الأدب العربي “الجديد” في اسكندنافيا

لم يؤثر الحراك العربي خلال السنوات الأخيرة، في الوضع السياسي والإنساني فحسب، بل أثّر أيضاً في خريطة الأدب العربي في الغرب. رغم ما يشكو منهُ الوسط الأدبي في البلدان العربية من تجاهل العالم لإنتاجهم الأدبي وعدم وصولهِ إلى العالمية مثل بقية اللغات، إلا أننا يجب أن نقرّ أن هناك اهتماماً ملحوظاً، لا يكادُ يُقارن بنسبة الاهتمام به في ما مضى.

بعدما كان هناك رصد وترجمات لأسماء محدودة ومن بلدان بعينها، توسعت دائرة الاهتمام والبحث الآن عن كل نتاج أدبي يتناول التغيرات المفصلية الطارئة في المنطقة. ثمة تركيز واضح على أدب الهجرة والمنفى واللجوء لما تتطلبهُ المرحلة من مواكبة التغيير الديموغرافي للعالم بشكل عام وأوروبا خاصة. ويأتي هذا النوع من الأدب نتاج تجارب آنية يمرّ فيها معظم أصحابها من الكتّاب. ومن جهة أخرى، يأتي هذا الاهتمام بالأدب العربي من منطلق ترسيخ فكرة التنوع وتداخل الثقافات التي تقوم عليها المجتمعات المتحضرة في مواجهة خطاب الكراهية والعنصرية. ولهذا نرى أن الدول الاسكندنافية تقف مع أولى الدول الساعية لمد الجسور بين الثقافات. وضمن هذا الإطار أقامت مؤسسة Culture for All-Services الفنلندية مؤخراً في مدينة أوبسالا السويدية ندوة عن الأدب العربي في دول الشمال. استضافت فيهِ عدداً من الكتّاب والشعراء العرب المقيمين في اسكندنافيا منهم الشاعر والمترجم العراقي- السويدي جاسم محمد الذي يكتب مؤلفاته بالعربية والسويدية، وهو من المترجمين العرب القلائل الذين ينقلون الأدب السويدي إلى العربية، كما يترجم العديد من الأعمال العربية إلى السويدية، من ضمنها أعمال سليم بركات. قدم محمد خلال مشاركتهِ في الندوة عدة اقتراحات حول إمكانية احتواء الكتّاب العرب في دول الشمال. ومن خلال تجربته الطويلة في مجال الكتابة والترجمة في السويد، وضع محمد يدهُ على أكثر الصعوبات التي تواجه هذه الفكرة، كان من ضمنها مسألة التمويل. ومن أجل هذه النقطة المهمة لأي مشروع، قامت المؤسسة الفنلندية بإدارة أحمد النوّاس، صاحب مشروع الأدب العربي في الشمال، باستضافة واشراك مسؤولين من جهات ومؤسسات سويدية متخصصة في المنح ودراسة المشاريع. كانت مشاركاتهم مثمرة في توضيح آلية عمل هذه المؤسسات وإمكانية التعاون مع جهات أخرى ومع الكتّاب. كما شاركت الروائية العراقية دُنى غالي المقيمة في الدنمارك بآرائها وتجربتها الإبداعية والترجمة منذ وصولها الشمال واصدارها عدة كُتب تنوعت بين الرواية والقصة القصيرة ودواوين شعر. صدر لها مؤخراً رواية عن دار المتوسط بعنوان “بطنها المأوى”، التي تقدم نموذجاً لتجربة الاغتراب والهجرة والعلاقات الإنسانية الممتدة جذورها بالوطن الأم. وهذا هو نوع الأدب الذي تحدثت عنهُ الناشرة السويدية منى هنينغ، صاحبة دار نشر “المنى” المعروفة بإصداراتها المتخصصة في نقل الأدب السويدي والاسكندنافي إلى العربية، خاصة أدب الأطفال والناشئة، أثناء مشاركتها في الندوة: على أن هناك نوعاً جديداً من الأدب العربي يوظف لمرحلة وتجربة مهمة يمر بها الكاتب أثناء رحلتهِ واقامتهِ في بلدان الشمال. وعليه اقترحت هنينغ أن يكون هناك ما يشبه الاتحاد أو مؤسسة تحتوي الكتّاب العرب وتعمل على تأسيس فكرة “الأدب العربي النوردي” أسوة بتجربة أدب المهجر في الأميركيتين، بحسب تعبيرها.

من الملاحظ أن خريطة الأدب العربي في الشمال مرّت في مراحل مختلفة عديدة بحسب طبقة وثقافة الوافدين. بدأ بحسب المتابعين للوسط مع قدوم الفلسطينيين ومن ثم العراقيين في الثمانينات. حيث نشط كثير من الكتّاب والفنانين العراقيين في انشاء دور نشر صغيرة لنشر الأعمال العربية في اسكندنافيا وإصدار مجلات أدبية. لكن لأسباب مختلفة توقفت معظمها عن العمل والصدور. ومن هذه التجارب الجادة كانت تجربة دار نشر المنفى ومجلة ملامح الأدبية المتخصصة. بدأ هذا الحماس يخفتُ شيئاً فشيئاً مع التغيرات السياسية في المنطقة ومع احتلال العراق وتغيّر أسباب لجوء العراقيين إلى الشمال. إذ لم تلحظ تلك الفترة نشاطاً أدبياً يُحسب للأدب العربي. ومع بداية الحراك العربي العام 2011 وتفاقم أزمة اللاجئين مؤخراً، يلاحظ أن هناك تبنياً واعداً لخطاب أدب “المنفى”، خاصة مع أعمال الأدباء السوريين الذين يشكلون حالياً نسبة كبيرة بين الأدباء العرب المهاجرين.

ومن أجل اثراء تجربة دراسة واقع الأدب العربي في دول الشمال وتعريف الجمهور له، نظم مقهى بغداد السويدي بالتعاون مع المؤسسة الفنلندية أمسية شعرية للشعراء والكتّاب العرب المقيمين في دول الشمال. وهذا ما اعتاد أن يقوم به المقهى منذ تأسيسهِ قبل سنوات. فيما ترجم نصوص الشعراء إلى السويدية وقراءتها الشاعر جاسم محمد. كان ضمن الشعراء المشاركين في القراءة الشاعر السوري وفائي ليلا، المقيم حالياً في السويد. قرأ نصوصاً من مجموعته الجديدة التي كتبها عن تجربة رحلة اللجوء إلى الشمال. رغم أن التجارب الشعرية السورية مؤخراً صارت معظمها تتلاقى في خطوط عامة حول فكرة اللجوء والاغتراب، إلا أنها تتباين في جرأة التناول وتدارك الصورة النمطية عن المنفى، كما تداركتها نصوص ليلا الموغلة في الذاتية والموسومة بمرارة التجربة، مع الحفاظ على حس الدعابة التي يمتاز بها السوريون عموماً.أما الكاتبة العراقية دُنى غالي فقد قرأت نصوصاً من مجموعتها “تلك المراوح التي تلّوح في الأفق”، وهي امتداد لتجربتها الشعرية بعد مجموعتين صدرتا من قبل. في نص غالي سيشعر المتلقي إنهُ يستمع إلى “حدوتة” ملونة بالكلمات والصور تمرّ أمامهُ بخفة ليزيح عنهُ تعب التفكّر. فيما قدمت الكاتبة العراقية الواعدة آية جلبي المقيمة في فنلندا قصة قصيرة حملت في طياتها الكثير مما ينبئ عن موهبة شابة تجيد اللعب على الصور السمعية عبر الكلمات.

 

بظني أن الأدب العربي ليس بحاجة إلى حدود وجنسيات تعرّفهُ، لكن أحياناً التجربة تفرض نفسها في إطار معين تجعله عرضة لتسميات يراها البعض مناسبة، مثل أدب المهجر أو المنفى. مع ذلك ومع كل التغيرات التي تطرأ على مسار الأدب العربي، يبدو أن الأولوية للمهتمين بهِ هو تطوير اللغة وتقنية الكتابة، وهذا ما تشير إليهِ نوعية الأعمال التي وصلت للعالمية مؤخراً، نوعاً ما.                                                                                                                                                                                                                    

—–

 (باشطابيا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى