قراءة في نص الدهماء «فُزتُ ثانية»: السخرية بوصفها اعترافًا مقنَّعًا

(الزمان أنفو _ نواكشوط): لا يشتغل هذا النص على السخرية بوصفها أداة ضحك عابر، بل يوظّفها كآلية كشفٍ مزدوجة: كشفٍ لزيف الجوائز الرمزية في الفضاء الافتراضي، وكشفٍ أعمق لذواتٍ ثقافية تصنع هيبتها من الفراغ وتقتات على التصفيق المتخيَّل.
الكاتبة، خديجة الملقبة بـ(الدهماء ريم)، تنطلق من لحظة فوز عبثي بجائزة افتراضية، لكنها لا تحتفل بها بقدر ما تحاكم منطقها، وتُعرّي السياق الذي أنتجها، وتحوّل خطاب الشكر إلى محاكاة ساخرة لبلاغة المنصات، حيث تختلط الفخامة اللفظية بالتفاهة الرمزية.
يعتمد النص على تقنية الخطاب داخل الخطاب: خطاب احتفالي ظاهري، يقابله خطاب نقدي باطني، يتسرّب عبر الاستعارة، والمفارقة، والتضخيم الكاريكاتوري للشخصيات (الصحفية/المدوِّنة/المؤثرة). وهذه الشخصيات ليست أفرادًا بقدر ما هي نماذج، أو “أقنعة اجتماعية” تتحرك داخل مسرح رقمي مكتظ بالادعاء.
وتبلغ السخرية ذروتها حين تنتقل الكاتبة من نقد الجائزة إلى تخييل مهرجان كامل لها، في قلب الصحراء، حيث تنقلب مفاهيم الثقافة: الزهد يصبح عرضًا، والفراغ يتحول إلى طقس، والجانّ يُستدعَون بوصفهم شركاء طبيعيين في الضجيج، في إشارة ذكية إلى تماهِي بعض البشر مع العبث حتى فقدان الفارق.
أما الخاتمة، حيث ينتهي الخطاب دون تصفيق، فهي لحظة انكسار واعٍ، تُعيد القارئ من وهم المنصة إلى حقيقة العزلة، وتؤكد أن كل هذا الاحتفال لم يكن سوى مونولوغ داخلي، موجّه أكثر إلى الذات الناقدة منه إلى جمهور غير موجود.
إنه نص يضحكك، نعم، لكنه يترك أثره كقرصة طويلة، لأن السخرية فيه ليست تهكمًا على الآخرين فقط، بل شبهة اعتراف جماعي بأننا—بطريقة أو بأخرى—شركاء في هذا الكرنفال الرقمي.
نص الكاتبة (بين ظفرين)
«فُزتُ ثانية.
……ا
اللهم لك الحمد والمنَّة، وكما أنعمتَ فزد، قرأتُ قبل قليل خبر فوزي بجائزة زايد محمد لفقراء الخربشات الافتراضية، عن السنة الفيسية المنصرمة.
وفورا تخيلتُني أمام حفل التوزيع، أحمل بيدٍ درع التكريم الزجاجي، أغمض عيني، وأنحني فوق منصة الخطباء، وأقول:
“سيداتي سادتي، أشعرُ بانتعاش نفسيٍّ غريب، كلما حصدتُ «جائزة زايد» لأيِّ شيء،..
ورغم كونها قاحلة، ورغم أنَّها لن تحجز لي اسما يُذكر أو يُشكر في عالم التدوين، حتى ولو يَرقة من صغار الذباب الأزرق، كتلك التي تلبس بدلة كحلية وربطة عنق، وتضع رجلاً على رجل في كل الصفوف الأمامية، تُنظِّر في كبريات النَّوازل الوطنية والظواهر الكونية، تَتَسمَّى صَحفيَّة في الصباح ومُدوِّنة في المساء، وبين الوقتين ينشطر وجهها وجهين فتُدعى مؤثرة، يُحسب لها ألف حِساب، أغلبها زائف أو مستعار!
صدقًا سادتي، لديَّ رغبة متحمسة في تحويل «جائزة زايد» إلى مهرجان دولي، تُموِّله أو تُهوِّله وزارة الثقافة، فلها كامل السيادة والنظر في الأمر.
سنقيمه في فيافي تيرس، نضرب الخيَّام وأكباد العلائل، نُنشد شعر محمد للطلبة في صقيع الشتاء الحنون مساءً، نمارس تمارين الزُّهد في الخطابات والأمسيات والندوات في الهواء الطلق صباحًا، ونتشافى من أعراض التهاب الذوق ونَزلات السيبرانية الفجائية،.. وإنْ تكاسل الإنس عن مهرجاننا، نستدعي الجان، فهم أقدر على المنافسة في الفوضى والصُّراخ ونشر «الفَنَداتِ» بانشراح،.. وما بعض الإنس في أرضنا إلا جانٌّ تمَّ استئناسه بفشل، وسنأخذ إتاوةً عن رأس كل كلمة منتقدة، فمهرجاننا شيء من جنوننا ولا يعني غيرنا.. ثم نعود بغنيمة سنةٍ قمريَّة، وحمل قطار من التطبيقات البنكية المشبعة.
في الختام،.. أتقاسمُ جائزتي-المفخرة، مع كل الأقلام النسائية الحرة، النقية على هذا الفضاء، ومع كلِّ منْ أعاد إليَّ رغبة القراءة والكتابة بشهية أطفال الابتدائية، دون أن أنسى جيراني من فقراء التدوين ومن جاورهم من المحتسبين.
أنهيتُ خطابي في الوقتِ المبرمج له،.. لكن لماذا لم يصفقوا!،..
أفتحُ عينيَّ، أشيحُ بوجهي عن تفتفة مِنْ «يحظيه» ينفثها نحوي، يُريد – قبل أن يُهاجر – أن يشتم فِيَ الإنسان، الذي أغوَى موظفيه من الجان، وشغلهم عن شغلهم بالتَّسكع خلفه في كل مهرجان!
شكرا عزيزي زايد.
تحياتي.»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى