة والسب، إن اقتضى الأمر، فليس من المعقول ولا المقبول، أن تأكلوا ولا نأكل، وتشربوا ولا نشرب وتلبسوا ولا نلبس، وتداووا أنفسكم وأولادكم، ولا يتاح لنا المثل، فقط بسبب أنكم متغلبون ونحن محرومون، بسبب هذه الغلبة !؟إن جازت لكم رواتبكم افتراضا، في هذا الجو الظالم المظلم المقيت البغيض، لا ينبغي أن تتجاوزوها بأوقية واحدة، أما وقد فعلتم، اغتصبتم السلطة والثروة معا، وأهنتم الكرامة الإنسانية لهذا المواطن من مختلف المستويات وعند مختلف المناسبات، كرامة أغلب ساكنة هذا البلد، فقد جاز لنا أن نحكم، بأن هذا ظلم شنيع عمت به البلوى، وحالته مخصوصة الحكم، وتقتضي على الأقل، الجهر بمجابهة السوء، بمختلف الصيغ، التي لا تستدعي الفتنة والصراعات الدموية، أما ما دون ذلك، فلن يسأل المظلوم فقيها أو عالما أيا كان عن حكمه، لأن المكلوم أو بعابرة أخرى من عضته أفعى كبيرة سامة، من غير المعقول أن نلزمه بالسؤال عن حكم تألمه وصراخه أحيانا، لأنه تلقائي طبعي، بحكم وقع الألم وحالة الكائن الحي “إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ”.وقال تعالى جل شأنه: “لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ”، قال القرطبي تفسيرا لخصوصية المظلوم هذه، في التعبير الصارخ عن ظلمه “جاز له السب”.لهذين السببين، المصداقية والعبقرية والتناسب الطردي مع حالة الظلم وليس مجرد الاكتفاء بالسرد والتعقيبات الباردة على الأحداث الأليمة المشحونة، جاء استهداف زميلي أحمدو ولد الوديعة، حفظه الله وعجل فك أسره.في الأيام الأخيرة إثر تزوير نتائج الانتخابات وفبركتها، علق زميلي أحمدو على حالة الاستهداف والتخويف، التي صدرت بصورة مباشرة وغير مباشرة للمترشحين الأربعة وأنصارهم، من مختلف الطيف الموريتاني، وجاءت الاعتقالات أكثر في صف الزنوج، بحجة وجود مخطط مزعوم، تقف وراءه حركة “أفلام” العريقة، التي لن أصفها بغير ذلك، بمجرد أعنها أخطأت 87 أو 89 أو في نوفمبر 1990، في منحى طرق ووسائل رفع معاناة بعض زنوج موريتانيا.فالمعاناة اجتماعية وسياسية في هذا البلد ضد بعض الأعراق والشرائح، مثل الزنوج أو “لحراطين” موجودة، ولو نسبيا، ولكن الطرق التي اتبعت من قبل أصحاب المعاناة سواء كانوا زنوجا أو احراطين، قد لا تكون هي الأسلم، من رؤية شرعية وإسلامية وقانونية صرفة، وحقوقية أعم، ومجرد الخطأ في باب هذه الوسائل والطرائق، قد لا يعني خطأ الطرح النضالي في المبدأ والأصل.أقول بجرأة وصراحة، حركة “أفلام” العريقة وحركة “ايرا” العريقة، لأننا بحاجة للاعتراف بعمق معاناة بعض هؤلاء من الزنوج أو لحراطين وأحقيتهم في رفض واقعهم المزمن والراهن والمطالبة بمحاولة تحسينه جذريا، أما الإقصاء والغبن الشديدين، قد لا يهتدي صاحبهما، بسرعة وبحكمة لطرائق ملائمة للخروج من معاناته، وقد لا تساعده حالته واختناقه بالمطالبة بصورة هادئة “أكاديمية”، لإعطائه الجرأة الكافية من الرحمة والنفس!ومن الطبيعي أن تكون الصرخات الأولى للمخنوق، سواء كان زنجيا أو حرطانيا هكذا، وكذلك من الطبيعي أن تكون ردة فعل الجلاد ومصدر المعاناة في المراحل الأولى، غير مكترثة بخصوصيات وأجواء أصحاب المعاناة.لكن الوضع الراهن يفرض علينا، تنازلات متبادلة، لتكريس الاستقرار والتعايش الايجابي المتوازن، بعيدا عن استغلال المظلوميات خارج النطاق الإيجابي، وبعيدا كذلك عن تجاهلها باستمرار، دون قبول لتمييز ايجابي وفي حدود مدروسة، لفترة معينة محددة، أو غير ذلك من طرائق الحوار والتقارب الاجتماعي الواسع.وفي هذا السياق جاءت أفكار ولد الوديعة الاستباقية الإبداعية، فرأيناه نائبا لرئيس منظمة نجدة العبيد، ولاحظنا صداقاته من الأفلاميين من إخوتنا الزنوج المناضلين الأقحاح، ولا نستغرب في هذا السياق، أن تستمر مخابراتنا على النهج “الطائعي” المتجاوز القديم، في استهداف كل صحفي عبقري، أو سياسي نابه، رأى ما لم يتسنى لغيره من الوطنيين، من أمثال ولد الطايع وغيره، الذين أخطئوا من حيث لم يقصدوا ربما، أو قصدوا عفا الله عنهم وتجاوز، وهم في الدنيا ملزمون بتقديم الاعتذار وقبول المحاكمة العادلة، وهي أفضل لهم، دنيا قبل أن يأتوا أمام الله وليس بينهم وبينه ترجمان، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلى من أتى الله بقلب سليم.أطلقوا سراح زميلي الإعلامي والسياسي الوطني الوحدوي الأخ الفاضل العزيز أحمدو ولد الوديعة، فهو إنما تبين من أمر المعاناة وأحقية الضحية بالإنصاف، ولا يريد شرا لأحد.فلتتأملوا ما سبق من سطور وحروف، عسى أن تفهموا، وإن لم تفهموا اقرأوا بتكرار وإدمان ايجابي طبعا، قوله سبحانه وتعالي “وفهمناها سليمان”.الزميل أحمدو ولد الوديعة، شمس من شموس الحرية الإعلامية والسياسية الجامعة في هذا البلد المغبون المهدد بالانقسام والتشرذم، ما لم ننتبه بعمق وعملية، قبل فوات الأوان، ولا أقول لكم الشمس يصعب حجب أشعتها، لأن الغبي يدرك ذلك قبل الحاذق العاقل، ولكن أقول لكم، إشعاع شمس الحرية “الوديعية”، أكثر إثارة للانتباه وإضاءة للجميع، قبل أي توقيت أو ظرف آخر، فالرمز عندما يسجن يزداد الحديث عنه ويزداد تداول وشرح رؤيته، ولو بالنيابة، كما فعلت بأمانة، وقدر المستطاع، وخصوصا عندما يكون في وضعية الاعتقال والاختطاف كما يحصل الآن.معشر السجان الثنائي، عزيز – غزواني، من المضحك أن أقول لكم، إنكم تخدمون الحرية والوحدة الوطنية، عندما تعتقلون وديعة وأمثاله، لأنكم تذكرون بمشروعهم الوحدوي الانصافي المنشود، الذي لم يتبلور مضمونه إلا مع بداية هذا الشرح في هذا المقال الاعترافي التاريخي الجريء، الذي كتبته للتو.الأستاذ وديعة مدرسة، حرمه من هالبولار وعلاقاته واسعة في الوسط الحرطاني والزنجي ونظرته الوحدوية لا تخفى، وإشفاقه على جميع المسلمين في هذا البلد لا يخفى أيضا، وهو بعيد كل البعد عن تهمة إثارة الفتنة، وإنما هدفه التنبيه لخطورة وكارثية، مجانية الاستهداف في دائرة الزنوج وبعض لحراطين في الدرجة الأولى، على حساب مشروع موريتانيا الموحدة المتعايشة المتسامحة.اللهم سلمنا من سائر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى