موريتانيا بين الألم المزمن والأمل المشروع

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

فشل القطاعات الخدمية، وخصوصًا قطاع الكهرباء والماء والاتصالات، يعني فشلًا مزمنًا يدعو لمراجعة أسلوب الحكم وعقلية الحاكم والمحكوم، ويعني – باختصار – حتمية استقالة أحدهما: إما الشعب، أو الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
والأَوْلى، طبعًا، أن يستقيل الرئيس، فاتحًا المجال لمحاولة، وأقول فقط “محاولة”، إنقاذ ما تبقّى من وطن أشرف على الخروج من دائرة تسمية الدول، بالحد الأدنى من المفهوم الدستوري للدولة.

وتذكرنا من كراس الدروس أيام الصبا في الجامعة، سنة 2005، أن الدولة تعني التناغم الإيجابي بين مكوناتها الثلاث: الإقليم، والشعب، والسلطة. ولو تأملنا واقعنا منذ 1978 وحتى اليوم، فسنعجب: أيهما أشد استدعاءً للشفقة؟

فالبيئة لوّثت، ولم تعد صالحة للسكن في رقعتها المعهودة. والشعب غريب في وطنه، وكأنه لا يستحق هذا القلم الأخاذ – على الأقل قبل الانهيار البيئي الحاصل بالتراكمات! – والسلطة أضحت مشوّهة مريضة بأخطر السرطانات والفيروسات المزمنة القاتلة، وكأنها على مقاس متصاعد مع حجم النواقص والعلل والتناقضات في كلا الحاضنتين: الإقليم والشعب.
وما أبلغ من قال: الرعية على قلب الأمير.

لقد فسد الجميع بامتياز. لكن الحياة ألمٌ يخفيه أمل، وأملٌ يحققه عمل.
وقد حرم الله اليأس من رحمته، ونهى عن الأمن من مكره، كما نهى عن الرجاء المفتوح غير المتعقّل وغير الموزون، ما بين الاستسلام للألم والتوق للأمل المشروع، دون أجندة إنقاذ مقنعة شرعًا وعقلًا، وكلاهما واحد.
فأينما وجدت المصلحة، فثم شرع الله، دون تغافل عن الانطلاق من الفقه المقاصدي الشرعي الحازم، المتناغم نظريًا وتطبيقيًا، ما بين الإفراط والتفريط.

وقديمًا كان يردّد عالم المدينة، مالك بن أنس:

> خير الأمور الوسطُ الوسيطُ
وشرها الإفراط والتفريطُ

فعلى أية أرضية نقف؟!

الأمر لا يكفيه مجرد استقالة رئيس، وإنما استقالة مرحلة وأسلوب حكم، باختصار.
أي: مراجعات شاملة، جذرية، جادة، استعجالية، وملموسة… قبل فوات الأوان، على وقع تمزق وتوزّع – أو “توزيع” – الإقليم، وتطاير الشعب، لأنه لم يعد يستطيع الصبر على بيئة طاردة بكل دلالات الكلمة، للأسف البالغ.

والسلطة لا تحتمل وحدها جميع أسباب الواقع الحالي الكارثي، لكنها لم تعد قادرة – بالمفهوم الصحي – على مواصلة تحمّل المسؤوليات الثقيلة.
ولشفقة بها، ينبغي الاعتراف بكونها قد تجاوزت حالة “موت سريري” بات غير رحيم مطلقًا، على رواية جميع النحل والمذاهب، الشرعية منها والوضعية، على السواء.
وهم – في الهواء سواء – منذ، على الأقل، 10 تموز/يوليو 1978 وحتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى