للتاريخ / بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

( الزمان أنفو): أنا لست مواطنًا من الدرجة الثانية ولا غير ذلك، وكوني صحفيًا من أكثر صحافة هذا البلد جرأة ودراية بطبيعة المشهد الوطني، أعرف على ضوء ذلك أن أعدائي يحسبون لي ألف حساب، ولكن الفرصة قد تساعد بعض الأعداء على الإضرار بك، والأيام دول، وما حصل من سجن متكرر قد يشكل إضرارًا ذاتيًا، لكنه رسالة عامة أكثر مما هو مسألة شخصية.
لقد اكتشفت مما حصل معي أن أعدائي كُثر، وهذا مؤشر إيجابي ودليل على الحضور المحرج لبعض البغاث، ولعل جرجرة صحفي على فترتين متقاربتين في دولة تُدّعي التمسك بالطابع الديمقراطي وتكريس حرية الصحافة، دليل ملموس على ضعف حصانات الحرية الإعلامية في موريتانيا، وربما يكون شهادة حكمة للذين اختاروا الهجرة قبل أن يعبروا عن آرائهم، لكن خيار المهاجرين من الإعلاميين أو المدونين لن يقنعني تحت أي ظرف بالهجرة، وأي شخص من أي موقع يدّعي المكانة للمهنة الصحفية في هذا الوطن سيكذبه الواقع يومًا ما، والقائمون على الشأن العام بحاجة لرفع اليد عن الحريات، وبوجه خاص حرية التعبير وحرية الصحافة بوجه أخص.
فحينما يكون التعبير، وبأسلوب أراه متوازنًا، مبررًا لمصادرة الحرية، تصبح فعلًا المواطنة، إن صح الإطلاق، مواطنة بلا أمان.
شخصيًا، لست مقتنعًا بأن الرئيس الحالي غير مقتنع بالحرية الإعلامية، لكن منذ انطلاق المأمورية الثانية بدأت حرية وحُرُمات الصحافة المستقلة في مهب الريح، إلى أن جاء مهرجان وادان قبل أيام، الذي حُرمت فيه الصحافة الحرة من دخول المنصة الرسمية يوم الافتتاح، وقبل ذلك سُجنت مرتين في فترات متقاربة، وأُقلت من وظيفتي.
سيادة الرئيس، سيادة الوزير الأول، خلافنا معكم في بعض الأمور قد لا يعني عداءً ولا استهدافًا لنمط أسلوبكم السياسي والتسييري للشأن العام، لكنه تعبير عن جزء من معاني الدستور الموريتاني المتكفل بالحرية الإعلامية في جميع أوجهها، ومن واجبكم حماية هذه الحريات وممتهنيها، ومما يليق بكم الابتعاد عن سجن الصحفيين، فهو بحق مشتمة للديمقراطية وسمعة أي دولة تدّعي الديمقراطية، وجمع صحفي مع المجرمين في نفس القفص، واستجلابه لقاعات المحاكم مكبلًا، كل ذلك يدعو بحق وموضوعية للترحم على ألق الحرية الصحفية في موريتانيا، فنحن نعيش في مرحلة هزال الحريات في موريتانيا، وبوجه خاص حرية الصحافة.
لقد ترك هذا السجن في نفسي غصة عميقة وشعورًا بالإهانة المتعمدة، وهذا كله غير مقبول مطلقًا مهما كانت المسوغات، وإن لزم العقاب، إن افترضنا حصول مبرراته، إلا أن الأمر كان يمكن أن لا يصل لهذا كله، من الاستجلاب والسجن والإقالة من الوظيفة!
وضمن تفكيري في هذا المسلسل المفعم بالكراهية والاستصغار والإضرار، لم أقتنع بالتصعيد ضد هذا النظام ولا حتى معارضته، لسبب بسيط امتناعي عن ما قد يضر الوطن واستقراره، وعدم اقتناعي بأن الرئيس غزواني مصدر هذه البلوى التي أصابتني بعمق.
فرغم أن الرئيس غزواني تكون تكوينًا عسكريًا يطبق فيه القانون بصرامة ضد المخالفين لقوانين الثكنة، إلا أنني مقتنع بتقدير الرئيس غزواني للمهنة الصحفية، ولتجاوز ما حصل أخاطب الرئيس غزواني صراحة: ما حصل ضدي، بحكم مكانتي في المشهد الإعلامي، خوف الكثير من الزملاء من حقلهم الإعلامي، وقد يفسره بعض خصوم النظام برسالة عدم تقدير للصحافة والصحفيين، وهو ما قد يفسر أيضًا تدني علاقة الرئيس محمد ولد غزواني في الوقت الراهن بالإعلاميين!
السيد الرئيس غزواني، أبعدوا الإعلاميين وأصحاب الرأي عن السجن، فالذين يرون من حاشيتكم سهولة وبساطة مصادرة حرية الصحفي مجرد أعداء لنظامكم واستقراره، كما أنهم لا يدركون ضرورة وحتمية توسيع الباع لتمظهرات وتجليات المشهد الإعلامي الوطني، وأدعوكم، السيد الرئيس، لإعادة الاعتبار للصحفي ومهنته، عسى أن يُجبر خاطر قد كُسر وأُصيب في العمق.
شخصيًا، رغم ما أصابني من سجن متكرر وإقالة، إلا أنني لن أهجر وطني، ولن أسلك سبيل التطرف والتصعيد لإيماني بضرورة الصبر لاستمرار ما نعيش من استقرار في الوطن رغم بعض المآخذ الأساسية، ثم إنكم، سيادة الرئيس غزواني، ينبغي أن تعرفوا ملامح كبار الكتّاب ونخبة الإعلام في وطنكم، وحتى لا يُصوَّر لكم البعض تطرفًا فكريًا، غير صحيح اتهام البعض به.
لأن وسطية معظم الأقلام الصحفية ينبغي أن لا يدمرها استهداف البعض، وترويج تطرف غير موجود مطلقًا.
ففي سياق انتقام البعض من بعض ما نُبدي من آراء عامة، قد يُصوَّر وصمنا بالتطرف على وجه غير صحيح مطلقًا، ولإبعاد مثل هذه الدعاية السلبية ينبغي، صاحب الفخامة، أن تتطلعوا عن قرب على ما يُسجَّل ويُكتب بدل التقارير الموجزة المُخِلّة أحيانًا.
فما نكتب أو نُسجِّل، يا صاحب الفخامة، من أجل المصلحة العامة فحسب، والصحافة بحاجة ماسة لسعة الصدر وحصانة حقيقية، لمسناها في العهود السابقة ولو نسبيًا، وأنتم أحق بالاستمرار في نهج التهدئة والمساهمة في حماية الصحفيين.
فالصحافة في خطر، إن لم تبادروا، سيادة الرئيس، لتفحص واقع الصحافة وما تعاني من تصعيد واستهداف متكرر.
وباختصار، يمكنني القول إنني واثق بأن أغلب كوادر هذا النظام لا يرغبون في التصعيد ولا سجن الصحفيين، بل لا يرون مبررًا لذلك، لكن بعض أعداء النظام الحالي يسعون لتصوير ولد غزواني ونظامه بأنه نظام تصفية الحسابات وحصار الإعلاميين.
وصاحب الفخامة، محمد ولد الشيخ الغزواني، مدعو لتفويت الفرصة على أعداء نظامه، لإبعاده عن ساحة الصراع العقيم مع حملة الأقلام، خصوصًا أن المؤشرات لا تدل على تفريطه في الحرية الإعلامية، وإنما محرك هذا الصراع ربما استغلال البعض لبعض مواقع النفوذ لإشعال الفتنة بين السلطة الإعلامية والسلطة التنفيذية، وتلك سلطة نقدرها ونحرص على أن تكون علاقتنا معها علاقة تكامل، لا تآكل البتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى