يوميات مسافر -1-/عبدالله محمد الفتح

altمهاجر سري يتحدث ل”الزمان” عن حلمه “الجميل”

عبدالله محمد الفتح ـ طنجة – الزمان :

خلال رحلتي التي قطعت فيها آلاف الأميال برّا، من انواكشوط العاصمة الموريتانية إلى طنجة مرورا بمدن مغربية يمكن أن تعتبر من أجمل الأماكن في إفريقيا كمدينة أغادير السياحية ومراكش و الدار البيضاء والعاصمة الرباط، رأيت الكثير وكتبت الكثير عن ما سمعت ورأيت في يومياتي الخاصة ..إلا أن حكاية “الحاج علي” الذي رافقني في طنجة تستحق الوقوف عندها للحديث عن تجربة هذا الفتى الذي يرفض الرضوخ للفقر ويرى في الهجرة إلى اسبانيا هدفا كبيرا حين ما يحقق سيكون سبيلا لتحقيق أحلامه ببناء بيت أبيه المتهالك وتشييد منزل لنفسه و..

altقابلته في أحد أزقة طنجة القديمة عندما دلفت من شارع ابن رشد.عرفت للوهلة الأولى موطنه .عرفت ذلك من لهجته ومن صورة شيخ إحدى الطرق الصوفية التي يعلق على صدره..(أنا مريد للشيخ يشرفني أن أتعرف عليك فأنا أعرف الكثير من مريدي الشيخ يأتون من بلدك) كان في زهرة العمر مبتهجا بكونه يعتنق إحدى الطرق الصوفية وأنه كان يحرس خليفة الشيخ في بلده لمدة طويلة.سألته هدفه في هذه الحياة ولماذا اختار طنجة للمعيش فيها فأجاب بفرنسية ركيكة:

ـ لا أريد العيش هنا وإنما جئت لأخرج كما خرج أناس كثر إلى اسبانيا.لا تفرض علينا تأشرة، لذلك من السهل علينا دخول المغرب  .أريد العمل لتحصيل النقود وحينها يسهل علي بناء بيت والبحث عن زوجة…

ولم اسبانيا بالذات؟

ـ لأنني أتقن العمل في البحر كصياد،وقد سمعت عن سهولة ذلك في اسبانيا ..(قطع حديثنا رجل قصير ليشير إلى مقهى قريب في مكان يطل على البحر )

ـ وكيف ستصل إلى اسبانيا وقد جئت في وقت تشديد الحراسة الحدود؟.فتح نافذة زجاجية ومدَ بصره بعيدا في اتجاه الضفة الأخرى حيث تظهر بالكاد مرتفعات جبلية يغلفها ضباب كثيف وقال:

alt–          الزوارق التي ندفع لها تتحين الفرص المناسبة لنجاح المحاولة؟

–          وهل سبق أن حاولت؟

–          نعم.حاولت أنا وبعض زملائي مرتين في كل مرة تعترضنا البحرية المغربية وتعيدنا هنا.

–          وكم درهما تخسر في كل مرة؟

–          خسرت كل شئ كنا عشرة على كل منا دفع قرابة ألف درهم مقابل قطع ميلين بحريين فقط.

–          وكيف تعيش الآن؟

–          أحياء لا اجد إلا الماء..

–          متى عهدك بالأكل؟ .صمت قليلا وقال بأنه يوم أمس حصل على دراهم قليلة فاشترى الخبز والحليب،أما البارحة فاكتفى بالماء شربه عند المسجد بعد صلاة العشاء.كان علي أن آخذه إلى مطعم ليقاسمني الغداء.ربما يفضل ثمن ..خطر ببالي أن أسأله عن مطعم شعبي .ردَ بأنه قريب “سأريك إياه بعد انتهائك من التجوال في المدينة القديمة”.لا لنذهب إليه الآن.فاجأنا النادل بأن ثمن القهوة في هذا المقهى يمكن أن يوفر غداء لشخصين في المطعم المنشود.

–          لو أن المقهى يخصني لما دفعتما شيئا ،لكنني بست سوى “خدام عند الحاج”،مرحبا بكما “ليبيا،عمرها دار”

–          لكنني من موريتانيا.قلت للنادل

–          حال بحال “تا هي عمر ها دار”.

altخرجت أنا والمتصوف الشاب إلى حيث أشارهو.مطعم يعج بالغرباء.من جنسيات مختلفة،نيجيريا ،غانا ،السينغال،مالي،وحتى اسبانيا .أطباق شعبية كطبق “بيصره” الذي يتكون من لقمة عيش غارقة في الزيت وقطعة خبز. تناول علي طبقه بسرعة البرق رغم سخونته وزدته من طبقه فرفض في البداية،إلى أنه لم يقاوم حاجته الماسة إلى المزيد.ثمة الاسباني الضخم الذي يجلس قربنا ،يلتهم قطع سمك السردينل المقلي بشراهة.ملأ بطنا كالقربة وتحدث إلينا قليلا سائلا إن كنت أفهمه فقلت له “قليلا”،فانفلت رباطه ومضى يرطن كمخمور وكان علي يستمتع بالإصغاء إليه ويسألني عما يقول الرجل القربة.غادرنا المطعم في اتجاه  المسجد،بعد الصلاة تمشينا قرب سور عالي يطل على البحر مرورا بمكان نصبت فيه مدافع سوداء عظيمة موجهة فوهاتها أبدا نحوالغرب.فجأة يتوقف علي مشيرا باصبعه نحو الأفق قائلاَ .

هناك تقع اسبانيا،إنها قريبة جداَ!!

يتواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى