الحلقة 4: أثاث القصور والتهريب

الزمان أنفو _
(آل سعيد… حين يُخفي البريق ظلًّا طويلًا)
في أحد الأحياء الراقية من العاصمة، سكنت عائلة آل سعيد، وهي أسرة ميسورة الحال عُرفت بين الناس بمكانتها الاجتماعية وحبها للمظاهر الباذخة. كان ربّ الأسرة، عدنان، رجل أعمالٍ ناجحًا في مجال المقاولات، أما زوجته سلمى فكانت مولعةً بكل جديدٍ وفاخرٍ في عالم الأثاث والديكور، تتنقّل بين المعارض الدولية وصفحات المجلات المتخصّصة كما تتنفس.
في أحد الأيام، دخلت سلمى منزل جارتها التي عادت للتو من رحلةٍ إلى أوروبا، فانبهرَت بما رأت: أرائك من الجلد الإيطالي، طاولات مرصّعة بالنقوش، ثريات كأنها نجومٌ معلّقة في سقف القاعة. عادت إلى بيتها وهي تشعر أن كل قطعةٍ فيه قد شاخت فجأة، وأن منزلها لم يعُد «يليق بمكانتها». جلست أمام زوجها قائلةً بإصرار:
«نريد أن نُجدد كل شيء… أريد أثاثًا يجعل ضيوفنا يبهتون من الدهشة.»
تردد عدنان قليلًا، فتكلفة استيراد مثل هذا الأثاث مرتفعة جدًا، كما أن الرسوم الجمركية تضاعف السعر أضعافًا. غير أن «مستشارًا» من أصدقائه لم يترك له مجالًا للتردد؛ همس له بأن لديه طريقًا «أقصر وأذكى» من الطرق الرسمية. أشار عليه بالتعامل مع شبكةٍ من المهرّبين تُدخل البضائع من المنافذ البعيدة وتُقلّص التكاليف بنسبةٍ مغرية. كان العرض مغريًا، والربح المادي والوجاهي مضمونًا. وما إن وافق عدنان حتى بدأت الشاحنات «غير الرسمية» تتحرك.
في غضون أسابيع، امتلأ بيت آل سعيد بقطعٍ فاخرةٍ لا تضاهيها منازل الحي. أقيمت حفلة استقبالٍ صاخبة لعرض «التحفة الجديدة»، تعالت كلمات الإعجاب، والتُقطت الصور وانتشرت في مجموعات الجارات، حتى كادت سلمى تطير من الزهو.
لكن البريق أخفى ظلًّا طويلًا. فبعد مدةٍ قصيرة، أطلقت الدولة حملةً واسعة لمكافحة التهريب، شملت تفتيشًا مفاجئًا للمنازل الفاخرة التي استوردت أثاثًا خارج القنوات الرسمية. أُوقف أحد سائقي الشاحنات واعترف بأسماء العملاء، وكان اسم عدنان بينهم. داهمت فرقة مكافحة التهريب مستودعًا تابعًا له، فعثرت على مستنداتٍ تُدين العملية بوضوح.
تلقى عدنان استدعاءً رسميًا، وتحوّل البيت الفخم إلى ساحة قلق. نظرات الجيران تغيّرت، والهمسات بدأت تدور: «كيف لرجلٍ مثله أن يتورط في التهريب؟». شعر عدنان لأول مرة أن الهيبة التي بناها طوال سنواتٍ تذوب أمام أول تحقيقٍ رسمي.
بعد جلساتٍ قانونيةٍ طويلة، تمكّن من تسوية وضعه المالي عبر دفع الغرامات واستعادة البضائع غير المصرح بها، لكنه خرج من التجربة مثقلًا بالخزي. أما سلمى، فقد جلست ذات ليلةٍ في قاعة الجلوس الفاخرة، تتأمل الأرائك التي كانت تثير الزهو، فبدا لها كل شيءٍ باهتًا بلا روح. قالت لزوجها:
«لقد اشترينا القشرة… وخسرنا الاحترام.»
في تلك الفترة، نظمت وزارة التجارة حملةً وطنية لدعم الصناعات المحلية والحرفيين، وعرضت منتجاتٍ محلية راقية بأسعارٍ تنافسية وجودةٍ عالية. اصطحب عدنان أسرته إلى أحد المعارض، فانبهروا بما رأوا: نجارةٌ متقنة، زخارفُ نابعة من التراث، وأقمشةٌ محلية تحمل دفء الأرض. قرروا أن يعيدوا تأثيث المنزل بطريقةٍ مختلفة؛ استبدلوا قطعًا مستوردة بأخرى محلية الصنع، ليس بدافع التوفير فقط، بل لاستعادة شعورٍ بالانتماء فقدوه.
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى صار بيت آل سعيد محجًّا للزوار لا لجمال مظهره فحسب، بل لفرادته وصدقه. بدأ عدنان يستثمر في ورش النجارة المحلية، وفتح صالة عرضٍ راقية لمنتجات الحرفيين، وساهم في إدخالهم إلى السوق الوطنية.
تحولت قصة آل سعيد من حكاية تهريبٍ إلى نموذجٍ لدعم الإنتاج الوطني. أدركوا أن الفخامة لا تُقاس بثمن ما نشتريه من الخارج، بل بما نبنيه من الداخل. وصارت سلمى تقول لجاراتها بفخر: «هذا الأثاث صنعته أيادٍ من بلادي… وهو أفخر من كل مستورد.»
العافية امونكه