عباءة النقيب و بذلة العقيد و “الأرض الخراب” / سيدي علي بلعمش

“إبريل أقسى الشهور” مطلع رائعة الشاعر الإنجليزي توماس ستيرنس إيليوت “الأرض الخراب” التي أهداها إلى زميله االشاعر “عزرا باوند” (نشرت سنة 1922) ، عبر فيها “تي . أس . إليوت” بالنبوءات و السخرية، عن خيبة أمل جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى من خلال تصوير عالم مخيف ، ينتظر أصحابه إشارة من مجهول بالخلاص من عالم الذعر و سطوة الشهوات السخيفة الذي يعيشونه، اعتبرها النقاد أعظم أعمال “إليوت” و أكثر قصائد القرن العشرين شهرة :

                           “ابريل أشد شهور العام قسوة

                       يخرج زهور الليلاك من بطن الأرض الميتة

                           يمزج الذكرى با لرغبة الحية””نيسان أقسى الشهور.. يلد الزهور من الصخور” يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش، متقفيا آثار “إليوت” في نفس الاتجاه.. و في إبريلنا نحن .. في أرضنا الخراب، تتحول عباءة النقيب إلى قصيدة .. إلى أسطورة وطنية خالدة .. إلى حذاء منتظر الزيدي:

مــت إن أردت فـلـن يـمــوت إبـــاءُ        مــادام فــي وجــه الظـلـوم حـــذاءُ

مــــاذا تـفــيــدك أمـــــة مـسـلـوبــة        أفـعـالـهــا يـــــوم الـــوغـــى آراء

لله أنـــــت، أكـــــاد أقــســـم أنــــــه          لـجــلال فـعـلـك ثـــارت الـجــوزاءُ

 

                فـي وجهـك الشـرقـيّ ألــف مقـالـة         وعـلـى جبيـنـك خـطـبـة عـصـمـاءُ

جـاءتـك أصــوات النـفـاق بخيـلـهـا         وبرجلـهـا، يـشــدو بـهــا الجـبـنـاءُ

لا يـعـلـمـون بــــأن صــوتــك آيــــة         لـلـعـالـمـيـن،  وأنـــهـــم أوبــــــاءُ

لــو صَـحْـت لاهـتـز الـبـلاطُ بـأسـره       وتـصـدّعــت جــدرانــه الـمـلـسـاءُ

لـمــا وقـفــت كـــأن بـحــراً هـــادرا          فـي ساعـديـك وفــي جبيـنـك مــاءُ

لـمــا نـطـقـت كـــأن رعـــدا هـائــلا          فــوق الـحـروف وتحتـهـن سـمـاءُ

 

أبيات من رائعة الشاعر غازي القصيبي (بتصرف)، تذكرنا بأن حالة الاحتباس الحراري العربي واحدة..  أن حالات اتسونامي العربي المنتظرة، واحدة .. أن شتاء النفاق العربي المخجل لا تكفي زوابع إبريل الغائرة لاقتلاع جبل جليد مذلته .. لقد عودنا النقيب أحمد سالم ولد بوحبيني على مستوى من الاحترام و المسؤولية .. على مستوى من الالتزام المهني و الإحساس بالمسؤولية الوطنية .. على مستوى من الأخلاق و الشجاعة ….

لا نستكثره منه لأنه أهل له .. لا نحييه فيه لأنه واجبه ..  لا نكبره منه لأنها مسؤوليته ، لكننا نحترمه و نجله فيه لأنه يعكس احترامه لنا و وفاءه للوطن و التزامه بأمانته .  ما كان ليس غريبا : “بعض الناس عظماء لأن المحيطين بهم صغار”  كما قال “مارك توين” .

إن احترام منظومة الأخلاق (الحق و الحقوق و الحقيقة و القوانين و الأعراف و الدساتير و المعاهدات)  أهم و أعظم و أجل من قداسة عباءة رمزية تستمد حرمتها من الدفاع عنها ؛ إن من لم يخلعوا عباءاتهم في بلد تداس فيه الكرامة الإنسانية إلى هذا الحد، هم من يسيئون إلى العدالة و يدوسون بنعالهم على الفضيلة و يبصقون على وجوه المظلومين البائسين في هذا البلد ” ما لكم كيف تحكمون” ؟ ما صار ليس بعيدا :

ها أنتم و حراس المعبد من كتاب و صحافة الارتزاق،  تملئون الدنيا عويلا و استنكارا  لما كان يجب أن تفعلوه بلا مناسبة ، لتذكروننا بالمثل الروسي ” لا تحكم على السيد بثناء الخدم عليه” : “… إن هذا النمط من الحكم، الذي يمارسه حاكم جاء فلتة لهرم سلطة الدولة، هو الوسيلة الوحيدة التي يعوض بها هذا الحاكم فراغ المقعد الذي تربع عليه بالصدفة والذي يحس في قراره نفسه أنه ليس أهلا له.

مما جعله يحيط نفسه بحاشية من الوزراء وغيرهم من المعاونين السامين الذين يتفنن في إهانتهم وهم يبذلون له من تحقير أنفسهم ما يساعده على التخلص من احتقاره لذاته” ـ هنا أيضا تعصف زوابع إبريل الثائرة بنخوة العقيد الشيخ سيد أحمد ولد باب أمين ليخلع بذلة المهانة الجاثمة على النخبة العسكرية المسئولة أخلاقيا عن تولي الجيش لمقاليد الحكم في البلد: “وكما أنه لا يمكن أن يحب المرء ما يجهله، فإنه من المستحيل، مهما حسنت النوايا، أن نسعد شعبا أو نبني وطنا لا تربطنا بهما وشائج المودة المتبادلة” .

ها أنت يا سيدي تقف على أدق تفاصيل أسرار الحقيقة المخجلة، فأين مسؤولية جيلك من الضباط الذين برروا تدخل الجيش في الحياة السياسية ؟ إن تذرعكم اليوم بالتقاعد لا يختلف في شيء عن تذرع الجيش بالخوف من كتيبة عصابة “بازيب” !!؟

إن موريتانيا تحملكم مسؤولية تولي الجيش لمقاليد الحكم .. تحملكم مسؤولية رفضه التخلي عنها .. تحملكم مسؤولية انحرافه .. تحملكم مسؤولية نتائج انحرافه التي حولته إلى عاجز عن حماية الحدود و مهدد للوحدة الوطنية بعدما كان على رأس مسؤولياته الحفاظ عليهما .. و إذا لم يكن وجود ولد عبد العزيز اليوم على رأس السلطة برتبة جنرال، دليلا كافيا على سوء تقديراتكم و تأكيد مسؤولياتكم، فمتى يكون الحساب على الأخطاء؟ لا بد ـ إذا كنت تعرف من هم ولد عبد العزيز، محسن ولد الحاج، أمربيه ربو، أفيل ولد اللهاه ـ أن تعذرنا في عدم تقبل أي اعتذار من جيلكم ..

و لا بد ـ إذا كان يعرف من هم : ولد عبد العزيز (سمكار : Tôlier)، ولد الغزواني (صاحب الترخيص الحصري لإيراد الدجاج)، أفيليكس نيكري، باب ولد النانه (قوات المارينز) ـ أن يعذرنا الجيش، إذا أحجمنا عن المبالغة في الحديث عن احترامه لأسبابنا المؤلمة.. نعم ، هو “الاحتقار” بعينه يا حضرة العقيد حين تصبح الوظائف الإدارية المحترمة و الرتب السامية في الجيش حكرا على ” الذين أصبحت مفاهيم الكرامة والنخوة والشرف آخر هممهم بل أصبحوا يقتنعون يوما بعد يوم أنهم يجنون من وراء تزلفهم للحاكم أكثر بكثير مما يربحونه من وراء أدائهم بالواجب وخدمتهم للوطن.” .. هو “الاحتقار” في أبشع تجلياته حين ” لم يعد هناك وازع ولا أخلاق يمكنها أن تصمد أمام هذه الرياضة الوطنية، أمام هذه الجاذبية، وهذه الحاجة التي تشبه الإدمان في البحث عن رضا الحاكم” يسعدنا جدا أن نسمعها من من لا نتذكر في ماضيه ما يجعلنا نستغربها منه، لكنها إشارة انطلاق سنبني عليها جبلا من أحلام ، نرجو أن لا يخبو وميضها و نحن في جوف النفق.. إن عواصف إبريل التي تعلمنا أن المصائب التي لا تقتلنا تزيدنا صلابة، تفتح شهية مطاردي سمكته، العابرين بنا إلى مرافئ لم تكن.. و أي “احتقار” يا سادتي، أن تتوالى على أرضنا نحن انتصارات أبواق الكذب و التزلف؟

10/04/2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى