هل يلغي صانع القرارالنص الوطني أم يمنحه الوجود؟

تعتقد نظرية ” التلقي والتقبل ” الألمانية التي تركز على القارئ أثناء تفاعله مع النص بغية تأويله وخلق صوره المتخيلة. أن النص حقيقة افتراضية  أو كامنة ، ولا تتحقق فعلياً إلا إذا قام قارئ أو متلقي بقراءته  ، باعتبارأن القارئ له إسهام مكافئ في الأهمية ، وأن النصوص لا يكون في مقدورها مواصلة الحدوث والتبدي بذاتها .

غير أن هذه الرؤية التي قدمها الناقد الألماني ” هانز روبرت ياوس ” قد ثارت إلى حد كبيرعلى المناهج البيوغرافية التي اهتمت كثيرا بالمبدع وحياته وسيرته الذاتية وظروفه التاريخية ، والمناهج التقليدية الأخرى التي انصب اهتمامها على المعنى باعتباره جزء من الحقيقة المطلقة ، إلا أنها استجابت لحاجة ” أفق التوقعات  “، وحملت معها نموذجا استبداليا جديدا يتجاوز النماذج السابقة ، وركزت كذلك على توقع القارئ وفق معطيات تقوم على ثنائية القارئ والنص ، أوالتحقق والتأويل  ، معتمدة في ذلك على مفهوم ”  اندماج الآفاق  ” .

ومع ذلك فإن الاهتمام بالقارئ قد ظهرقبل نظرية التلقي والتقبل ، فالشاعرأو الكاتب يفترض في الغالب قارئا ويكتب من أجله ، فتحت عنوان ” لمن نكتب ؟ ” ، يبرز بوضوح الانشغال المبكر لدى الفيلسوف الوجودي “جون بول سارتر” بمسألة القارئ ، إلا أن هذا الاهتمام التاريخي بالقارئ بقي في طور البدايات ولم يسفر عن تصور نسقي لهذه العملية ، لذلك نجد أحد الشعراء يقول :

 عليّ نحت المعاني من معادنها *** وما عليّ إذا لم تفهم البقر.

غير أن بعض منظري وسائل الإعلام قد طوروا مفهوم المنفعة والبهجة ، الذي يركز على طريقة الاستخدام والتأثير في الوسائل الإعلامية لاعلى تأثيرها ، كما أوجدوا خطا موازيا بين نظرية المنفعة ونظرية التلقي والتقبل التي تركز على القارئ ، ومعنى ذلك أن هذه النظرية الأخيرة يمكن الاستفادة منها في مجالات أخرى مثل السياسة والإعلام .

وإذا تأكد هذا فإن النصوص المشحونة بالقضايا الوطنية التي يكتبها باستمرار رجال السياسة والاعلام والمثقفون الموريتانيون ، قد تفترض أن قراءها هم المواطنون على اختلاف مشاربهم ، وصناع القرار باعتبارهم معنيون بتنفيذ تلك الأفكار والمقترحات ، الهادفة إلى بناء دولة ديموقراطية حديثة وقوية ، قادرة على أن توفر لشعبها الأمن والعدالة والاستقرار، وتضمن للمواطنين حياة كريمة ، بعيدة عن الذل والتبعية للأجنبي ولغته التي تحمل ثقافات رخيصة ولها باع طويل في محاربة ديننا الإسلامي الحنيف ، ولغته العربية الخالدة ، التي لا زال الشعب الموريتاني يناضل من أجل ترسيمها دون سواها ، حتى تصبح هي لغة الادارة والعمل ، في ظل دولة القانون ، التي تقيم التوازن بين ضرورات السلطة ، وضمان الحقوق والحريات العامة ، مع اشتراط تبريرات منطقية ، توفر المصداقية ، والشفافية في أفعال الدولة .

 ومن خلال هذه الرؤية فإن صناع القرار في موريتانيا لم يمنحوا الوجود للمقالات التي ينشرها كتابهم ، لأن النصوص لاتدب فيها الحياة إلاإذا كانت موضوعة للإدراك ، وتم تجسيدها في كل مرة عبر عمليات ملء الفراغات والبياضات وتحديد ما هو غير محدد ، ومن ثم فإن سيل المقالات التي تأمر بالعدل والاحسان ، وتنحاز للضعيف ، ينبغي أن تجد آذانا صاغية ، كي لا يضطربعض المواطنين إلى الاقتداء بمافعله بطل رواية (البؤساء ) لـ فكتور هوكو ، ” جان فالجان ” الذي سرق خبزا من أحد الافران من أجل إطعام أطفال أخته ، الذين عانوا من الجوع الفاحش ، وتبعا لذلك لبث في السجن 19 سنة . وإذاكان البؤس سببه الأساسي هوالفساد والجشع ، فإن أصحاب هذه النصوص الوطنية قد نبهوا صناع القرار في بلادنا على خطورة اتباع  سياسة ” مبدأ عدم تدخل الدولة ” ، وخطورة ذلك الشعار الليبرالي الآخر القائل : ” دعه يعمل دعه يمر” للرأسمالي الكبير آدم سميث مؤلف كتاب ” ثروة الأمم ”  باعتبارأن الجشع ليس له حدود ، ويجب التصدي له من خلال ديننا الاسلامي الحنيف ، والاستفادة من التجارب الكونية التي يتبنى أصحابها العدالة الاجتماعية .

باباه ولد التراد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى