يا أيها الصحفيون إن جاءكم مراسل بخبر فتبينوا…

تهافتت بعض المواقع الالكترونية على خبر اعتقال مراسل موقع “مراسلون” في تكانت، واصطفت كلها خلف رواية الموقع، ورددت نفس التفسيرات والتأويلات التي ذهب إليها فتكررت عبارات الإدانة والتنديد “باعتقال صحفي أثناء تأديته لرسالته…” وعد ذلك “خرقا للدستور، وتراجعا عن مكتسبات حرية الرأي والتعبير…”

       لم يكلف أي من المواقع نفسه الاتصال بالسلطات المعنية لنقل روايتها، إلى جانب رواية موقع “مراسلون”! تقول تلك الرواية، التي لم يسأل عنها أحد، إن المراسل تجاوز بكثير حدود عمله فتهجم على القاضي أثناء أدائه لمهامه، واشتط في عنفه اللفظي حتى بدا طرفا في قضية أخلاقية اتخذت السلطات القضائية إزاءها الإجراءات التي يخولها الدستور بصفتها سلطة مستقلة. فلا يزال البحث جار عن الجرم الشنيع…

   أما إيقاف مراسل “مراسلون” فقد تم بعد تهجمه الشرس على قاض ينتمي إلى هيأة تتمتع بالحصانة، و أثناء تأديته لواجبه، خلافا لما تم نشره في الموقع الذي ادعى أن وكيل الجمهورية هو من أصدر أوامر التوقيف! فلا يخفى على أحد ما للسلطة القضائية من هيبة وتقدير لا ينبغي المساس بهما مهما كانت الظروف. فحرية الرأي والتعبير لا تجيز لصحفي باحث عن الإثارة إهانة قاض يحكم بالعدل ويتحرى الصلح، و الصدق.

    والأغرب من ذلك هو فهم الصحفي  لإلغاء الحبس في قضايا النشر على أنه حصانة مطلقة يستغلها في إهانة السلطة القضائية والتطاول عليها بالبذاءات، حيث أعلن على الملأ أنه من مجموعة “لا يمكن سجنها”!!!

     أظهرت هذه الحادثة جوانب القصور التي لا تزال بعض وسائل إعلامنا تعانيها. فمبدأ “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”، بمعناه الجاهلي، لا زال يحرك الكثير من المواقع الالكترونية في القضايا التي يكون الصحفيون طرفا فيها، حيث يتبنون روايتهم، مهما كانت غريبة، فيروجونها، ويبنون عليها استنتاجات تخرجها من سياقها…

      لقد تم الإفراج عن الصحفي المعني وفقا لأوامر وكيل الجمهورية في أول أيام الحادثة، غير أن بعض المواقع لا تزال تصر على أنه لا يزال سجينا، ولم تدفع الصحفي مهنيته إلى تكذيب هذا الخبر العاري من الصحة.

     إن تهجم صحفي على قاض موقر، أمام شهود في محكمته، وفي قضية ليس الصحفي طرفا فيها يظهر بجلاء مستوى الحريات التي ينعم بها الصحفيون إلى حد إساءة ممارستها.

      حفاظا على مكتسب تحريم حبس الصحفيين في قضايا النشر، يجب على المنظمات الصحفية، والمنظمات الحقوقية تكثيف التوعية بضوابط وأخلاقيات المهنة، وما يستلزمه ذلك من حياد وموضوعية، وتوخي الدقة، والصدق.

 

عالي ولد سيد أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى