“قاتلهم الله أنى يؤفكون” / سيدي علي بلعمش

تجتاح موريتانيا اليوم موجة من الكتاب الأميين أبجديا و حضاريا و اجتماعيا و أخلاقيا ؛ جراءتهم مضحة و ركاكة أسلوبهم مدعاة إلى الشفقة و انحطاط أفكارهم و تهتك منطقهم يحولان التعامل معهم إما إلى انحطاط مماثل و إما إلى خدمة غير معوضة ، لن تفهم الناس قيمتها المادية و المعنوية إلا بعد نصف قرن من الإصلاحات الجادة و الموفقة في مجالات التعليم و الثقافة و السياسة و الإعلام …

ـ يدافع الإنسان عادة عن معتقد، عن مبادئ ، عن أخلاق ، عن مصالح ، عن توجه فكري ؛ يضعف منطقه حين لا يتذكر أن للآخرين معتقدات مخالفة و مبادئ مخالفة و مفاهيم أخرى للأخلاق و توجهات مغايرة هي من أقل حقهم في الحياة .. و يتحول هذا المنطق إلى كارثي كما يحدث في موريتانيا اليوم حين لا يفرق صاحبه (إمعانا في الاستهتار بالقيم كما يحدث على الصعيد السياسي) بين هذه الأمور المحددة لما تحتاجه لبناء نص قابل للعرض و التأثير .. الكتابة (في غير موريتانيا) هي أصعب الفنون التعبيرية على الإطلاق و أكثرها تألقا و تبجحا. و من المؤسف أن التألق و التبجح ليسا من صفات و لا من طموحات المنافق و هذا ما يقتله حين يجعل الكتابة (المعادية لواقعه المخجل) سلاحه المفضل ، لأن “سحر البيان” في صدق العواطف و نبل المرامي و حرية العقل و شموخ النفس و استقلالية الفكر … أكبر حماقة يرتكبها المنافق على الإطلاق، هي أن يتطفل على الكتابة أو يتطلع إلى المجد لأنها سقوف عالية لا تطالها الأقزام. لا توجد أي مساحة مشتركة بين الكاتب و المنافق : الكاتب يناطح الأقوياء المتسلطين و المنافق يلحس أقدامهم .. الكاتب يزدهر و يتألق حين تمحى الفوارق و يتسيد الحق و يقوم العدل و يرقى المجتمع إلى مستوى النص المتحرر من الخوف و الطمع ، و المنافق (و اسألوا الحاج زيدان و محمد ناجي ولد أحمدو و بنه ولد الشنوف و حرية ميديا) يرقص و يتنمق حين يتسيد البهلول المستهتر و تطحن الأخلاق و تهمش العقول و تقلب المفاهيم و يعم الظلام… ـ حين يصبح الطرطور الأمي أحمد سالم ولد هيبة نائبا لممثل المواقع الالكترونية في هيكلة نقابة الصحافة (المستهترة) و يصبح موقع “آتلانتيك ميديا” في مقدمة نخبة المواقع الوطنية و يصبح القارئ على “افتتاحيات” أحمد سالم ولد يسلم ولد هيبه (و من الواضح أنه نسخة مطورة من الطرطور ، تحمل نفس الجينات الوراثية و تعكس نفس الأشعة المسرطنة و الروائح النتنة لمزبلة “آتلانتيك ميديا” التي يعكس وجودها في مقدمة المواقع الالكترونية اليوم ، مدى خطورة ما وصلنا إليه من انحطاط و تهتك و انحلال ثقافي ، ألا نكون حقا مسؤولين أمام الله و أمام شعبنا الطيب ، عن سكوتنا المخزي عن تنامي هذه الموجة الخطيرة من تغلغل الدهماء في أهم حقل معرفي في كينونة البلد ؟

كان علينا بكل بساطة ، حين يتحدث محمد ناجي ولد أحمدو عن “أخلاق المهنة” ، أن لا نكون نحن من يخرجه من مأزق مهنة النفاق الصارخة في حديثه إلى مهنة الصحافة التي يجهلها و تجهله..

ـ ضباط شرطة متقاعدين و عدد من معارضي النظام وراء حملة تشويه للفريق ولد مكت (متقاعدين !!؟)

ـ “الفريق ولد مكت أعاد الشرطة إلى عصرها الذهبي بإنجازات ظاهرة وعمل دؤوب…” (و متى كان للشرطة الموريتانية “عصر ذهبي” لتعود إليه)

ـ “هؤلاء وراء محاولة تشويه سمعة الفريق/ محمد ولد مكت” (و ينسى أن هو أكثر من يشوه سمعته المشوهة)

ـ “الفريق ولد مكت .. سيحْسُدُكَ الوضيعُ ومِنْ قديمٍ /// رفيعُ الناسِ يحْسُدُهُ الوضيعُ” (… و يتكلم عن الوضيع!؟)

ـ “الوجه الآخر للرئيس الزعيم ابَّيْجَلْ ولد هُمَّيْدْ” (للعلم فقط ، بيجل : تحريف غير محترف لكلمة “أبو جهل”، لا إلى ما ذهبت ليه)

ـ “العقيد …خالد ولد السالك حين تكون الجمارك …عنوانا للإصلاح… “يستحق المشاهدة” (لاحظوا هذا التقطيع بالنقاط \ نعم، يستحق المشاهد لمن يريد أن يضحك)

ـ “ابتزاز رجال القمة هي كرة خاسرة” (رجال القمة ؟)

ـ “معنى الاجماع على قيادة عزيز” / (5% التي حصل عليها عزيز في الاستفتاء بشهادة الجميع، تتحول على أيادي المنافقين إلى “إجماع” و هذا يثلج صدر الغبي ين يسمعه!)

ـ “ولد مولاي الزين سفيرا فوق العادة وكامل السلطة لبلادنا في غينيا كوناكري” (ليتكم تعرفون سفيركم “فوق العادة (الشهرية) و كامل السلطة)

هذه العناوين المقززة بمباشرة أسلوبها و ركاكة لغتها و سفالة تعاطيها ، تنتشر اليوم (21/10/2017) على أكثر من 20 موقع أخبار في قائمة “rimnow”. و هذه هي موريتانيا الآن بالفعل ، مع الأسف.

المنافق لا يلام، و لا يتأثر و لا يخجل و لا يتعظ ، إن ما يحيرني هو أن يرضى أي من هؤلاء أن يثنى عليه بمثل هذ التفاهات السقيمة التي تحوله إلى سخرية حقيقية بدل أن ترفع من شأنه الذي يكفيه إفلاسا أن لا يجد غير هؤلاء للثناء عليه.

ـ لا أعتقد أن في موريتانيا اليوم قارئ يمكن أن ينطلي عليه أن الانتقادات التي وجهها السيد داوود ولد أحمد عيشه إلى الوزير الأول حول طرد الإطار ولد الحيمر (و هي فضيحة لا تنتمي بمنطقها إلى هذا العصر في شيء) ، كانت (الانتقادات ) أكثر احتراما و تقديرا للوزير الأول و لمكانته و لما كان ينبغي أن يكون عليه من مسؤولية، من دفاع “الشاهره” محفوظ ولد الجيلاني عنه. و من يسمع كلام هذا المتخبط المسكين يعتقد أنه يعرف الوزير الأول أو يفهم ما يقوم به أو له نصيب من الرأي في ما يحدث في البلد أو حتى يملك من المؤهلات ما يفرق به بين الصالح و الطالح : كل ما أثنى به على “وزيره الأول” ، كان أسوأ ما يمكن أن ينتقد به .. كانت العبارات مقززة و مباشرة و مكشوفة و مهينة للإثنين . و إذا كان ولد حدمين يرضى أن يمدح بمثل هذا السقوط ، فلا شك أنه هو هو كما عرفناه بالضبط ، بسخافته و سذاجته و تدني مستواه العقلي و سوء حظه حتى في اختيار من يدافعون عنه بعدما أخفق في الدفاع عن نفسه : لا أحد في الوجود يستطيع أن يدافع عن نظام فاسد بالأحرى إذا كان هذا الأحد يحتاج إلى من يدافع عنه أو يدفع له ..

أي سفالة أن يقوم أحدهم يزبد و يرعد ، إذا تكلمت الناس عن أخطاء من يتولون أمرها؟ ما قام به ولد حدمين ـ كعادته ـ ليس خطأ و لا تجاوزا بل هي جريمة نكراء حولها تبرير وزير إعلامه الغبي مثله إلى قضية رأي عام ، يجهلون أنها تكفي وحدها لتبرير انقلاب عسكري أو ثورة شعبية أو عصيان مدني :

التعبير عن ما أصبح في موريتانيا من تسيد الغثاء يتطلب بحثا جماعيا جادا، عن مفردات جديدة و منطق جديد و أساليب مبتكرة جديدة و كثيرا من الدعاء و التضرع إلى الله أن لا يهلك موريتانيا بذنوب منافقيها و متزلفيها و الجهلة المتسولين بالثقافة فيها … إصلاح الحقل الصحفي اليوم يتطلب أولا هدم كل هذه التجارب الغوغائية المجنونة من أول سطر في أعلى هرمها (ريم ناو) إلى الدرك الأسفل من مأزقها في “أنباء الشرق” . و لا أستثني أي مؤسسة و إن كانت هناك بالفعل حالات احتراف و مهنية لا يمكن نكرانها لكنه احتراف و مهنية في مجال التزلف لا في مجال الصحافة و هو مستوى من الإحساس بالذنب يحاول أصحابه تغطية عوراتهم ، أفضل بكل تأكيد من العارضين لها على قارعة الطريق ، المتبجحين بآثامهم و جرائم سادتهم .. ما كان ينبغي أن أرد على حثالة من أصحاب ثقافة الصالونات ، ما زالت على رؤوسهم خمائر الولادات الجديدة ، لكن الحالة المرضية التي تعيشها بلادنا اليوم ، تلزمنا بالعودة إلى كل البدايات لـ”انتشال” كل هرم مقلوب.. لقد طغت أصوات هذه الحثالة و شنفت لها مسامع أخواتها في التزلف السياسي ليتحول بلدنا إلى ظاهرة تملق أقرب إلى دولة جحا : العالم يذرع في النفاق و المثقف يزاحم الحكواتي على حلبة التهتك و الارتزاق؛ فإلى متى إلى أين و إكراما لماذا ؟ بعد وقت قليل إن شاء الله، سيكون ولد عبدالعزيز و ولد حدمين و ولد الغزواني و بقية العصابة خلف القضبان ، فهل فكرتم كيف ستعيشون بعدهم؟ ألا تتذكرون على الأقل أن حاجة العصابة إليكم سببها ضغط الإعلام المعارض عليها .. أي أنكم تحصلون على رواتبكم بسبب ضغوطنا لا بسبب كرمهم؟ لكن متى كان أمثالكم من اللئام يعرفون رد الجميل !!؟ دفاع مثل هذه الحثالة الأمية عن العصابة يعني أن ولد ابريد الليل و ولد الكتاب و ولد الشدو و حتى الكنتي و غيرهم (…) لم يعودوا مستعدين للدفاع عن “نظام” (هو في الحقيقة أقرب إلى الفوضى) يتآكل من الداخل و محاصر من الخارج، لا يستمع إلى قول ناصح و لا يستفيد من أخطاء فاسد، لتظهر هذ الموجة “العلندية” ، المتطفلة على الحقل . و لأن العصابة تدرك جيدا أن هؤلاء لا يستطيعون مواجهة أي نملة، فقد أوصتهم بأن يكونوا جوقة إزعاج ، مهمتهم أن يطلقوا الصراخ حين يتكلم أي أحد حتى لا تتمكن أي جهة من سماع ما يقوله..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى