روائية عمانية تحصل على جائزة “انترناشيونال مان بوكر”

الزمان انفو ـ حصلت الروائية العمانية جوخة الحارثي على جائزة “انترناشيونال مان بوكر” البريطانية المرموقة، عن روايتها سيدات القمر، والتي تتحدث فيها عن مرحلة مهمة من تاريخ سلطنة عُمان.

تعد هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب أو كاتبة عربية بهذه الجائزة التي تنافست عليها هذا العام ستة أعمال صادرة بلغاتها الأصلية وتُرجمت إلى اللغة الإنجليزية، وصدرت في بريطانيا.

قيمة الجائزة وهي 60 ألف دولار ستحصل عليها الكاتبة بالمشاركة مع الأكاديمية الأمريكية مارلين بوث، التي ترجمت رواية “سيدات القمر” من العربية إلى الإنجليزية.

السيدة بوث أستاذة في الأدب العربي في جامعة أكسفورد.

جمعت الروائية العمانية جوخة الحارثي، وبرؤية نافذة، جُلّ التحولات الاجتماعية، ليس فقط في المجتمع العماني، بل وفي مناطق مشابهة في العادات والأعراف في المنطقة العربية، طوال القرن الماضي، وذلك في رواية ”سيدات القمر“ الصادرة عن دار الآداب للنشر والتوزيع، وقد تأهلت نسختها المترجمة للإنجليزية مؤخرًا إلى القائمة القصيرة لجائزة ”مان بوكر“ 2019.

تروس

تتناول الرواية عدة شخصيات لا تشابه بينها ولا ترابط في العلاقات. هن نساء لا أكثر، ولكل امرأة ما يجول في ذهنها، وما يحبس هذا الذهن ويهشمه. هن شخصيات عادية لربما، لكن الغوص في التفاصيل البسيطة، الذي قامت به الروائية، جعل للأحداث البسيطة صوتًا ما أن يسمعه المرء حتى يستشعر بأنه يعرفه من قبل. إنها الوجوه المنتشرة في صلب المجتمع العربي تمارس دورة حياتها مثلما يدور الترس في الآلة، لكن مهمة الأدب تظهر في رصد كافة حركات هذا الترس، وتوقفاته، وتلفه.

وتلتقط الكاتبة أبخرة معادلة مستمرة في التغيير الاجتماعي، ما بين عقلية تشد المجتمع إلى البقاء في الماضي، وأخرى تحاول أن تساير حركة الحياة التلقائية كنهج انفتاحي على الحياة. وتم ذلك لجوخة الحارثي من خلال الغوص في العمق الإنساني ولمس مادة الألم فيه، متطرقة لعدة ”كاريزمات“ تشعر أخيرًا بأن ما تجتمع عليه هذه الثيمات تمامًا هو ”الخيبة“.

طوب مصفف

يمكننا الحديث عن امتلاك جوخة الحارثي للغة تشبه ”الطوب المصفف“، فذلك البناء اللغوي المتقن ينم عن مقدرة في الإمساك بتراكيب اللغة، وتقديمها بأسلوب لا يتعثر.

كما أن هنالك تميزًا للكاتبة في شكلانية العرض. فلم تكن الفصول أطول مما يجب، بل كانت الحارثي تتبع لكنة الإنتاج السينمائي في العرض السردي، حينما اتبعت نظام المشاهد القصيرة، تلك التي ما إن جمعتها، تلحظ بأن لها شاشة عملاقة تعرض تلك الأشكال المتنوعة من الدراما في نفس الوقت. حتى في تقنية السرد، فقد كانت تلك الخفة المطلوبة في تناقل العقل بين الأحداث، على الرغم من كثرة الشخصيات التي تناولتها الرواية، إلا أن مهارة التمهيد لكل شخصية ساهمت في عدم إحداث نشاز أثناء دمج كل وجه في العراك السردي.

غربة

لم تكن ”ميا“ سوى المرأة التي تشعر بوجود حديث داخلي أقوى مما يقوله من حولها، هي لم تكن خارجة عن إطار قديمها، وكذلك لم تكن منسجمة مع حياتها التقليدية، فوقفت في منطقة العراك بين الحالتين. هي منطقة غربة محملة بالرمزية، ما يعني بأن صراعًا لا يتوقف لمن على شاكلة شخصية“ميا“. مثلما تقول الكاتبة: ”إننا في الغربة نتعرف على أنفسنا بشكل أفضل، كما في الحب“. كان ما حملته ”ميا“ من خيبة، هو عدم القدرة على التحدث في وجه تاريخ طويل من العادات الاجتماعية، لأنه حق غير مكفول.

قشرة تسقط من الأشياء

كما مثلت شخصية ”لندن“ ملحمية الصراع الداخلي الإنساني، بين إمكانية التأقلم مع الخيانة من “ أحمد“ وخصوصية التملك، وهي النزعة الأقوى حضورًا في الطبيعة. وكيف أنها فضلت التنازل عن عقد حبها له ، بعد تفريطه في شفافية الإطار الذي يجمعهما، إلا أنها لم تعد مثلما كانت من قبل، وهنا دور الرواية في فحص القشرة التي تسقط من الأشياء بعد التحول، ما يمكن معرفته بأننا مستمرون في البحث عن ذاتنا على طول الطريق. فتقول جوخة الحارثي: ”لماذا يعتصرها هذا الألم المبهم العنيف، وهذا الشعور المذل بالشوق والفشل؟ تتقلب لندن ولا تنام، ولا تقلب الصفحة“.

نصرخ فتتسع المسافة

أما شخصية ”خولة“ فكانت بمثابة صرخة جاءت متأخرة في وجه طوفان العقلية الذكورية حين قررت أن تتخلى عن عصارة من الصبر تكللت بصمت مستمر على تصرفات ”ناصر“ الذي انتظرته في سفره، وزواجه في الغرب، بينما تحملت عبء وحدتها قبل الزواج، وكذلك الانطباع الاجتماعي لرفضها كل من يتقدم لخطبتها. وحتى بعد الزواج، حملت عناء تربية الأطفال في غيابه، إلا أنها صرخت أخيرًا وقررت التخلي عن ”ناصر“، فتقول الروائية: ”كيف لرجل قضى السنوات العشر الأخيرة، متفانيًا في خدمة بيته وأولاده، أن يفهم أن العشر سنوات الأولى قد انتفضت بذرتها بغتة في روح زوجته ونمت شوكًا يمزقها“.

أبوية

ولم تكن شخصية ”عبدالله“ الراوي الذي ظهر بصيغة المتكلم، وكذلك بصيغة الغائب، ليخلق تنويعًا في الحالة السردية، أعطت للعمل صبغة الحيادية، فما أرادت الكاتبة سرده ذاتيًا، وضعته في نسق الغائب، كنوع من التواري الذكي خلف المسار الدرامي. وقد مثلت شخصية عبدالله مسيرة التحول الاجتماعي والعلاقة بين الآباء والأبناء، ومن ثم الانتقال إلى نفس دور الأب بممارسة سلطة الأبوية مع نسله. وتكتب الروائية في هذا السياق: ”الفن يا أسماء أنقذني من صياغة أبي لي، وفقًا لخيالاته“.

جليد وإعتام

نزعة إلى الذات العميقة.. ”في الصيف والخريف فقط“ للمغربي محمود عبد الغني‎
السوري خليل صويلح يصدر روايته ”عزلة الحلزون“

أما عن تلك الرمزية التي حملها اسم ”سيدات القمر“، فالقمر هو الصفة التي ألصقتها الكاتبة بالمرأة، لما يحمله من جمالية في الذهن الاجتماعي العربي، وكتجريب في نحت أغواره، لنكتشف بأن الضوء المنعكس عليه ما هو إلا جليد، بمجرد ذوبانه، سنرى كم الإعتام الذي يحمله ذلك القمر في تكوينه، كإسقاط على ما تكتنزه المرأة.

صلابة التأريخ

إن مما ميز العمل الروائي هنا، تعدد الأصوات المكانية، وبالتالي الحديث عن ثقافات مختلفة زادت من مساحة العرض والتخييل بين الأفكار. وإن ما تم تقديمه من خلط بين التاريخ والرواية يعزز من قيمة السرد الأدبي في نقل واقعية التاريخ بشكل يضمن وصوله للمتلقي، بأدوات تخلو من صلابة لغة المؤرخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى