حتى لا نذهب بعيدا / سيدي علي بلعمش

يأتينا ولد عبد العزيز اليوم، بدعوة مفتوحة لـ”حوار بلا أسوار”، يعلن فيه استعداده لحل البرلمان و البلديات و انتخابات رئاسية سابقة لأوانها و إعادة تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات .. و لا أدري ماذا بقي مما لم يتنازل عنه ولد عبد العزيز ليقام حوله حوار؟ لم يبق إجرائيا، إلا الجلوس لوضع اللمسات الأخيرة على خطة العمل و تحديد مواعيد كل حدث !!! و يبدو الآن واضحا أن ولد عبد العزيز مستعد لإعطاء أي ضمانات ترضي المعارضة لأنها بطبيعة الحال ستظل ضمانات بلا ضمانات ..

و لكي يخفي ولد عبد العزيز الأسباب المقنعة و الحقيقية لاستعداده المفاجئ لقلب الطاولة على نظامه، قال كاذبا إنه يفعل كل ذلك استجابة لطلبات المعارضة التي بادرت بتكذيب الزعيم في ردها على رسالة وزير نقله الأول الـ”بلا رأسية” .. و لا ندري في الحقيقة منذ متى كان ولد عبد العزيز يستجيب لمطالب المعارضة و لا منذ متى كان يتكرم عليها و لا ندري أيهما أدعى للاستغراب !!! و لا يمكن أن نتجاوز هنا أن المعارضة قررت من خلال ردها على وثيقة وزير النقل الأول ، أن تتعاطى مع أجندة لا تفهم فيها أي شيء ؛ فلا دوافع ولد عبد العزيز واضحة لها و لا نواياه واضحة لها .. و من المؤكد الواشي بعدم طبيعية الأشياء، أن المعارضة تعي جيدا أن ولد عبد العزيز لم يتغير في لحظة ليصبح زعيما سياسيا سويا يبحث عن وفاق وطني و نظام شورى وتوبة من آثام الماضي ؛ فلا يمكن أن تخلو أسباب تنازلات أو تنزيلات ولد عبد العزيز من واحدة من اثنتين : ـ إما أن يكون فعلها استجابة لضغوط خارجية ؛ و الضغوط الخارجية إما أن تكون لصالح المعارضة و بالتشاور معها و على علم منها و إما أن تكون ضد ولد عبد العزيز .من دون التنسيق معها  و في الحالتين لا ينبغي أن تكون المعارضة هي من تبحث له عن حل لتخرجه منها.. ـ و إما أن يكون فعلها لأسباب داخلية ؛ مثل مرضه أو تضييع وقت المعارضة و تشتيت لحمتها أو فتح مأمورياته في الدستور أو تمرير مرحلة صعبة كان يخشى انهيار نظامه فيها و ليس من الوارد أن تستجيب له المعارضة لتخرجه منها.. لقد كان موقف “التكتل” و “إيناد” واضحا من هذه القضية؛ لا فائدة من أي حوار مع ولد عبد العزيز .. و قد يكون هذا الموقف صائبا أو خاطئا لكنه مفهوم على الأقل ؛ إن إعادة الثقة في ولد عبد العزيز من خلال التعاطي معه جريمة في حق شعبنا و بلدنا  و مضيعة للوقت و هدر لعدة سنين من النضال و الصبر و التخطيط،، رفض فيها ولد عبد العزيز أن يكون على مستوى المسؤولية و عبث فيها بكل شيء  و احتقر فيها الوطن و المعارضين و الجيش و الجيران و أدخل موريتانيا مشاكل بلا حدود ، لن تعرف كيف تخرج منها.. ولد عبد العزيز ليس خصما سياسيا جديرا بالاحترام و إنما هو عدو لموريتانيا و شعبها و ثقافتها ؛ دمر اقتصادها و مزق لحمتها و احتقر أهلها . و على ولد عبد العزيز و ولد محمد لقظف و ولد كلاي و امحيسن ولد الحاج و امربيه ربو أن يكملوا بقية مهمتهم و بقية مأموريتهم ، و علينا نحن أن نقف لهم بالمرصاد لكي لا يذهبوا إلى غير السجن المؤبد .. إن من يبنون “بلوكات” و يحولون نصف مدرسة الشرطة إلى محلات تجارية و نصف الملعب الأولمبي إلى منتجع سياحي لا يفكرون في الذهاب و أي نوع من التعاطي معهم مساهمة في استمرار أجندتهم و تحقيق أحلامهم ..  

 

 

و إذا كنتم تقولون إن ولد عبد العزيز يختطف الدولة و عليه أن يتحمل مسؤولية كل ما يحدث فيها و هو كلام صحيح و جميل و وارد جدا ، عليكم أنتم أن تتذكروا أنكم تختطفون المعارضة بنفس الطريقة و تتكلمون باسم معارضين لم ينتدبوكم للحديث باسمهم و عليكم أنتم أيضا أن تتحملوا مسؤولية كل ما يحدث : لقد كنا كثيرين معكم في الشارع في جبهة الدفاع عن الديمقراطية من دون أن نكون من حزب أي منكم ، فأبرمتم اتفاق داكار من دون استشارتنا و توزعتم الوظائف من دون استشارتنا و أدخلتم موريتانيا في ورطة لا تعرف كيف تخرج منها و ابتلعتم الهزيمة من دون أن تعتذروا لنا و لو بكلمة ؛ فماذا تسمون كل هذا .. و أين الفرق بينه و بين ما يفعله ولد عبد العزيز .. و ما معنى أن تحملوا ولد عبد العزيز مسؤولية الانفراد بالقرار في السلطة و تنسوا انفرادكم به في المعارضة؟ و إذا كنتم تطلبون من ولد عبد العزيز الآن ضمانات لاحترام التزاماته ، فأي ضمانات ستقدمون أنتم للشعب لاحترام التزاماتكم تجاهه؛ و لا تنسوا أنه لم ينصبكم لتمثيله تماما كما لم تنصبوا أنتم ولد عبد العزيز ليمثلكم …؟  

لقد كان لي الشرف في الأيام التشاورية الأولى ( فترة أعلي ولد محمد فال الانتقالية) أنني كنت من طالب في الفقرة الأخيرة من المادة 99 من الدستور بتحديد مأمورية  رئيس الجمهورية  بخمس سنوات  قابلة للتجديد مرة واحدة و بيمين الرئيس عند استلامه الحكم بعدم تغييرها أو السعي فيه بأي شكل (و التسجيلات موجودة في أشرطة الإذاعة و التلفزيون و آرشيف الرئاسة و “قصر المؤامرات”) و قد تم تبني العناصر الثلاثة بعد دفاعي المستميت عنها و وقوف أصوات كثيرة معي، فتم تبنيها و تثبيتها .. و من الطبيعي جدا أن أشعر الآن بالمرارة حين أسد الطريق أمام “الموت القادم من الشرق” فتفتحه  المعارضة بإغراءات وحم كاذب.. و على المعارضة أن لا تنسي أن هذه المبادرة المقطوعة من أسباب فهمها، تأتي في وقت دقيق لا بد من التنبيه إليه : ـ وقت أعدت فيه منسقية المعارضة برنامجا طويل النفس و جيد التنظيم لمواجهة نظام ولد عبد العزيز المتهالك (تعرية كل أساليبه في نهب المال العام، كشف خارطة توزيع الثروة على أقاربه ، انهيار الإدارة، تفشي الجرائم بكل صنوفها، تذمر جميع سكان البلد من الغبن و الحيف و القهر و الإذلال، تمزق اللحمة الاجتماعية، عجز الأمن و القضاء عن أي مستوى من المسؤولية، تذمر واسع داخل صفوف “أغلبيته” (هدد 87 برلماني من الأغلبية أغلبهم من الحزب الحاكم برفض التصويت على قبول ميزانية 2015 و حجب الثقة عن حكومة ولد حدمين و تطلب تراجعهم عن هذا القرار، أسبوعان من الاجتماعات الانفرادية و الوعود الكاذبة ) ، ارتفاع الأسعار بشكل جنوني بمبررات اكتشف الجميع زيفها بعد تراجع أسعار الوقود من حوالي 180 دولار إلى حدود 45 دولار للبرميل…) ـ  تأتي هذه المبادرة في وقت تقف فيه أمريكا و فرنسا و كل مجموعة الاتحاد الأوروبي ضد ولد عبد العزيز : اتفاقية الصيد، محاكمة بيرام و رفاقه، ملف العبودية، التقارب مع الإخوان، قضايا الإرهاب (و هي ملفات جاهزة من المعروف أن الغربيين لا يجعلونها جرائم في حق الإنسانية إلا في وجه من يريدون الوقيعة به) … ـ  تأتي هذه المبادرة في وقت هاجر فيه رأس المال المحلي و هربت مؤسسات الاستثمار بسبب الضرائب و تراجعت أسعار الحديد إلى حد كارثي و تمت التغطية على نهب الثروة السمكية باختلاق مشاكل مع الاتحاد الأوروبي و أفلست الدولة بسبب الفساد المستشري و النهب المجنون … ألا يكفي ولد عبد العزيز انتصارا و تلاعبا بعقولنا هنا، أن يستطيع مشاغلة المعارضة بكذبة مدة عام و نيف (هي ما يتطلبه تنفيذها) ليلغيها في آخر لحظة بأي حجة ، بعدما وجد الوقت الكافي لحل مشاكله الخارجية التي تمثل مصدر قلقه الحقيقي .!؟ و تقول المعارضة أنها ـ كمؤسسات سياسية ـ لا تستطيع أن ترفض الحوار إذا جنح له النظام ، و هذا كلام تبريري أقبح من الذنب؛ فهل كان ولد عبد العزيز ، بتصرفاته غير المسئولة و عدم التزامه و احتقاره لكم ، جديرا بحمل صفة الطرف السياسي الجدير بهذه الثقة ؟ و إذا كنتم تصفون نظام ولد عبد العزيز بغير الشرعي لأن الشعب لم يمنحه ثقته ، فهل نصفكم أنتم الآن بالمعارضة غير الشرعية لتعاطيكم معه أم أن شهادات التأهيل من صلاحيات المعارضة وحدها؟ أنتم بمثل هذه الهيمنة غير المستحقة و هذا الأداء الرديء، تدفعون الأجيال المصرة على التغيير و التي منحتكم ثقتها إلى اليأس و هذا هو الطريق المفضي إلى التفكير في الخروج على “القانون” و حمل السلاح.. لقد جمعتم جماهير الشعب و قلتم لهم إن النظام غير شرعي و الحوار معه غير مجدي و التعاطي معه تبرير لشرعيته ؛ و هذا كلام واضح و جميل ، فماذا تغير اليوم؟ ما الفرق بين توزيع ولد عبد العزيز “ياي بوي” على سكان الأحياء الشعبية الذي تتخذونه موضوع سخرية منه و توزيعه “ياي بوي” أحلام اليقظة عليكم، الأدعى إلى التندر و الشفقة؟ أتوقع شخصيا أن يدخلكم البرلمان الحالي بمهارات أصحابه و نقمتهم على النظام، أنتم و ولد عبد العزيز في أجندة خاصة لم يتوقعها أي منكم ؛ فإن تركتموه، رفضَ تمرير كل ما يتطلب تصويته من الأجندة و إن حله ولد عبد العزيز أدخلكم بمقتضيات القانون (إعداد انتخابات تشريعية خلال 60 يوم ) في زمن يخلط حابل أجندتكم بنابلها.. إخوتنا في المعارضة، أنتم رجال فكر و إرادة و قرارات، أنتم نخبة سياسية متمرسة و واعية، أنتم إينتليجانسيا وطنية  ذات تجربة واسعة و طموحات كبيرة، انظروا في عيون ولد محمد لقظف الماكرة .. انظروا في وجه ولد عبد العزيز المبلد الملامح ، المصفح ضد الخجل لتتذكروا أنكم نسيتم أهم ما تحتاجونه الآن للرد عليهم.. ـ هل من المعقول عندكم أن يدعو ولد عبد العزيز إلى انتخابات رئاسية يعتمد في كسبها على التزوير و التجاوزات الأخطر منه (استغلال وسائل الدولة، انحياز الإدارة…) في وقت تقف فرنسا و أمريكا في وجهه؟ ـ تطلبون من ولد عبد العزيز إعطاء ضمانات بعدم تدخل كبار قادة الجيش و عدم استغلال وسائل الدولة ؛ إذا أعطاكم ولد عبد العزيز مفاتيح كل خزائن الدولة و وضع كل الضباط السامين في السجن مدة الانتخابات، فهل تكون هذه ضمانات ؟ ألا يكفي الضباط أن يأخذوا هواتفهم للاتصال بمن يشاؤون و يكفي ولد عبد العزيز أن يعطي الضوء الأخضر لولد غده و الصحراوي و أولاد اللهاه و أهل المامي ليمولوا حملته ريثما يعتلي الكرسي ليعوضهم بالمطار الجديد و شارع جمال عبد الناصر و شاطئ الراحة و ملعب لكصر و جامعة نواكشوط القديمة ؟؟ ـ ماذا كان سيحدث لو جاء ردكم على وثيقة وزير النقل الأول “واصلوا نهبكم .. إن الأربع سنوات الباقية لكم لا تكفي للتفكير في ما تستحقون من عقوبات”؟؟ ـ ماذا كان سيحدث لو جاء ردكم على وثيقة وزير النقل الأول “نحن جاهزون لخوض أي انتخابات معكم من دون ضمانات و من دون أجندة لأننا مستعدون للدفاع عن الديمقراطية بدمائنا”؟؟ ـ ماذا كان سيحدث لو جاء ردكم على وثيقة وزير النقل الأول “ما حاجتكم إلى محاورتنا و لديكم معارضتكم الشرعية “المعاهِدة”؟ ـ ماذا كان سيحدث لو جاء ردكم على وثيقة وزير النقل الأول “ما زلنا عجائز المعارضة، الانتهازيين، الفاسدين ، المجرمين”؟ ـ ماذا كان سيحدث لو جاء ردكم على وثيقة وزير النقل الأول “أخذنا علما بانسداد طريقكم” ـ ماذا كان سيحدث لو جاء ردكم على وثيقة وزير النقل الأول  “لقد وعدنا جماهيرنا بأن لا نخون موريتانيا و لا نتاجر بمصالحها” أستطيع الآن أن أجزم أن ولد عبد العزيز لم يقدم هذه المبادرة القاتلة إلا بعد أن وجد ضمانات من داخل المعارضة بالتعاطي معها.. و أستطيع الآن أن أجزم أن المعارضة ستعود إلينا غدا بدموع و عويل المطلقة “انظروا ما فعل بنا ولد عبد العزيز”      

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى