هذه هي موريتانيا التي عرفناها و علينا ان نحافظ عليه
💚هذه هي موريتانيا التي عرفناها و علينا ان نحافظ عليا

الزمان أنفو _ كانت الساعة تقارب الثالثة بعد الزوال، في مكانٍ ما بعد الشامي، على طريق نواذيبو. كان الإسفلت مرهقًا مثل المسافر، والحرّ لا يُطاق، قاسٍ كقَدَرٍ عنيد. انفجرت العجلة. كنت وحيدًا. الشمس تضرب بقسوة. العجلة الأمامية اليسرى فارغة تمامًا. والتعب يجثم على صدري.
أعرف كيف أغيّر عجلة، نعم. لكنني تعلمت أيضًا أن أحترم حدودي… خاصةً في مثل سني.
عندها، توقّف بيك آب، ونزل منه ثلاثة شبّان في الثلاثينات من العمر، بيض البشرة، ووجوههم تنضح هدوءًا وطمأنينة. ابتسموا لي كما يُبتسم لأب. وقال أحدهم:
— “بابا، اجلس في الظلّ قليلاً.”
لم يسمحوا لي بأن ألمس شيئًا. تولّوا الأمر بالكامل. بسرعة، بتنظيم، وبهدوء. دون ضجيج، دون منّ، دون نظرات فوقية. فقط إنسانية خالصة. موريتانية أصيلة.
وقبل أن أستوعب ما يحدث، كانت العجلة قد تغيّرت. الشمس ما زالت تحرق، والإسفلت ما زال يغلي… لكن قلبي صار أخفّ، أكثر راحة.
سألتهم عن مهنتهم، فقط بدافع الفضول. فأجابوني:
— “نحن تجّار، في طريقنا إلى نواذيبو.”
ثم رحلوا، كما أتوا. بهدوء. دون انتظار شكر أو مقابل. برُقيّ نادر: رُقي الفعل البسيط، المجاني، الصادق.
بقيت واقفًا مكاني. لكن في داخلي استيقظ عالمٌ كان نائمًا. عالم موريتانيا التي عرفناها وأحببناها. موريتانيا التي كان فيها الأسود يساعد الأبيض، والأبيض يحمي الأسود. حيث لا مكان للعرق أمام الإنسانية. موريتانيا الشاي المشترك، والأعياد الجماعية، والأحياء المختلطة.
عندها، واجهت نفسي بالحقيقة:
– نعم، لقد فشلنا.
جميعنا.
– تركنا بذور “نحن” و”هم” تخنق شجرة الأخوّة.
– كان هناك متطرّفون من كل الجهات، ومحرّضون على الفُرقة.
– لكن لا يزال بيننا شباب… مثل هؤلاء الثلاثة.
– شباب لا يسألون: “من أي قبيلة أنت؟” قبل أن يمدّوا يد العون.
لقد أعادوا إليّ الإيمان. ما أصلحوه لم يكن مجرد عجلة. بل كان رمزًا. اتجاهًا. أملًا. أمل بأن موريتانيا ما زال بإمكانها أن تمضي إلى الأمام، إذا قبلنا أن نسير معًا.
لأن الحقيقة بسيطة وعميقة:
العين لا تُبصر إلا بتكامل الأبيض والأسود.
والوطن لا يقوم إلا بجميع أبنائه، دون تصنيف، دون تمييز.
إلى هؤلاء الشبان، أقول: شكرًا.
شكرًا على الدرس.
شكرًا على التذكير.
شكرًا على القدوة.
العافيه امونكه ❤️❤️



