قراءة في التشكلة الوزارية الجديدة

الزمان انفو –
محمدالأمين الفاضل
بدءا لابد من أن أكرر القول بأنه من الصعب جدا تقديم قراءة جدية وذات مصداقية لهذه التشكيلة الحكومية الجديدة، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن التعديلات الجزئية المتكررة داخل الحكومة والتي وصلت هذه المرة إلى رأس الوزير الأول لا تخضع لأي قاعدة، ولا يحكمها أي منطق، وإنما تخضع لتقلبات مزاج الرئيس، ومن المعلوم بأن هناك صعوبة بالغة في قراءة دلالات تقلب “المزاج السامي” لسيادته.

 

كما أنه لابد من أكرر القول بأن أغلب القرارات الهامة للرئيس محمد ولد عبد العزيز هي قرارات تحمل في العادة تفسيرين قد يتناقضان في كثير من الأحيان، ولذا فإنه يمكننا أن نقول ـ وبكل اطمئنان ـ إن الرئيس ولد عبد العزيز ماكر في شؤون الحكم، وأستسمح عن استخدام هذه الكلمة، ويمكن تقديم عشرات الأدلة لإثبات ذلك. كما يمكننا أن نقول في الوقت نفسه ـ وبكل اطمئنان أيضا ـ إن الرئيس ولد عبد العزيز ساذج عندما يتعلق الأمر بإدارة شؤون الحكم، وأستسمح أيضا عن استخدام هذه الكلمة، والأدلة لتأكيد ذلك أكثر من أن تحصى أو تعد.

 

تلكم كانت مقدمة لا بد منها للقول إن التعديل الحكومي الجديد الذي وصل إلى رأس الوزير الأول قد يكون له معنى ودلالة، وقد لا يكون له أي معنى ودلالة. وقد يكون هذا التعديل قد جاء من أجل تمهيد الطريق لولد غزواني ليصبح مرشح النظام لرئاسيات 2019، وهناك من الأدلة ما يثبت ذلك، وقد يكون جاء كمقدمة للتخلص منه، وتلك فرضية لا يمكن استعبادها، ولها أدلة تدعمها. ثم إن هذا التعديل الحكومي الجديد الذي وصل إلى رأس الوزير الأول قد يكون جاء كردة فعل على هزيمة النظام في عرفات، وقد لا يكون، وفي كلتا الحالتين فإننا سنجد من الأدلة ما يعزز أي تفسير سنختاره.

 

ولد غزواني وزيرا للدفاع.. ماذا يعني ذلك؟

هناك ثلاث فرضيات يمكن أن نجيب بها على هذا السؤال، وحتى لا يتم تمييع الإجابة على هذا السؤال، وحتى نميز بين وجاهة الفرضيات، فإننا سنعطي لكل فرضية نسبة احتمال.

الفرضية الأولى: ولد غزواني هو مرشح النظام لرئاسيات 2019

هذه هي الفرضية الأكثر وجاهة، ويمكن أن نعطيها نسبة 60%، ذلك أن تعيين ولد غزواني وزيرا للدفاع سيتيح له أن تبقى إحدى يديه تتحرك داخل المؤسسة العسكرية، وسيتأكد الأمر إن تم تعيين صديقه الجنرال ولد المامي خلفا له على قيادة الجيوش. كما أن هذا التعيين سيتيح له أن يمد يده الأخرى إلى المدنيين وأن يجري معهم لقاءات علنية وسرية دون أي حرج تحضيرا لإعلان ترشحه، ومن المعلوم بأن ولد غزواني كان بخيلا جدا في إتاحة الفرصة للقاء به خلال فترة قيادته للجيوش، ولذا فمنحه فترة برزخية بين قيادة الجيوش وإعلان الترشح للقاء والتواصل مع المدنيين من سياسيين وأطر ووجهاء قد يكون أمرا قد بات ضروريا للتحضير لإعلان ترشحه.

 

الفرضية الثانية: ولد غزواني في طريقه إلى الاعتزال أو الإبعاد

هذه فرضية لا يمكن استبعادها، وإن كانت أضعف، ويمكن إعطاؤها نسبة 30%.

إن التخلص من ولد غزواني ـ إن كان هو ما يُراد ـ يحتاج إلى مسألتين في غاية الأهمية:

1. أن يتم سحبه بالتدرج وبهدوء من المؤسسة العسكرية التي ظل يديرها ـ بشبه تفرد ـ خلال عقد كامل من الزمن، ولن يكون ذلك سلسا، إلا إذا بهذه الطريقة، أي أن يتم تعيينه وزيرا للدفاع، وتعيين قائد جديد للجيوش تمنح له فرصة كافية لبسط نفوذه، من قبل الإبعاد الكامل لولد غزواني عن هذه المؤسسة وعن كل شؤون الحكم.

2. أما المسألة الثانية فستكون بسحب الهيبة من الرجل بوصفه كان شريكا في الحكم، وقد بدأت إرهاصات ذلك مع مقال الكنتي عن رجل الظل، وقد يكون تعيين ولد غزواني وزيرا للدفاع قد جاء لمواصلة نزع تلك الهيبة من قبل عزله بشكل كامل، فولد غزواني بهذا التعيين سيصبح مجرد وزير في حكومة الناطق الرسمي باسمها هو أحد خصومه الشرسين، سيصبح مجرد وزير يجتمع ويتصارع مع بقية الوزراء، وسيردد مع غيره من الوزراء بأنه فعل كذا في قطاعه طبقا لتوجيهات الرئيس و لتعليمات الوزير الأول السيد محمد سالم ولد بشير. كما أنه سيجد نفسه معرضا للمساءلة في برلمان يترأسه أحد خصومه، هذا إن كان تعيينه قد جاء أصلا من أجل أن تسحب منه الهيبة الرمزية التي ظل يتمتع بها خلال العقد الماضي.

 

الفرضية الثالثة: ولد غزواني ليس مرشحا ولا مهمشا

هذه هي الفرضية الأضعف، ونعطيها نسبة 10% فقط، وهي يمكن أن تحدث في إطار تعديلات دستورية. خلاصة هذه الفرضية أن ولد غزواني قد تتم ترقيته من بعد وزارة الدفاع إلى وزارة دولة للأمن القومي تتبع لها قيادة الجيوش والأمن والدرك، وبذلك تكون قد تمت ترقيته دون أن يصل إلى الرئاسة.

 

تبقى هناك ملاحظة سريعة قبل الانتقال إلى الفقرة الثانية، وهي أن ولد غزاني يمكن أن يبقى في وزارة الدفاع بعد تقاعده، فوزير الدفاع السابق كان قد وصل منذ فترة إلى التقاعد، ولذا فولد غزواني يمكن أن يبقى وزيرا للدفاع إلى أن تبدأ حملة رئاسيات 2019، ويمكن أن يبقى في الوزارة حتى يُقضى الأمر بإبعاده بشكل نهائي، وبقاء الفرضيتين قائمتين حتى آخر لحظة ينسجم مع أسلوب ولد عبد العزيز في تسيير الملفات التي تثير جدلا كبيرا، ولعلكم تتذكرون ما حدث مع ملف المأمورية الثالثة، والتي ظل النظام ـ حتى آخر لحظة وربما إلى غاية الآن ـ يُلمح إليها كلما ضعفت أسهمها في سوق الرأي العام، ويقنط منها كلما ارتفعت أسهمها لدى الرأي العام.

 

ولد حدمين وزير دولة.. ماذا يعني ذلك؟

لعل المتضرر الأول من التعديل الأخير هو ولد حدمين الذي فقد الوزارة الأولى، والتي لا أحد يعرف كيف استطاع أن يحافظ عليها لأربع سنوات تقريبا؟

 

حسب ما كان يتم تداوله بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات البلدية والجهوية والتشريعية فإن الراجح كان هو الاحتفاظ بولد حدمين وزيرا أول، ولكن نتيجة الشوط الثالث في عرفات قد قلبت الموازين، وجعلت الرئيس يسارع إلى إقالة ولد حدمين من الوزارة الأولى.

 

إن السبب الأرجح لإقالة ولد حدمين هو نتائج الشوط الثالث في عرفات، هذا هو التفسير الأرجح للإقالة، ولكن هذا التفسير يصطدم ببقاء ولد اجاي على رأس وزارتين، وهو المعني الأول بنتائج الشوط الثالث في عرفات. فلماذا أقيل ولد حدمين وبقي ولد اجاي إذا كان للأمر علاقة بنتائج شوط عرفات؟ هنا سنعود إلى ما كنا قد أشرنا إليه في مقدمة هذا المقال وهو أن تصرفات ولد عبد العزيز يمكن أن نفسرها دائما بتفسيرين متناقضتين، ويمكن أن نجد ما يكفي من الأدلة للتفسيرين، وفي هذا الإطار فإنه يمكننا أن نقول وفي نفس الوقت بأن التعديل الحكومي الأخير قد تأثر بنتائج عرفات ولذا فقد أقيل الوزير الأول، وبأنه لم يتأثر بتلك النتائج، والدليل هو أنه تم الاحتفاظ بالوزير ولد اجاي وهو المعني الأول بتلك النتائج.

 

وحتى نجمع بين التفسيرين المتناقضين فإنه يمكننا أن نقول إن ولد اجاي قد نجا من هزيمة عرفات بقدرته وبراعته في التحصيل والجباية و تلك “خصال” يحبها الرئيس ولد عبد العزيز، والذي قد لا يجد في الوقت الحالي شخصا بقدرات ولد اجاي في هذا المجال إذا ما قرر إقالته. ثم إن الوزير الأول السابق يمكن أن يكون هو المسؤول الأول عن نتيجة عرفات، ويمكن أن تكون مسؤوليته أكبر من ولد اجاي، هذا إذا افترضنا بأنه هو من كان قد أشار أصلا إلى الرئيس بفكرة الشوط الثالث على أساس أنها ستكون محسومة لصالح الحزب الحاكم.

 

وقبل أن اختم هذه الفقرة أشير إلى أن تعيين ولد حدمين وزير دولة قد أتى متزامنا مع إقالته، والمفترض كان هو أن يتم تعيينه بعد تعيين الحكومة كاملة، وفي المسارعة إلى تعيينه بعد الإقالة شيء من جبر الخاطر، وهو ما يعني أنه ما زال يحظى بمكانة عند الرئيس، وستتعزز تلك المكانة إن كانت المهمة التي كلف بها هي “ملف رئاسيات 2019″، وإن في ذلك التكليف إن كان، ما يقلق كل الطامحين إلى حوار وإلى تناوب سلمي على السلطة.

 

ولد محم ناطقا باسم الحكومة.. هل هذه ترقية أم لا؟

حقيقة لا أدري فهذه وظيفة كانت قد منحت في وقت سابق لولد محم، ولذلك فلا يمكن اعتبارها ترقية، خصوصا أن هذه الوظيفة قد تترتب عليها تغييرات في المؤسسات الإعلامية.. الشيء المؤكد هنا هو أن هذا التعيين كان هو التعيين الوحيد في هذا التعديل الذي جاء بالشخص المناسب إلى المكان المناسب.. والمناسب مقصود بها هنا مناسب للحكومة، لا الشعب، فالشعب ليس معنيا بهذه التعديلات، ولو كان معنيا بها لتمت إقالة وزير الاقتصاد والمالية ووزير التعليم العالي وكثير من الوزراء الآخرين.

 

وقبل أن اختم هذا المقال المخصص للحكومة الجديدة فلا بد من الإشارة إلى أن هذا التعديل لم يسلم من الدمج والتفكيك العبثي للوزارات، والذي يدل على التخبط وعدم الجدية، فوزارة التنمية الريفية التي تم تفكيكها ذات تعديل سابق إلى وزارتين، تم دمجها في هذا التعديل لتصبح من جديد وزارة واحدة. والتكوين المهني الذي كان شعار النظام عند قدومه سيتم القضاء على وزارته ليلحق بوزارة التهذيب الوطني. أما شريكه في الوزارة “تقنيات الإعلام والاتصال”، والتي لا أعرف ما المقصود بها، ولا لماذا لم يلحق هذا القطاع بوزارة العلاقات مع البرلمان بدلا من أن تلحق بها الثقافة والصناعة التقليدية وأشياء أخرى. أقول أما شريكه في الوزارة “تقنيات الإعلام والاتصال”، فقد تم إلحاقه بوزارة التعليم العالي بعد أن تنقل بين وزارة المياه ووزارة التشغيل مما يعني بأن تنقلاته لم تكن خاضعة لأي منطق سليم.

 

ولعل الأطرف في هذا التعديل هو أن وزير البيئة آمادي كامرا قد واصل الاحتفاظ بوزارته. عقدٌ من الزمن تقريبا قضاه آمادي كامرا على رأس هذه الوزارة، وهو الوزير الذي يمتاز عن غيره من الوزراء بأنه هو الوزير الوحيد الذي كان قد انتقده الرئيس ولد عبد العزيز في ملأ، جهرا وأمام الكاميرا، فاتهم وزارته بالفساد وبنهب الأموال المخصصة لغرس مليون شجرة، وكان ذلك في شهر سبتمبر من العام 2012، وبمناسبة إطلاق المرحلة الثانية من ذلك المشروع. يقال إن الرئيس ولد عبد العزيز كثيرا ما ينتقد وزراءه ويوبخهم، ولكن جرت العادة أن يكون ذلك سرا وفي اجتماعات مجلس الوزراء. ويبقى انتقاد وزير البيئة من طرف الرئيس ولد عبد العزيز من الحالات النادرة التي تمت جهرا وأمام الكاميرا والصحافة، ومع ذلك فهذا الوزير هو الوزير الوحيد المحصن ضد التعديلات، والآن هل فهمتم لماذا قلتُ لكم في مقدمة هذا المقال إن التعديلات في الحكومة لا تخضع لأي قاعدة، ولا يحكمها أي منطق، وإنما تخضع فقط لتقلبات مزاج الرئيس، ومن المعلوم بأن هناك صعوبة بالغة في قراءة دلالات تقلب “المزاج السامي” لسيادته.

 

حفظ الله موريتانيا..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى