في قلب مدينة المهن والكفاءات

يوميات مسافر – محمدبون عبدالله_ مايو 2025
العيون: في قلب مدينة المهن والكفاءات
لم تكن زيارتي إلى مدينة العيون هذه المرة مجرد مرور عابر بأكبر مدن الجنوب المغربي، بل كانت مغامرة من نوع خاص، خصوصًا حين أتيحت لي ورفيقي فرصة لاكتشاف “مدينة المهن والكفاءات”. كنت قد سمعت عنها كثيرًا، لكن الوقوف على أرضها شيء آخر تمامًا.
دخلنا المدينة التي تنبض بالحيوية والطموح، وكان أول ما لفت انتباهي هو تنوع الناس الذين التقيتهم، شباب وشابات من مختلف الأعمار ..هي مدينة داخل المدينة .بها سكن كبير يؤوي الطلاب..المئات يعملون ويتعلّمون في ورشات وتخصصات متعددة. المدينة ليست مجرد فضاء للتكوين، بل رؤية شاملة لمستقبل الأقاليم الجنوبية.
قادنا اثنان من كوادر المؤسسة إلى أحد الأروقة، تابعت عرضًا بيانيًا يوضح أن 72% من التكوينات المقدّمة في المدينة مخصصة لمهن جديدة ومستقبلية، بينما 28% موجهة لإعادة هيكلة مهن تقليدية. أعجبتني هذه المقاربة التي تزاوج بين التحديث والمحافظة على الجذور.
استمعت لشروح مسؤول الإعلام أمام مجسم مصغر للمدينة لاستحالة التجول فيها في ظرف وجيز خصوصا قبيل صلاة الجمعة ..،ورغم ضيق الوقت تعرّفت على 7 قطاعات مهنية ذات أولوية تشمل:
7 قطاعات مهنية ذات أولوية تشمل:
اللوجستيك والنقل
السياحة والفندقة
الفلاحة
البناء والأشغال العمومية
الصناعة
الصحة والخدمات الاجتماعية
الطاقة والبيئة
كل قطاع كان له جناح خاص وورشات تطبيقية، تُشرف عليها طواقم مؤهلة ومناهج تعليمية تراعي خصوصيات الجهة وحاجات سوق العمل. 75% من الشعب التكوينية بالمدينة حديثة النشأة، تعكس روح التجديد والانفتاح، بينما تمثل النسبة المتبقية (25%) تخصصات تقليدية أعيدت هيكلتها لتواكب المتطلبات الحالية.
لكن المفاجأة الحقيقية كانت حين تعرّفت على النموذج البيداغوجي المبتكر المعتمد في هذه المدينة. ليس مجرد تعليم تقليدي، بل تجربة تعليمية تفاعلية تعتمد على:
1. هندسة تكوينية جديدة للبرامج: تم تصميم المسارات الدراسية على أساس وحدات مرنة وتكوينية قصيرة، توائم الاحتياجات المتغيرة لسوق العمل.
2. الكفاءات القاعدية: أكثر من 63% من التكوين يعتمد على إكساب المتدربين كفاءات أساسية كالتفكير النقدي والتواصل والعمل الجماعي.
3. مجالس تكوينية قطاعية: لضمان ملاءمة التكوين مع حاجات المهنة، بمشاركة الفاعلين الاقتصاديين.
4. تعزيز نظام المهارات: اعتماد تقييمات دقيقة ومستمرة للكفاءات بدل الطرق التقليدية.
5. التعلم المدمج: المزج بين الحضور الفعلي والتعلم الرقمي، مع اعتماد طرق مثل storytelling والتعلم العكسي.
6. تنمية الكفاءات: برامج لتحسين المهارات الشخصية والاجتماعية، بما في ذلك اللغات والتفكير الإبداعي.
7. إشراف دقيق ومحدود العدد: لا يتجاوز عدد المتدربين 20 في كل قسم، لضمان جودة التعليم والتتبع الفردي.
خرجت من هناك بشعور قوي أن هذه المدينة ليست فقط مكانًا للتكوين، بل مختبرًا حقيقيًا لإعداد أجيال الجنوب لمواجهة المستقبل بثقة وكفاءة.
في مذكرتي، كتبت مساء ذلك اليوم:
“في العيون، وجدت جنوبًا يعيد اختراع نفسه… ومهنًا تُصنع بعقلية المستقبل.”
يتبع…