الفريسة – سائق تاكسي .. شعر حر ساخر

منذ عشرين عامًا ..

تزيد بحولين كاملين مات أبوهُ ..

قلة من الناس شيعوهُ ..

ولولا لطف ربك بالأبناء لتبعوهُ ..

…؛ أما أمه ففي العريش معهُ ..

ومعه أفراخ .. حواصلهم تضيعهُ ..

وزوجة حالها يزعزعه .. ويدمعهُ ..

والحي كله غارق حتى الركبِ ..

غارق في الكد والتعبِ ..

اليوم اقتنى سيارة تاكسي بأقساط كبيرهْ ..

ستمتد حتى يودع القبر في الحفرة الصغيرهْ ..

نادى أمه: رشي الحليب على سيارتيِ ..

واقرئي عليها  الإخلاص والمعوذتينِ ..

دمعت ما زاد كمًا بأطنان على دمعتينِ ..

وقالت: أخيرا فتح الله عليكْ ..

أخيرا ستجني المائة والمائتينِ ..

وتعد أوراق الدراسة لولديكْ ..

آه .. لو كان أبوك حياً ..

وسمع المحرك مدوياً ..

ورآك وأنت تسوق بيديكْ ..

———————-

غادر الحي والكل يغبطه ..

قالوا: يا لحظه كل ما رآه “سيخرطه” ..

——————–

تحسس في جيبه ملمس ألفين ..

من صعوده الشارع نصف يوم وساعتين ..

سلمت من معارف الحي الفقير ..

ومن إضافة البنزين اليسير ..

——————–

أحس بالمكابح فرت للأمام ..

وبالكاد نجا من ارتطام ..

جاءته جماعة الطرق ..

عاملته كمن سرق ..

فبدا وفي عينيه الخوف برق ..

قال: سيارتي تعطلت فانتظروا دقيقه ..

أليست فيكم ثلة رقيقه؟

طفقوا يضحكون ويقهقهون ..

قالوا: هذه جنازة عتيقه..

أحضر الميكانيكي بسرعه ..

وانزع سيارتك من هنا نزعه ..

تعالى بها لحظيرة التجمع ..

وإياك إياك التمنع ..

—————-

وصل الميكانيكي وعالج الحاله..

طارت الألفان في قطع الغيار على عجاله ..

ولم يجد الميكانيكي أجره ..

فاشتكى للمخفر .. فاعتقل الحثاله ..

—————-

قال التجمع: قبل الذهاب به للاعتقال ..

فليدخل جيفته للحظيره ..

عليه اللعنة فتصرفاته خطيره ..

—————

ظل من دون ماء ولا شراب ..

مفارشه التراب ..

تيقن أنه في الوطن مجرد وليمه ..

آدميته بلا قيمه ..

سلالته لئيمه ..

وما يتقنه الكد من أجل لقيمه ..

————–

قالت زوجته: هو الآن مع أخرى ..

من المؤكد أنها تموت فخرا ..

وتتمدد في سيارتنا الجديده ..

سينقلب عليً .. هذه أكيده ..

فيما قالت أمه: طالت وفادته ..

وتلك ليست عادته ..

فليحفظه ربي …

————

أعد الشاي لدوريات المخفر ..

وخان الأمانة .. وأكثر ..

فأتى على ما في الزبالة من فضلات الشاي الأخضر..

فطنت له الجماعه ..

فعلموه بالركل فروض الطاعه ..

وتساقط من جيبه اليابس بعض الحصى ..

واستفرغ الدمع بلا اكتراث لأحد ..

اسكتوه بالضرب للأبد ..

هكذا ظنوا .. لكنه تنهد ..

وتحرك وتمدد ..

طردوه للشارع في آخر الليل ..

سار على رجليه شاعرا بالذل والويل ..

صابرا .. في ضميره ينهمر صوت العويل ..

طويلا .. منتصب القامة .. وأي طويل !

————-

تذكر استجداءه للسلطه ..

تذكر تلك اللقطه ..

وتفاصيل الورطه ..

ورجلا ضربه بشدة .. في جسمه بسطه ..

شاربه كفرشاة الحمام كبير ..

وأعراشه على كتفيه تطير ..

لوح بيده للعابرين ..

لم يتوقفوا ..

ولم تطرف لهم عين ..

ربما اعتقدوه سكرانا ثملا ..

وربما ظنوا عقله طار خبلا ..

كيف يطمع توقف سيارات المسلمين؟ ..

كيف يلوح بوقاحة لأرباب الياسمين؟

أيظن الرأفة من شيم “الداسمين”؟

كيف يعقل أن يطمع في معشر المسرعين؟

 

في الصباح على اختلافهما كانتا معا ..

وتوجعا .. نعم توجعا ..

فتحتا الباب ليدخل الشبح ..

دخل يمشي كالذئب المتعب ..

كالحمل الناجي –رغم الجراح- من قضمات ثعلب ..

————–

قالتا: الحمد لله رجع ..

وصوتهما بالعويل صدع ..

نام رغم العويل والدموع ..

رغم اجتماع الحي حوله في جموع ..

 

لما قص القصص ..

كان الكل حوله يخنعون ..

يتمتمون .. و يضرعون ..

يسألون المولى تشتيت العصابه ..

وقلوبهم تملؤها الكآبه..

..”ماذا قدم الوطن لأولئك الفقراء”؟ ..

للبؤساء الحقراء ؟ ..” …؛ …

—————

اجتمع الصحاب على قلتهم ..

قالوا: سنطلق سراح السفينه ..

جمعوا: عشرة آلاف .. قدموها مع مائة أواق قرينه ..

————–

سار الجمع لحد الحظيره ..

دفاعا عن سائق التاكسي –الأميره ..

خاطبهم قائد السرية بخيلاء ..

وتسمروا حوله كأسرى جياع .. في ليلة شتاء ..

قال: تلزمكم لإطلاق الجيفه ..

خمسة شروط خفيفه ..

قالوا: … خفيفه! ..

قال: ليست أكثر من ثلاثة آلاف ضريبه ..

وعشرة آلاف على الأقل تأمينا ..

هذه الثانية وليست غريبه ..

وضريبة الخزينة ثلاثون ألفا بلا ريبه ..

هذا عدا الطلاء والبلاء والصيانة الحبيبه ..

فلنعتبر تلك الرابعه ..

وقال: وعينه دامعه ..

خامسا .. للبلدية ضريبة ألف عن كل يوم ..

وأغشي عليه ضحكا .. مضيفا ..

سمعتم يا قوم ..

———-

ثار الشباب قال: تقلدون الربيع العربي ..

هذا أربي ..

نادوا المخفر ..

أحيلوهم فورا ليتأدبوا ..

ليتفرنسوا .. ويتعربوا ..

هم مارسوا جهارا نهارا جرم الحرابه ..

هم شراذمة عصابه ..

———-

كانت العصي القصيرة ترقص طربا ..

وهم يتلوون ألما وتعبا ..

وفي الحبس خبروا معنى الأدب ..

معنى العرب ..

معنى “انبطحوا”..

وإذ جنحوا ..

يتجمعون في مكان واحد ..

قالوا: حاولتم التخطيط لتفجير منهاتن ..

أنتم أتباع بن لادن ..

سنعذبكم ..سواء كنتم أبناء بن لادن ..

أو أبناء لكن !

ليس فيكم للأسف مواطن ..

حاولتم أن تمعنوا هربا ..

سوف نقطعكم إربا إربا ..

———

ها هم أمامك الإرهابيون سيدي القاضي ..

ما تقول فيهم ماض ..

انهت النيابة كلامها ..

حكم سيادته بالمؤبد ..

بظلم بمدى العمر مقيد ..

كان شجاعا لم يتردد ..

لم يضع بين “ربما” .. و”قد” ..

———

صاح الحي بأم السائق: ولدك منحوس ..

وإنكم مجوس ..

في السجن قال له الإخوة: ضيعتنا ..

بك شؤم ولؤم ..

كنا نعيش آمنين جائعين في الحفر ..

قال: كنتم .. وجاء القدر ..

قالوا: فلتذهب أنت والحكومة إلى سقر ..

هم بالظلم  والبطر ..

وأنت لأنك مشؤوم كغزاة المغول والتتر ..

———-

زارته أمه تحمل بسكويتا يابسا ..

وخبزا مجففا .. لا طنافسا ..

قال: ضعت ..

قالت: لا تكن من رحمة الله يائسا ..

قال: أمي أنسيت يومها الدعاء ..

أم قدر علينا الشقاء ؟ ..

أم نسيت أن تضعي

 صدقة سكر في مقطورتي معي ؟ ..

قالت بالدمع مغمغمة حاشى .. أنت تعرفني ..

مصحفي ودعائي .. دوما ما يلازمني ..

حياة المؤمن يا ابني كلها محن ..

ليس للمؤمن في الدنيا وطن ..

سوى إيمانه فلزم ..

قال: في السجن قلة الأكل والشرب ..

قالت: صل وصم تغنم ..

———-

قال صديقان أنعم الله عليهما ..

حزنك وشؤمك لا تشغل نفسك بهما ..

ليس في الحي أصلا ما يستحق الحياة ..

فلا كهرباء ..

ولا ماء ..

ولا دواء ..

ولا مدراس ولا شوارع معبده ..

وحياة الجميع بالموت جوعا مهدده ..

قال: وأمي وزوجتي وأبنائي وإخوتي ..

قالوا: سيحيون كما كنت تحيا ..

قال: يا شقوتي ..

يا حسرتي ..

هذه دولتي ..

قال: سجين يحب كوكب الشرق: ..

قل هذه دولتي .. أو هذه ليلتي ..

من يسمعك ؟..

من ينفعك ؟ ..

من للعريش سيرجعك ؟ ..

———-

يحيا العدل ..

وتحيا دولة المسلمين!

 

شعر دداه محمد الأمين الهادي

      ………………….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى