«دفتر»فاطمة عبد الله يرصد أمنيات الأطفال في موريتانيا

هناك مقولة مفادها «أسعِد نفسَك تُسعد من حولك»، بيد أن الموريتانية فاطمة عبد الله، تخالف هذه المقولة، وتعمل في حياتها على قاعدة 

«أسعَد الآخرين تَسعَد»، انطلاقاً من قناعة راسخة لديها بأن السعادة الحقيقية تسكن في البذل والعطاء ومساعدة الآخرين، وإحياء الأمل والتفاؤل في نفوسهم، وتحقيق أمانيهم.

دفتر تدوين خواطر وذكريات، تلقته فاطمة من والدتها في يوم ميلادها، أحدث فرقاً كبيراً في حياتها وحياة الآخرين، حولت صفحاته إلى حقول زرعتها بالأمل والسعادة والإيجابية، بعد أن رصدت فيه أمنيات وأحلام الأشخاص الذين تلتقيهم، من أجل تحقيقها بمساعدة أشخاص آخرين شكلوا في ما بعد جمعية «أسعِد تسعد».

فكرة

هذه الجمعية الموريتانية المختصة في التكفل بمرضى السرطان نفسياً ومادياً واجتماعياً، تأسست منتصف العام 2015 في العاصمة نواكشوط، وولدت فكرتها يوم حصلت فاطمة رئيستها على ذاك الدفتر، فأخذته وبدأت تتصفحه وتقلبه وتفكر في أي شيء ستستخدمه.

في اليوم التالي قررت أن تزور «المركز الوطني للأنكولوجيا»، فزارته وهي خائفة حائرة، لا تعرف من أين تبدأ، وفي النهاية دخلت غرفة الحجز، وهناك شاهدت طفلاً في بداية عقده الثاني من العمر وأمه بجانبه، ألقت التحية على أمه ثم جلست بجانبها بعد أن لاحظت أنه نائم، سألت أمه عن أمنياته وأحلامه وعن الأشياء التي كثيراً ما يطلبها ويبحث عنها، فأخبرتها بأنه كثيراً ما يطلب منها أن تشتري له لعب «play station» لكنها لا تملك ثمنها.

وفي تلك الأثناء فتحت فاطمة الدفتر، وسجلت الأمنية، ثم أغلقته، وأخبرت أم الطفل بأنها سوف تشتري له اللعبة لكن عليها ألا تخبره بأي شيء، وبالفعل استطاعت فاطمة من خلال التواصل مع صديقاتها ومعارفها أن توفر ثمن اللعبة فاشترتها وتوجهت للأم بعد أيام عدة، لكنها وجدت الطفل نائماً فتركتها عند والدته كي تسلمها له عندما يستيقظ.

وفي المساء اتصلت والدة الطفل على فاطمة والسعادة تغمرها، وراحت تشكرها وتدعو لها وأخبرتها بأن ابنها أعجب كثيراً باللعبة وأنه الآن يلعبها مع إخوته بها. شعرت فاطمة بالكثير من السعادة وأحست بأنها أنجزت شيئاً وبأن الدفتر أصبح ذا قيمة.

انتشار

بدأت فاطمة تنشر فكرتها بين صديقاتها ومعارفها، ومن أجل انتشار أكبر للفكرة قامت رفقة صديقاتها بإنشاء صفحة على «الفيسبوك» باسم الجمعية، يقمن من خلالها بالإعلان عن أماني الأطفال من أجل أن تجد من يحققها من أهل الخير.

وخلال شهرين أصبحت المبادرة متداولة في وسائل الإعلام المحلية والدولية، لتصبح في أقل من نصف السنة جمعية خيرية من أنشط الجمعيات في موريتانيا، وصار مجال عملها الصحة وتحديداً الأنشطة الخاصة بمرضى السرطان، تضم في عضويتها نحو 70 شخصاً وأكثر من 100 متطوع متعاون.

تطوع

تفتح الجمعية باب التطوع للجميع من أجل مساهمة كل أفراد المجتمع في مواجهة السرطان، وفي هذا الإطار تنظم منتصف كل شهر دورة للأشخاص الراغبين في التطوع معها، واستطاعت في غضون سنتين تحقيق سمعة طيبة لدى المرضى وأهاليهم ولدى العاملين في المركز الوطني للأنكولوجيا، كما تمكنت من تحقيق الكثير من الإنجازات لصالح المرضى وذويهم مثل والتكفل بعلاج أكثر من 30 حالة، وتوفير النقل للمرضى الأكثر احتياجاً والذين يأتون للمستشفى من مسافات بعيدة جداً، وتوفير الأدوية غير الموجودة في موريتانيا، والتي غالباً ما تكون باهظة الثمن، وتأثيث جناح حجز الأطفال، وتجهيز غرفة خاصة بالأطفال تقدم داخلها يومياً أنشطة ترفيهية وتثقيفية وتعليمية للأطفال أصحاب المواعيد.

كما تمكنت من تنظيم حملتي توعوية عن أهمية الكشف المبكر عن سرطاني الثدي وعنق الرحم، بعنوان «كوني بخير» شملت مختلف مناطق العاصمة، وولايات داخل البلاد عدة، وتم خلالها استقطاب عشرات المتطوعين وتوزيع آلاف المطويات التي تبين بالصور والمعلومات طرق الوقاية وأهمية وطريق إجراء الكشف المبكر، زيادة على توفير مئة فحص مجاني للكشف المبكر عن سرطان الثدي للسيدات، توفير نحو مئتي كيس من الدم لصالح المركز الوطني لنقل الدم، تحقيق نحو 100 أمنية للأطفال مرضى السرطان، والتكفل بعلاج أكثر من 160 حالة، وتنظيم أنشطة ترفيهية للأطفال في الأعياد الدينية والوطنية والدولية، توفير فريق يداوم يومياً في المستشفى من الثامنة صباحاً وحتى الثانية زوالاً يقوم بتلبية كل حاجات المرضى التابعين للجمعية.

كل هذه النجاحات والإنجازات حققتها الجمعية في وقت وجيز وبإمكانات مادية وبشرية متواضعة جداً، وستواصل السعي من أجل إطلاق مشروعات عدة هي، إنشاء مكتبة واستراحة للعاملين في المركز الوطني للأنكولوجيا، تزيين غرف حجز الأطفال بالملصقات والرسومات التي تناسب أعمارهم، مشاريع منتجة للدخل لذوي المرضى، وإطلاق النسخة الثالثة من حملة «كوني بخير» للتوعية بأهمية الكشف المبكر عن سرطاني الثدي وعنق الرحم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى