تعليقا على : التقرير الختاني لتخبط الحوار البهلواني / سيدي علي بلعمش

الزمان – علينا أولا و قبل الدخول في التفاصيل، أن نشير إلى بعض النقاط الهامة :

 ـ  إن هذا النشاط المتخبط الذي يتحدث عن شيء و يفعل أشيئا آخر و يفكر في شيء ثالث، لم يكن سوى حملة تضليلية للاتحاد من أجل نهب الجمهورية على نفقة الدولة ..

ـ  منذ أصبحت مذكرات الاعتقال الدولية سرية و بعد القبض بموجب إحداها في بريطانيا، على واحد من أهم جنرالات إفريقيا المتورطة في تجارة المخدرات، لم يعد ولد عبد العزيز يستطيع الذهاب إلى أي عاصمة أوروبية لمواصلة علاجه ، فكانت الصين هي الحل الوحيد المتبقي أمامه و للتغطية على هذه الرحلة العلاجية و أسباب تعذر سفره إلى أوروبا ، تم استعجال هذا الحوار لإلهاء الجميع عن المشكلة الحقيقية التي تؤرق ولد عبد العزيز، ليتزامن مع فترة المعرض الدولي ، للتغطية على الأسباب الحقيقية لزيارة دامت أسبوعين ، كان ولد عبد العزيز يحتاجها لإتمام فحوصاته ..

ـ تفكير ولد عبد العزيز اليوم محصور في ثلاث أمور، لا يسمح لنفسه بالحديث عن أي منها إلا لأقرب مقربيه أسريا و سيكون مستعدا لاستخدام أي طريقة للوصول لإحداها ، مهما كان ثمنها و هي بالترتيب كالآتي :


1   أن يبقى في الحكم


 2  أن يخلف من يغطي عليه


 3  أن يصنع ظروف هروبه

 ـ و يعرف ولد عبد العزيز اليوم أن فرصة بقائه في الحكم شبه مستحيلة لكنه يرفض أن يقنع نفسه بذلك و ينظر إلى ما يحدث يوميا في العالم للبحث عن حالة مماثلة يخرج من منفذها. و يدرك ولد عبد العزيز أن كل أغلبيته مرتزقة منافقة ، ستتفرق من حوله إذا لم يؤكد لها أنه باق في الحكم كما يدرك أن أقاربه الذين وزع ثروة البلد بينهم ليتحكموا في رقاب الناس، لا ينتظرون إلا مؤشر بسيط لنهايته ليهربوا من البلد و قد بدؤوا منذ حادثة إطلاق النار عليه تهريب ممتلكاتهم إلى الخارج لأنهم فهموا حينها أن سقوط أي  نظام لا تسبقه مؤشرات بالضرورة ..


ـ التفكير في خلف، خيار لا تفهم الناس أن ولد عبد العزيز لا يمكن أن يطمئن له : لأن أهم مواصفات “الخلف” و أي خلف  هي أن يكون شخصية انتهازية بلا ضمير و لا مبادئ مستعد للعب دور قذر مقابل منافع شخصية . فماذا سيقول هذا الشخص لفرنسا حين يجلس على الكرسي و تقول له عليك أن تقدم ولد عبد العزيز للمحاكمة؟ إن ولد عبد العزيز هو أكثر من يدرك عدم جدوائية الخلف لأنه هو نفسه مر بتجربة مماثلة  و يدرك ما تعنيه بالضبط و هشاشة مواقف صاحبها أمام الضغوط الخارجية و الداخلية.. وصحيح أن كثيرين يشتركون مع ولد عبد العزيز في الفساد لكن وصولهم إلى السلطة قد يدفعهم إلى التضحية به كعربون صدق نية مع الشعب  الذي سيبدي حينها ما يخفيه الآن من احتقان و بكل أطيافه..


ـ  الهروب هو الحل الأمثل و الأقرب إلى الواقعية من بين الخيارات المطروحة أمام ولد عبد العزيز : لكن كيف الهروب و إلى أين ؟؟ أعتقد أن تجنيس أبناء ولد عبد العزيز في المغرب و لجوء ولد ماء العينين إلى السعودية، بداية تفكير جدي في الاقتناع بأن الهروب هو الحل ـ مع فتح الباب و العمل على الخيارات الأخرى ـ أولا ، لأن العمل على الخيارات الأخرى هي أفضل طريقة لتحضير عملية الهروب و ثانيا لأن بقية أمل في إيجاد حل آخر تظل قائمة بطبيعة الحال.


أعتقد أن أصعب ما يواجهه ولد عبد العزيز اليوم هو أن أقاربه أصبحوا يعملون على خطة يخفونها عنه و مقربوه من العسكريين يعملون على أخرى بنفس السرية . و هذا ما يجعل العمل السياسي اليوم يحتاج إلى ذكاء خاص و ألمعية بعيدا عن الطرق التقليدية : المعركة الأصعب اليوم أمام المعارضة هي معركة الحصول على المعلومات الدقيقة و توظيفها بشكل جيد.. المعركة الأصعب اليوم هي معركة الثبات على المواقف و الثقة في النفس .. المعركة الأصعب اليوم هي منع ولد عبد العزيز من أمرين يحتاج أحدهما للتفكير في البقاء و يحتاج الآخر للتفكير في الهروب و يعمل عليهما منذ توليه مقاليد الحكم و هما تغيير الدستور أو إشعال حرب أهلية.


هذه هي التحديات المطروحة اليوم أمام المعارضة؛ أما استمرار ولد عبد العزيز في الحكم و الحوارات و إعداد انتخابات سابقة لآوانها فهذا كله كلام فارغ و شماعات لإلهاء الناس عن ما يفكر فيه ولد عبد العزيز ..


لقد قلت في المقال السابق إن ما يريده ولد عبد العزيز لن يظهر في نتائج التقرير الختامي لمسرحية هذه الأيام العبثية و إنما ستظهر وسائل العبور إليه في المستقبل مثل ما حصل بالضبط :


لقد تم التطرق إلى أمور بدعوى ضرورة طرحها في الحوار الذي حددوا له بداية أكتوبر، لا يمكن إحداث أي شيء فيها من دون فتح الدستور :


 * شعارات الدولة ورموزها؛


* الهيئات الدستورية وعلاقات السلط وصلاحياتها،


* المنظومة الانتخابية،


* اللغة كأداة لتحديد الهوية وتحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة التنوع وتثمين القيم المشتركة؛


و كل المواضيع الأخرى قد توصلك إلى حل الدستور لكن هذه على وجه الخصوص، لا يمكن إحداث أي شيء فيها من دون حله..

* آليات التناوب السلمي على السلطة ؛ و تعني هذه النقطة بالضبط أنهم يتجهون بوضوح إلى إحداث تغيير على المواد المانعة لترشح الرئيس لفترة ثالثة و رابعة . و هذا هو مربط فرس ولد عبد العزيز الذي سيجره إلى حبل المشنقة.


كل هذا الهرج المسعور حول مواقف المعارضة كان بسبب رفضها المبدئي لأي مساس بالدستور . و حين فهموا أن لا سبيل إلى إقناعها أو إقناع بعضها بذلك، تم رمي الحوار الوطني  في الزبالة  و أخرجت نسخة الحوار الداخلية (التي لا تعني غير الأغلبية المزورة، الخائنة،  المنافقة، المستعدة لإحراق الوطن مقابل أتفه مصلحة شخصية) .


ـ و قد وضعت هذه الأيام العبثية ولد عبد العزيز أمام خيارات قاتلة، سيفهم بعدها أن التخبط في السياسة لا يزيد الأمور إلا تعقيدا: فهل سيأخذ ولد عبد العزيز بهذه التوصيات كاملة كما تعهد بذلك و كما تعهد وزير نقله الأول و رئيس حزبه الأخير أو سينتقي من نتائج هذه الورشات ما يساهم في حل مشكلته و يلغي بقيتها في الزبالة؟


 كيف سيتصرف ولد عبد العزيز مع المحور التالي من توصيات التقرير الختاني لهذه الأيام غير “المطهرة”؟:


* التمييز الايجابي لصالح الطبقات الهشة؛ ومعالجة مخلفات الاسترقاق وتصفية المظالم والإرث الإنساني،


ـ هل سيحاكم ولد عبد العزيز مدير أمنه ولد مغت و مستشار وزير داخليته ولد الهادي و رئيس برلمانه ولد ابيليل و العربي ولد الجدين و اندياغا دينغ و المفوض دداهي والعقيد ولد حم ختار؟

كل الباقين في الخدمة من لوائح أصحاب الإرث الإنساني يتموقعون في أفضل مراكز نظام عصابة ولد عبد العزيز !!

سنرى هل سيكون وزير النقل الأول و ولد محم قادرين على تنفيذ كل توصيات و مقترحات الحوار كما جاء في تعهداتهما “تنفيذا للتوجيهات النيرة لفخامة رئيس الجمهورية الأخ القائد محمد ولد عبد العزيز ” !!؟


المهارة الوحيدة التي أبداها ولد عبد العزيز و عصابته خلال فترة التفاوض مع فريق المعارضة إبان مفاوضات الحوار الوطني الذي وأدوه، هي كانت رفضهم أي رد كتابي لأنه كان سيكشف  أمام العالم الفوارق الشاسعة بين كلامهم المعسول و نواياهم الشريرة . لكن ما كانوا يهربون منه مع المعارضة التي وصفوها بكل النعوت الشيطانية (الأصدق فيهم)، وقعوا فيه مع أغلبيتهم الهجينة المخترقة من جهات انتهازية، فرضت مطالبها في وقت قاتل؛ إذا رفضوها قتلوا نسخة الحوار الثانية في أسبوع واحد و تحولوا إلى مهرجين حقيقيين و إذا قبلوها وقعوا في مأزق آخر،  لا مخرج منه : كيف يستطيع ولد عبد العزيز مواجهة “تصفية المظالم و الإرث الإنساني”؟ و أعرف شخصيا أن “الأغلبية” المستهترة ـ حين أدرجت هذه النقاط في تقريرها ـ كانت تعتقد أنه مجرد كلام فارغ يمكن تجاوزه أو إرضاء أصحابه بأي وعود كاذبة ، لكنهم سيكتشفون أن من تسللوا إلى داخل القصر ليفرضوها يعرفون جيدا كيف يكملون مهمتهم.


أعتقد الآن أن ولد عبد العزيز لن يمضي في هذا الحوار و الحل الوحيد للتخلص من توصياته المحرجة بل القاتلة، هي أن يستحدثوا حلقة جديدة من المسرحية يتبنون فيها مقترح “المعاهدة” بتأخير الحوار و التفاوض مع المنتدى للبحث عن حل توافقي ؛ و لن يكون هناك على الإطلاق أي حل توافقي بين ولد عبد العزيز و المنتدى لقيام حوار جديد لأن ولد عبد العزيز لا يريد من الحوار غير تغيير الدستور و المنتدى يرفض بإجماع حتى طرح هذا الموضوع للنقاش، لكن ولد عبد العزيز قد يجد من خلال هذا الخيار طريقة أفضل للتملص من الحوار بشكل نهائي و الاكتفاء من الغنيمة بالإياب، بعد طرح هذه المشكلة التي لا يستطيع مواجهتها بأي شيء.


على هذه الأغلبية المزورة ، العابثة بكل شيء، المستعدة للذهاب خلف كل معتوه يصل إلى الحكم بجريمة، أن تفهم أن ولد عبد العزيز انتهى و أن أي محاولة منه للالتفاف على هذه الحقيقة لن تساهم إلا في تعجيل نهايته : لن يغير ولد عبد العزيز الدستور إلا على نهر من دمائنا .. لن يحصل على فترة ثالثة بأي معجزة.. لن ينصب خلفا له بأي مسرحية أخرى.. و لن يفكه من السجن غير القبر . فاغمضوا أعينكم إن شئتم عن ما يحدث كل يوم في القارة و العالم من أمور تؤكد استحالة ما يفكر فيه ولد عبد العزيز و سخافة تصديق المهرولين خلفه لإمكانية استمراره. لقد تغير العالم: تغيرت النظم و القوانين.. تغيرت الخرائط و موازين القوة.. تغيرت المصالح و طرق الهيمنة.. تغيرت الولاءات و التبعيات.. تغيرت خرائط توزيع مزارع العالم الثالث و مراكز النفوذ. كل شيء تغير إلا أنتم .


ـ كان ولد محم : يقول إن الحديث عن محاولة ولد عبد العزيز تغيير الدستور غير واردة و أن نفيها لا يمكن أن يكون مطلبا لأنه التزام سبق و أن أخذه على نفسه و لا عودة فيه و حين يحاولها ولد عبد العزيز غدا لن يخجل ولد محم لأن هذا هو عمله الذي يتقاضى راتبا عليه و هذا هو دوره الذي ارتضاه لنفسه .. كان يقول إن المجتمع المدني لا ينبغي أن يشارك في حوار سياسي.. كان يقول إن الشخصيات المستقلة لا ينبغي أن تقود أحزابا سياسية و كل هذا حصل في أيام حوارهم العبثي من دون أن يتذكر أي منهم ما كان يقوله بالأمس..

على المعارضة اليوم أن تترك عنها المهرجانات الشعبية و بيانات الرد على جرائم النظام المكشوفة للجميع في الداخل و الخارج و تستعد من خلال تعبئة جمهورها لمعركة الحسم ، إذا ما هم ولد عبد العزيز بالمساس بالدستور لأي سبب و تحت أي ذريعة.

لقد تجاوزت المعارضة مرحلة الحديث عن ما يريده عزيز .. و الطرق الماكرة التي يستعملها ..


و قد أكد ما جاء في هذا التقرير كل ما كانت المعارضة تقوله : لم يبق إلا العمل على مواجهته ؛ إننا نتجه إلى صدام لا مفر منه .. إلى صدام لا بد أن ينهي أحد الطرفين و لا أعتقد أن هناك من يفكر في أن ولد عبد العزيز سينتصر على شعب كامل تأذى بما فيه الكفاية من جشعه و احتقاره و سخافة أكاذيبه.


و كل ما رأى ولد عبد العزيز بصيص أمل في اتجاه جديد سيسلكه مهرولا بحثا عن طريق نجاة ليعود مهرولا بعد حين لأن كل ما قام به من أخطاء في الماضي هو ما يحاصره اليوم و يسد كل طريق نجاة عليه. فدعوه يكمل رياضته الجنونية فهذا أقل حقه كرئيس شرعي لا يؤمن بأي دستور…







مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى