عباس أبو مازن في زيارة لموريتانيا (سيرة ذاتية)

الزمان ـ بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن الأربعاء، زيارة تاريخية، لموريتانيا من أجل تعزيز علاقات التعاون القائمة بين موريتانيا وفلسطين.

وتستمر الزيارة لمدة ثلاثة ايام من ١٤-١٦/ ٩ / ٢٠١٦م و يرافقه عدد من المسؤولين الفلسطينيين.

وفيما يلي نقدم سيرة ذاتية للرئيس عباس: ولد الرئيس الفلسطيني محمود رضا عباس في مدينة صفد في عام 1935. وبعد النكبة عام 1948 أضطر إلى اللجوء إلى سوريا مع عائلته. – تلقى علومه الابتدائية في مدينة صفد. بعد اللجوء إلى سوريا إثر النكبة قطع دراسته لمدة عامين للعمل وعمره 13 عاما ليعيل أسرته، وتابع دراسته من المنزل. حصل على علومه الإعدادية، ثم عمل مدرساً، ثم إلتحق بالمرحلة الثانوية وحصل سيادته على إجازة في القانون من جامعة دمشق عام 1958 وفي عام 1982 حصل على شهادة الدكتوراة في موسكو وكان موضوع رسالته “العلاقات السرية بين المانيا النازية والحركة الصهيونية” بدأ الرئيس عباس العمل السياسي الوطني في منتصف الخمسينيات، حيث أسس مع مجموعة من زملائه تنظيماً سرياً في دمشق، واتحد مع مجموعات وطنية تكونت في دول أخرى، تشكلت على أثرها حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح التي أعلنت انطلاقتها في العام 1965 بقيادة الشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات. عام 1957 عمل سيادة الرئيس مديراً لشؤون الموظفين في وزارة التربية والتعليم في قطر، وعمل خلال هذه الفترة على استقطاب معلمين وموظفين فلسطينيين من غزة والضفة الغربية للعمل في قطر، من خلال زيارات متكررة إبان تلك الفترة في العام 1970 تفرغ السيد الرئيس كلياً للعمل الوطني، أسس مشروع التوأمة بين المدن الفلسطينية والمدن العربية في عام 1978. مثّل منظمة التحرير الفلسطينية في توقيع اتفاقية إعلان المبادئ واتفاقيات أوسلو في واشنطن في 13/9/1993. مثّل منظمة التحرير الفلسطينية في التوقيع على الاتفاقية الانتقالية في واشنطن في 23/9/1995. طرح فكرة الحوار مع الإسرائيليين، حيث بدأت الاتصالات مع الإسرائيليين في عام 1974 بالإقرار الرسمي من المجلس الوطني الفلسطيني. المناصب الرسمية – عضو اللجنة المركزية لحركة فتح منذ عام 1964.- أصبح رئيس حركة فتح عام 2004.- أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1996 حتى عام 2004.- رئيس دائرة العلاقات القومية والدولية في م. ت. ف، منذ عام 1984 حتى عام 2000.- ترأس اللجنة الإدارية الفلسطينية- الأردنية المشتركة منذ عام 1979 حتى عام 1981.- ترأس دائرة شؤون المفاوضات منذ عام 1974 حتى عام 2003.- ترأس اللجنة المركزية للانتخابات بين عامي 1996 وعام 2002.- أول رئيس وزراء للسلطة الوطنية الفلسطينية في نيسان 2003.- انتخب رئيساً لـ م. ت. ف عام 2004.- انتخب رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية في 19/1/2005.- انتخب رئيساً لدولة فلسطين من المجلس المركزي لـ م. ت. ف في 14/10/2008. المؤلفات ألف السيد الرئيس ما يزيد على 60 كتاباً، منها:- تذكرة سفر بدون رجعة.- من ذاكرة أبو مازن.- استثمـار الفـوز.- اللاجئون الفلسطينيون اليهود.- هـذه الاتصالات لماذا؟؟.- إسرائيل وجنوب إفريقيا. – المسيرة السياسية في الشرق الأوسط.- بعد 3 سنـوات على أوسلو.- تجربة المائة وثلاثين يـوم.- الاستقطاب الديني والعرقي في إسرائيل.- قنطرة الشر.- سقوط حكومة نتنياهو.- الوجـه الآخر.- مباحثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية.- الصهيونية بداية ونهاية.- طريق أوسلو.- من أوسلو إلى فلسطين.- الاتفاق في عيون المعارضة.- الحركة الصهيونية في أدبيات لينين.- مطلوب كيرن هايسود عربي. 

معلومات تفصيلية: وفي صفد، المدينة المرتفعة والتي تقبع على عدد من الجبال الفلسطينية شمال فلسطين ولدتُ، وبالتحديد في العام 1935، لأب يعمل في التجارة، ويتعامل مع القبائل البدوية المحيطة بالمدينة والتي كانت تمتد خيامها حتى الحدود السورية، وقد اكتسبت منهم الفطرة والعفوية. صفد التي بدت في مخيلتي وكأنها منارة تطل على الجهات الأربع حتى تكاد تعد عليها حركاتها وسكناتها، فهي من جهة الشمال تطل على جبل الشيخ، ومن جهة الشرق تطل على بحيرة طبرية، حتى يكاد الناظر إليها يظن أنه أمام بركة سباحة يود لو يلقي بنفسه فيها. ومن جهة الغرب تراقب جبل الجرمق الشامخ بكل قراه ومزارعه ومنعرجاته. فصول السنة فيها محددة ومعروفة باليوم. فالشتاء بارد ومثلج، والربيع مزهر ومبهج، والأرض والجبال تبدو مكسوة وكأنها سجادة عجمية شغلت باليد ومن الحرير الطبيعي، والصيف فيها حار، لكنه لا يخلو من النسمات المنعشة التي تضفي عليه رونقا خاصا، لتجعل المنطقة قبلة للمصطافين والسياح. خريفها يميل إلى البرودة، وتظهر فيه بعض الأشجار العارية وكأنها تستعد للشتاء، وتعد نفسها لثوب جديد. فيها عشت طفولتي مع والديّ وأشقائي الستة الآخرين، وكنت أوسطهم، ولكن القدر اختطف اثنين منهم، قبل اللجوء. درست فيها حتى بداية السنة الدراسية السابعة، وكنت مهتما بالدراسة وأعطيها حقها، وكنت أيضا أعطي طفولتي مع أقراني حقها، نمتع أنفسنا باللعب والتعرف على الطبيعة والاستمتاع بمناظرها. لم يكن يخطر في بالنا على الإطلاق بأننا سنهجّر من بلدنا إلى أن سقطت قرية “عين الزيتون” القريبة من مدينتنا بيد عصابات “الهاجاناه”، فأقفلت البوابة الغربية للمدينة ولم يعد هناك من منفذ آخر، فبدأ أهل مدينتنا يفكرون في إبعاد الأطفال والنساء خوفاً من أن يتعرضوا لمذابح قد ترتكب ضدهم، لذلك قرر والدي أن يبعد الأطفال في العائلة وكنت أكبرهم. وقد بقي أخواي الكبيران يحملان السلاح، ورفضت والدتي أن تفارقهما وأصرت على البقاء معهما. ونحن نغادر المدينة وقد أصبحنا على مشارفها الشرقية، لا أدري لماذا التفتُ إلى الوراء لألقي نظرة عليها، ربما كان هناك إحساس خفي يدفعني لإلقاء هذه النظرة..التي قد تكون الأخيرة..وقد كانت. كان الطريق في الجهة الشرقية محفوفاً بالمخاطر لوجود المستوطنات حوله، ولكن بمساعدة البدو وصلنا إلى الحدود الفلسطينية- السورية بأمان.  وصلنا إلى قرية البطيحة السورية، ومنها اتجهنا إلى دمشق التي لم نكن نعرف فيها أحداً، فتحولنا إلى الأردن وبالتحديد إلى مدينة إربد، حيث كان لوالدي قريب هناك فاستضافنا شهراً، إلى أن التأم شمل العائلة، وعدنا إلى سورية لنسكن في قرية قريبة من دمشق، هي قرية التل، التي تبرع لنا أهلها بالمساكن والمدارس والمساجد. ومن ثم انتقلنا بعد بضعة أشهر إلى دمشق، لأن ما لدينا من مال قد نفد، وكان علينا جميعا أن ننزل إلى ساحة العمل لنكسب قوت يومنا، كي لا نمد أيدينا إلى الناس. وبدأنا رحلة طويلة من المعاناة والعذاب، لا يختلف وضعنا عن الأغلبية الساحقة لأبناء شعبنا الذين أجبروا على ترك الوطن. لا يعرف قيمة الوطن إلا من فقده، لأن الوطن ليس أرضاً وبيتاً وحديقة وعملاً، الوطن حياة وانتماء وهوية وأمان. وكنا نشعر بأننا ضيوف ثقيلوا الظل وعبء على المضيفين، وما دمنا لا نملك حق المواطنة فإننا لا نملك شيئا. في حي الأكراد الممتد من شمال دمشق والذي يعاني معظم أهله من الفقر، استأجرنا داراً فيها غرفتان، واحدة نسكن فيها مع والدينا، والأخرى يسكن فيها أخي الأكبر المتزوج مع أولاده، وبدأنا البحث عن العمل..كلنا دون استثناء، لأننا إن لم نعمل فلن نأكل ولن نسكن، أما اللباس فيمكن أن يُتداول بيننا. عرض علينا جار لنا يعمل متعهداً لتركيب البلاط أن أعمل أنا وأخي الأصغر معه في مهنته، فرحبنا بفرحة شديدة، وبدأنا معه منذ طلوع الشمس يومياً إلى مغيبها عمالاً نحمل البلاط ونخلط الاسمنت والرمل، ونقوم بكل ما يلزم لقاء ليرة سورية أجرة في اليوم لي وثلاثة أرباع الليرة لأخي.  بقينا على هذا الحال بضعة أشهر فاقت الستة، وقد كنا في فترة الظهيرة نجلس على السطح لنتناول طعام الغداء الذي لم يكن أكثر من رغيفين وصحن من الدبس، طعاماً لم يتغير طيلة الأشهر الستة التي عملت فيها، وقد كنت أثناء ذلك أشاهد الطلاب في مثل عمري يذهبون إلى المدارس، وألمح من بينهم بعض من كنت معهم في مدرسة صفد الثانوية، فينفطر قلبي حزناً وأسى على نفسي، وأتساءل، لماذا لا يتاح لي أيضا أن أذهب إلى المدرسة وأتعلم كبقية أبناء سني؟، ولكنني كنت أكتم هذه الرغبة المكلومة في نفسي، لأنني كنت أعلم أن لقمة الخبز أولى بكثير من مقعد الدراسة.  كانت طبيعة العمل الشاق الذي نقوم به أكبر بكثير من أن يتحملها سننا الصغير وأجسادنا الضعيفة، فأصبت بمرض شديد، وطلب مني الطبيب أن أغير العمل، فانتقلت للعمل فراشاً في مكتب للتعهدات، ثم مراسلاً في مكتب تسهيل مصالح عقارية، وهكذا من مكان إلى مكان، حيث استقر بي المقام نادلاً في مطعم، أعمل فيه من الصباح حتى منتصف الليل. ومضت الأيام ونسيت رغبتي في المدرسة والعودة إلى مقاعدها، سنة ونصف على هذا الحال إلى أن قررت في أحد الأيام أن أتحدى الظروف والعقبات، وتقدمت بطلب إلى إحدى المدارس لأتابع دراستي فيها. وفي خريف عام 1951 عينت معلما في مدرسة القطيفة الابتدائية والتي تبعد عن دمشق أربعين كيلو مترا إلى الشمال، بعد أن حصلت على الشهادة الإعدادية، التي كان يشار إلى من يحملها بالبنان. ومن هذه الوظيفة حصلت على راتب يعادل أربعة أضعاف ما كنت أحصل عليه من الأعمال السابقة، وهو مئة وست وعشرون ليرة ونصف، وهو مبلغ كان كاف في ذلك الوقت ليعيش منه الإنسان ويقدم لعائلته منه مبلغا محترما يساعدها على سد جانب من مصاريفها الكثيرة.  في العام 1953 حصلت على الشهادة الثانوية “الفرع العلمي”، وكانت دراستي منزلية، لأنني ومنذ حصلت على الإعدادية قررت الاستمرار في التمسك بالوظيفة مع محاولة تحسين مستواي العلمي. فقد كانت المدارس بالنسبة لشعبنا هي السبيل الوحيد الذي يزودنا بالسلاح لمواجهة الحياة. لأننا لا نملك أرضا ولا صناعة ولا تجارة، وبالتالي فليس أمامنا إلا أن ننهل من مناهل العلم لنواجه أعباء الحياة.  كنت أحلم في دراسة الهندسة، ولكن هذه الدراسة بحاجة إلى تفرغ ومصاريف، وهذا يعني أنني سأخسر راتبي وأحمّل أهلي عبئاً لا قبل لهم به، لذلك صرفت النظر عن هذه الأمنية التي بقيت حسرة في نفسي، مع ذلك وبحمد الله حققتها بأخي وبأبنائي وأبناء إخوتي، حتى أصبح في عائلتنا الصغيرة أكثر من خمسة عشر مهندسا. بعد الثانوية، بقيت في وظيفتي ذاتها، ولكنني بدأت التفكير بالعمل الوطني، بالعودة إلى البلاد. راجعت في ذهني كل ما يدور حولي، أدرسه وأمحصه، وأبحث عن الوسيلة الممكنة والمجدية لأقدم للوطن ما يمكن. لم تمنعني قلة التجربة والخبرة أن أرى في الأحزاب المنتشرة في ذلك الوقت بأنها لا تفيدنا، وأن العمل يجب أن يكون فلسطينياً محضاً، بعيداً عن الأيديولوجيات والعقائد السائدة. ونظراً لأنه كان ممنوعاً على الفلسطيني أن يمارس أي نشاط ذي طابع سياسي، فقد اتجهت مع بعض الأصدقاء إلى العمل السري، وأسسنا أول مجموعة فلسطينية سرية عام 1954، وبدأنا نعمل في الخفاء، منطلقين من مبدأ بسيط وهو أن العرب يتحدثون عن تحرير فلسطين، ولا يمكن أن يتم هذا العمل دون مشاركة الفلسطينيين أنفسهم، لأنه من غير المعقول أن يقدموا لنا فلسطين على طبق من فضة دون مشاركتنا في تحريرها. وحتى نتمكن من المشاركة كان لا بد أن نكون مدربين، لذلك رفعنا شعار: التجنيد الإجباري للفلسطينيين، والسماح لهم بدخول الكليات العسكرية. في نهاية عام 1954 دخلت كلية الحقوق منتسباً، وبقيت في وظيفة التعليم الابتدائي، وداومت على الاجتماعات السرية لتنظيمنا الذي أسسناه، وفي الوقت نفسه شعرت أن في داخلي حس فني يدعوني لأن أدرس الموسيقى، وبدأت فعلاً في تلقي بعض الدروس الخصوصية، إلا أن والدي رحمه الله لاحظ وجود عود في البيت، ثارت ثائرته وعنفني بشدة فصرفت النظر عن الموضوع. كما كتمت في نفسي رغبة ملحة كانت تشدني نحو التعمق في الأدب والشعر، وتركزت حياتي كلها على الوظيفة والتنظيم السري والدراسة الجامعية، حيث تمكنت من إنهائها في مواعيدها. في العام 1956 وافقت الحكومة السورية على قبول الفلسطينيين في الكليات العسكرية، وكان هذا القبول تلبية لجهود تنظيمنا الذي التقى العديد من المسئولين السوريين في الدولة من وزراء ونواب وعسكريين، واجتمع تنظيمنا ليدرس هذا الموضوع، وكنا حوالي عشرين شخصاً، واتفقنا على أن نكون أول من يلبي هذا الواجب وأن نلتحق بالكليات العسكرية. إلا أن الأغلبية العظمى رفضت، ولم يقبل إلا ثلاثة فقط كنت واحداً منهم، حيث تخليت عن الوظيفة وتركت دراستي الجامعية التي أصبحت فيها في السنة الثالثة.  التحقت بالكلية العسكرية في مدينة حمص، ومكثت هناك شهراً إلى أن استدعيت إلى مكتب مدير الكلية مع عدد آخر من الطلاب، وقالوا لنا: “أنتم لا تصلحون وعليكم العودة إلى بيوتكم”، فعدت مرة أخرى إلى الوظيفة وإلى الجامعة أتابع حياتي العادية. في 13/9/1957 حصلت على عقد عمل للتعليم في قطر، وسافرت إلى هناك حيث التقيت كلاً من الشهيد كمال عدوان والشهيد محمد النجار والأخ سليمان الشرفا، وبدأنا تنظيماً جديداً استمراراً لما بدأناه في دمشق. وتبين لي أن الأخوة وقد جاءوا من قطاع غزة كانت لديهم الأفكار والتوجهات والطموحات والأحلام نفسها. فالتقينا ولم نحتج لأي حوار، إنما وجدنا أنفسنا نعمل سوياً في إطار واحد. في العام 1958 حصلت على إجازة في الحقوق، وفي العام ذاته تزوجت. وكان عملي قد تطور في قطر حيث انتقلت للعمل في شركة النفط مسئولاً عن شئون العمال وتابعاً للحكومة أو للحاكم مباشرة. وكان هذا العمل أول تجربة عملية لي في ممارسة العمل القانوني للدفاع عن مصالح العمال. وقد حالفني الحظ إلى درجة لم تخطر على بالي، الأمر الذي منحني ثقة العمال وثقة الحاكم وأتباعه، وأصبح لي حظوة في البلد ولدى شرائحه الاجتماعية. بعد عام من العمل في هذا المجال انتقلت إلى وزارة التربية مديرا لشئون الموظفين، وقد وضعت فيها نظاماً للتكافل الاجتماعي بين الموظفين، ويُعمل بهذا النظام إلى يومنا هذا، ولا يوجد مثيل له في أي من المؤسسات الأخرى. استمر العمل في التنظيم المستقل الذي أنشأناه في الدوحة مع عدد محدود من الناس، لكننا كنا حريصين على الاتصال بالتنظيمات الأخرى المنتشرة في العالم العربي وبخاصة في الكويت، وقد تبين لنا أن عدداً من المجموعة التي كانت معنا في دمشق قد انضم إلى تنظيم “فتح” في الكويت. وهكذا لم نجد صعوبة في العمل سوية في إطار تنظيم واحد. واندفعنا في العمل الجاد للتحضير لانطلاقة الثورة.  في الفترة ما بين عامي 1960 و1966 رزقت بثلاثة أولاد، ونظراً لانشغالي الدائم بين الوظيفة والعمل الوطني تولت والدتهم أمر رعايتهم وتربيتهم وتنشئتهم نشأة صالحة والحمد لله. في صيف عام 1964 وعندما تم تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، جلسنا كقيادة لحركة “فتح” نبحث إمكانية انطلاقة الثورة. واستغرق البحث شهراً ونصف الشهر، أي منذ بداية شهر يوليو- “تموز” وحتى منتصف شهر أغسطس – آب. وكان الانقسام واضحاً بين طرفين متساويين. طرف يقول بضرورة الاستعداد الكامل والتحضير التام قبل البدء في الانطلاقة، وطرف يرى أن نبدأ بما لدينا ونراكم الإنجازات في المستقبل. وقد كنت من الطرف الثاني الذي تغلب بصوت واحد بعد الاقتراع. وهكذا تم الإقرار بأن تبدأ ثورتنا في 1/9/1964 . وقد كلف أبو عمار بالإعداد والانطلاق بعد أن تعهد بتوفير كل ما يلزم لذلك، إلا أن الانطلاقة لم تحصل في وقتها. وقررنا أن نعيد الكرة مرة أخرى في 1/1/1965، وهكذا انطلقت الثورة في ذلك التاريخ. في العام 1969 استقلت من عملي في قطر والتحقت بالإخوة في عمان حيث سكنت وعائلتي هناك، وتوليت مهمة التعبئة والتنظيم. ثم انتقلت بعد أيلول الأسود إلى دمشق، ومكثت فيها ولم ألتحق بالإخوة في لبنان. لقد اختلطت مسيرتي الذاتية بحياتي العامة إلى درجة التطابق والتكامل، إلى الحد الذي لم أشعر في حياتي أبداً أن لي حياة خاصة أمارسها وأعيشها. وبالتأكيد فإن الأمر لا ينطبق عليّ وحدي، فكثير من إخواني، خاصة من أترابي، عاشوا الظرف نفسه، حيث ولدنا مع ثورة القسام، وترعرعنا مع الحرب العالمية الثانية، ووعينا على مأساة ومرارة اللجوء من الوطن، وعشنا حالة الضياع والكفاح في الخمسينات، وكرسنا أعمارنا كلها للثورة منذ مطلع الستينات. لم يكن بإمكاننا أن نعيش حياة أسرية أو عائلية كباقي البشر، فقد قررنا أن نحصي على أنفسنا كل حركاتنا وسكناتنا، وعشنا حياة أشبه ما تكون بالسجن، إن لم تكن سجناً حقيقياً، وعزلنا فيه عن حياة المجتمع العادية.  في دمشق أتاح لي الجو الهادئ نسبياً إذا ما قورن بجو بيروت، أن أقرأ كثيراً وأن أطّلع على ما يصدر من نشرات ومعلومات عن إسرائيل، لأنني كرست كثيراً من وقتي لمعرفة المجتمع الإسرائيلي. لقد كانت ظاهرة عامة في صفوف الثورة الفلسطينية قيادة وقاعدة، وهي عدم الالتفات إلى معرفة التركيبة الإسرائيلية التي نحن بصدد محاربتها، وبالتأكيد فإن هذا ينطبق على المجتمعات العربية الأخرى.  ونتيجة لمطالعاتي أصدرت عدة كتب منها “الصهيونية بداية ونهاية”، أتحدث فيه عن الهجرة اليهودية وتقسيمات المجتمع الإسرائيلي العرقية. وكتاب “القضية آفاق جديدة”، ركزت فيه على الأحزاب الإسرائيلية. ثم كتاب “بين التقليل والتهويل”، ناقشت فيه النظرة العربية لإسرائيل، وكتاب “إسرائيل قنطرة الشر الأمريكية”، ثم كتاب “العلاقات السرية بين الحركة الصهيونية والنازية”، وكتاب “مطلوب كيرن هايسود عربي”، وبعض الكتيبات والدراسات الأخرى، التي تتناول مواضيع مختلفة عن المجتمع الإسرائيلي. في العام 1977 رفعت شعار “عودة اليهود العرب إلى بلادهم العربية”، وقد صادف هذا الشعار قبولاً عربياً من الناحية الرسمية والقانونية والنظرية. وعلى الرغم من أنه قوبل بحملة فلسطينية، إلا أنني حصلت على موافقة كل من المغرب وتونس وليبيا ومصر والعراق واليمن والسودان على ذلك. وفي العام 1978 رفعت شعار”توأمة المدن الفلسطينية مع المدن العربية”، وحقق هذا الشعار نجاحا ساحقا، حيث تمكنا من إجراء توأمة بين أكثر من ست عشرة مدينة فلسطينية مع مدن عربية في المغرب وتونس والسعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية وليبيا. وقد كانت حصيلة هذا الشعار حصول البلديات الفلسطينية في السنة الأولى على ثمانين مليون دولار، صرفت في المشاريع الأساسية مثل المدارس والصحة والطرق والمياه والكهرباء وغيرها. وبعد ذلك نقل هذا المشروع إلى قمة بغداد حيث أصبح رسميا، وقد نجح عدة سنوات ثم انتهى. في العام 1980 وقع اختيار اللجنة المركزية عليّ لأكون عضواً في اللجنة التنفيذية. ولم أكن حاضراً اجتماع المجلس الوطني الذي اختارني في ذلك الوقت، ولو ترك الأمر لي لرفضت، بل أنني عندما استشرت بذلك وكنت حينها في موسكو، أبلغتهم رفضي، إلا أنني عندما عدت إلى دمشق وجدت نفسي عضواً في اللجنة، ولم أشارك بأعمالها لمدة سنتين كاملتين، حتى جاء اجتياح بيروت من قبل إسرائيل في العام نفسه.  في العام “1982” نفسه وقبل الاجتياح، دافعت عن رسالة الدكتوراة في معهد الاستشراق في موسكو، وكان موضوع الرسالة “العلاقات السرية بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية”. عندما وقع الاجتياح الإسرائيلي وأحكم الطوق على مدينة بيروت أيقنت عندئذ أن مرحلة قد سقطت، وأن مرحلة جديدة آتية. وانتقلت إلى تونس، حيث جاءت موافقة الحكومة التونسية لاستقبال القيادة، حبل النجاة للثورة الفلسطينية، التي عاشت فترة خصبة من حياتها. في العام 1988 تبنيت المبادرة الفلسطينية التي وافق فيها المجلس الوطني على القبول بالشرعية الدولية وبخاصة القرارين 242 و338. وقد روجت لهذه المبادرة على المستوى العربي والدولي والفلسطيني، واعتبرت تبني المجلس لها نجاحاً شخصياً لي. بعد مبادرة الرئيس جورج بوش في 6/3/1991 دافعت عن ضرورة مشاركتنا في عملية السلام، وقدت لجنة لعقد اتفاق مع الأردن من أجل التمثيل الفلسطيني في مؤتمر السلام، ثم توليت لجنة المتابعة للمفاوضات في واشنطن. وفي هذه الأثناء تابعت قناة أوسلو التي ابتدأت في ديسمبر عام 1992 حتى 20/8/1993، حيث تم التوقيع على إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي بالأحرف الأولى، وبعد ذلك قمت بالتوقيع على الاتفاق في واشنطن. لقد أوصلنا أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أول الطريق للتخلص من الاحتلال من خلال إعلان المبادئ، لكن الطريق ما زال طويلاً والمستحقات كثيرة، والعقبات كبيرة. إن المستقبل مختلف عن الحاضر وعن الماضي، ولكل مرحلة رجالها وفكرها وأدواتها، وعقل الثورة مختلف عن عقل الدولة، وأمام أهلنا في الضفة والقطاع مسئوليات البناء، البناء من لا شيء إلى كل شيء. إنه التحدي الكبير، إنني وقد أسهمت في هذا الإنجاز الذي وضع شعبنا على أبواب التاريخ، لأضع يدي على قلبي خوفاً من أن يجرفنا التاريخ، ولا نعرف كيف نلتقط لحظاته الهامة، فيفلت الزمام من الأيدي، ونعود إلى الوراء في انتكاسة لا شفاء منها، وفي نكبة لا مثيل لها. لقد زرعنا بذرة نتركها في رعاية الله وحمايته من الرياح العاتية والعواصف المدمرة، رعاية الله وحمايته لا تتأتى إلا من خلال الصادقين، الصالحين والراشدين، وأدعو الله أن يوفق أهلنا إليهم وبهم.  ونحن نقف على عتبات حقبة من التاريخ جديدة، ونحقق لشعبنا بعض ما يصبو إليه، نذكر ونتذكر قوافل الشهداء من المقاتلين والكوادر والقادة الذين صنعوا هذه المسيرة، وقدموا من أجلها أغلى ما لديهم “الروح”. نذكر ونتذكر أول شهداء اللجنة المركزية، عبد الفتاح حمود، أبو علي إياد، أبو صبري، أبو يوسف النجار، كمال عدوان، ماجد أبو شرار، سعد صايل، أبو جهاد الذي كنت أتمنى أن يرى الأطفال الذين رباهم وهيأهم لليوم الموعود، أبو الهول، وأبو إياد الذي كان جرافة سياسية هائلة.. وغيرهم وغيرهم في كل مكان. إن دماءهم ستكون مصابيح وأنوار للحرية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى