تحليل الوضعية السياسية مع الوزيرالسابق محمد فال ولد بلال

images(236)الأزمة السياسية تتمثل أساسا في القطيعة التامة تقريبا بين القطبين الرئيسيين في المشهد السياسي : أعني الأغلبية والمعارضة. والقطيعة هنا ، ظاهرة مرضية تنمّ عن خلل سياسي خطير و اختلال بُنْيَوِي عميق في نظام الحكم القائم ، لأن أي ديمقراطية سليمة كي تستقرّ و تنتظم لا بُدّ و أن ترتكز على علاقة جدليّة متناقضة بين هذين الفريقين على أساس الوحدة والصراع معا…

كما لا بُدّ للفريقين أن يقيما بينهما وحدة قوية – رغم كونها شائكة – واتفاق متين على قيّم الجمهورية ، والمبادئ الوطنية الأساسية ، وثوابت الأمة التي يحددها الدّستور ، و يبقى الصراع في ما دون ذلك من قضايا جزئيّة أو قطاعية مثل كيف تكون الصحة ؟ كيف يكون التعليم ؟ كيف يكون الشغل ؟ إلى غير ذلك من السياسات الحكومية و الاختيارات الحزبية…

 

أما في حال عدم وجود جسور للتواصل و الحوار بين السلطة و المعارضة على نحو ما هو قائم عندنا اليوم ، فتلك ظاهرة غير صحية ، لأن النظام الديمقراطي لا يتأتّى بالسلطة وحدها ، ولا بالمعارضة وحدها. وفي هذا المضمار، أعتقد أننا لن نخطو إلى الأمام ولن نتقدّم طالما بقي حالنا على هو عليه من تجاذب عقيم بين سلطة تنظر إلى المعارضة بوصفها عدوّ يجب إبعاده و إقصاؤه ، ومعارضة تتعامل مع السلطة باعتبارها شرّ يجب استئصاله. فالأزمات السياسية تبدأ دائما بأزمات الثقة بين الفرقاء السياسيين ، وتزداد خطورتها و تتعمّق أضرارها كلّما انعدمت الثقة و تباعدت الّرّؤى.

 

في الوقت الحالي ، لا يختلف إثنان على أنّ الأوضاع السياسية في البلاد وصلت إلى طريق مسدود ، وأنّ الأطراف الرئيسية لم تعُد تلتقي في شيء… السلطة تجرّم المعارضة و تنادي بالبقاء ؛ البقاء بأي ثمن ، والمعارضة تخوّن السلطة وتنادي بالرحيل ؛ الرحيل…العلاقة بين الإثنين أشبه ما تكون بالتوازن على نقطة الصّفر، فلا السلطة استطاعت إقصاء المعارضة أو تحييدها ، ولا المعارضة استطاعت زعزعة السلطة أو ترحيلها…وفي هذا التوازن الصفري ، يبقى البلد مُنهكا ، تائها ، يتخبّط في أزمة مُركّبة تظهر تجلياتها في الموت السريري لجميع المؤسسات . ولنا أن نتساءل : كيف لبلد يدّعي الديمقراطية أن يسكت صاغرا على برلمان ومجالس بلدية تجاوز عمرها سبع سنوات ، وقد يصل إلى ثمانية ، في حين أنّ الدستور ينصّ على خمس سنوات فقط ؟!

 

فماذا بعد التمديد غير القانوني؟!

 

أدري أن هناك بعض الحالات الخاصّة و الاستثنائية التي يسمح فيها الدستور بتمديد مأمورية البرلمان ولكن بلادنا لم تصل إلى تلك الحالات الحرجة… و كلّ الحجج و الذّرائع التي صيغت من قبل السلطة لتبرير التمديد لم تُقنع أحدا ، خاصّة و أن القرار جاء بعد انتهاء مأمورية البرلمان والمجالس البلدية و بعد المهلة الإضافية التي تكرّم بها المجلس الدستوري. و للخروج من هذا المأزق ، ينبغي للسلطة أن تعترف – على الأقل – بأن البلد يعيش حالة جمود و ركود و بأنّه يمرّ بمنعطف خطير لا مجال فيه للتهاون بالمصلحة العامة ، والتهوين والاستخفاف بأي طرف سياسي كان ، أحرى بالمعارضة الديمقراطية لما لها من وزن ثقيل و قوّة رمزيّة فاعلة. كما ينبغي لها كذلك ، أي السلطة – باعتبارها سيدة الموقف – أن تُقنع نفسها بأنّ الحل لن يكون إلاّ بالتوافق و الحوار …

 

وذاك ما دعونا له في مبادرة “النداء من أجل الوطن” . ومن أجله ، التقينا بجميع الفاعلين السياسيين وشرحنا لهم رؤيتنا للأزمة و كيفيّة الخروج منها. نعم ، اجتمعنا بالأحزاب كافة من أقصى المعارضة إلى الحزب الحاكم و موالاته ، مرورا بالمعارضة المحاورة ، إلاّ أن رأس النظام – وهو القائد الفعلي للسلطة – رفض لقاءنا . وكما تعلمون ، فإن مبادرتنا تنصّ على ضرورة التشاور و الحوار بين كلّ الأطراف لبلورة حلّ وسط ، لا غالب فيه ولا مغلوب . و أوضحنا ذلك في وثيقة بعنوان “معا للإنقاذ سفينة الوطن” ، نُشرت في الإعلام و تمّ توزيعها على كلّ الفرقاء.

 

ومن ضمن بنود الوثيقة المذكورة تنظيم انتخابات توافقيّة ، شفافة ، و نزيهة يطمئنُّ لها الجميع تحت إشراف لجنة وطنية مستقلة تحظى برضا كلّ الأطراف . و طالبنا بتشكيل حكومة توافقية تُنْعِشُ الثقة و تعزّز اللقاء و تضمن التهدئة و المساواة اللاّزمة لإجراء انتخابات حرّة . و بخصوص شكل ونوعية الحكومة ، وهل هي حكومة وحدة وطنية أم حكومة “تكنوقراط” ، قلنا بأنّ ذلك لا يهم كثيرا… بل المهم بالدّرجة الأولى هو أن تنال رضا الجميع…هذا ما طرحناه قبل سنة و نيف ، غير أنّنا في المحصّلة ، لم نستلم ردّا ملموسا …فقط مجاملات من هنا و مجاملات من هناك . و ظللنا – رغم ذلك – نتابع الأمر حتى أعلن الرئيس مسعود ولد بولخير عن مبادرته التي وجدنا فيها نقاط تلاقي كثيرة مع مبادرتنا ، ساعتها قرّرنا الانخراط مع الرئيس مسعود و دعم مبادرته من الخلْف.

 

وجوابا على سؤالكم عن ما إذا كانت مبادرة مسعود قد وصلت إلى طريق مسدود ، وما البديل عنها ، فنحن لحدّ الساعة لم تصلنا معلومات مؤكدة تقول برفض مبادرة الرئيس مسعود من أي من الأطراف ، بل العكس . هناك تفاؤل و أمل كبير منذ أن قبلت الموالاة بعض بنود المبادرة و سكتت عن بعضها…و في هذا المقام ، أودّ الاشارة إلى أن تشكيل حكومة توافقية أو على الأقل إسناد الوزارات و الهيئات ذات الصلة المباشرة بالانتخابات عن طريق التراضي بين الأطراف هي مسألة بالغة الأهمية . و الغرض منها لا يتعلق بالكراسي و لا بتقييد الرئيس ولا بعرقلة برنامجه ؛ و إنّما الغرض هو بعث رسالة واضحة للناخب مفادها أن هذه الانتخابات ليست بيد حزب أو رئيس أو حكومة منحازة إلى طرف دون طرف ، بل هي انتخابات بيد الجميع و تحت إشراف الجميع ، حتّى يتسنّى له التصويت بحرية و أمانةّ. أمّا أن تجرى الانتخابات تحت إشراف الرئيس ، و بحكومة الرئيس ، و حزب الرئيس ، و لجنة حوار جزئيّ مع الرئيس …فإنها لن تكون بالضّرورة سوى انتخابات شكلية معلومة النتائج مسبقا ، و بالتالي لن تسعف البلاد بالحلّ المطلوب ، بل – على الأرجح – ستُعقِّد الأمور أكثر و ستزيد الطين بلّة … و من الآن ، علينا أن نستشعر أهمية حكومة التوافق و خطر التعامل معها بالمكابرة و الرّفض . نحن بلد لا يزال يخطو خطواته الأولى على درب تحوّل ديمقراطي صعب المنال ، ومن الطبيعي أن تتكرّر فينا تجارب و محاولات على غرار ما حصل في دكار…و من الطبيعي أن نفشل مرّة ثمّ نعيد الكرّة مستفيدين من أخطاء الماضي ما شاء الله من الزمن حتّى نمتلك قواعد اللعبة، و نرسو بديمقراطينا بسلام على شاطئ الأمان…عندئذ لن تبقى لنا حاجة في مثل هكذا مطالبة بحوار أو حكومة أو لجنة .

 

أعود لأقول و أكرّر بأنّ المطلوب الآن هو تنظيم انتخابات تكون حرّة في جوهرها ، عادلة في معناها ، قويّة في تأطيرها ، غير معلومة في نتائجها . و بهذا الخصوص من حقنا أن نتساءل : أما حان لنا جميعا – موالاة و معارضة ومستقلين – أن نرفع معا ذلك التحدّي الماثل أمامنا منذ سنوات و المتمثّل في تجاوز النواحي الإجرائية والشكلية للانتخابات و الغوص في جوانبها البنيوية العميقة ؟ ذلك أن الناحية الإجرائية و الشكلية كتنظيم الانتخابات مثلا ، وكيفية التصويت ، و سرية التعبير، و استخدام الحبر اللاّصق ، و تسيير الحملات ، وفرز النتائج ، وإعداد المحاضر…إلخ ، كلّ ذلك لم يعُد يعني الشيء الكثير بالنّسبة لشعبنا… إنّ ما نحتاجه اليوم ، هو تطوير المؤسسات و النهوض بالعقليات بغية الوصول إلى جوهر العملية الانتخابية ومضمونها. تلكم هي الإشكالية المطروحة اليوم وهي الطريق إلى السلامة و الاستقرار. فإذا كان الفاعلون السياسيون قد تمّ خذلانهم في مناسبات انتخابية ماضية ، فإنّ وعْيَهم قد ازداد لا محالة ، و ربّما لن يقبلوا مستقبلا بأقلّ من التّداول…لو أتيحت لهم فرصة المشاركة في انتخابات حرّة و عادلة و نزيهة.

 

اتهام الرئيس بالمخدرات

 

وعن اتهامات السيد الرئيس في ملف المخدرات ، ليس عندي ما أقوله سوى أنّها تضعنا في ورْطة تاريخيّة لم نعرفها من قبل أبدا. لقد سمعنا الكثير عن معاناة الرؤساء السابقين وما تعرّضوا له من أنواع السبّ و الشّتم و التخوين ، وما أقيم ضدّهم من مؤامرات وانقلابات …إلاّ أننا لم نسمع عن أي منهم تُهما من قبيل بيع المخدرات…بل نزعم أن لا مكان في الثقافة الموريتانية لتشويه سمعة الرؤساء بهذا النوع من الفضائح و المنكرات…كما نزعم أن لا مجال في تقاليد شعبنا للتعامل مع الرؤساء بهذه الطريقة البشعة…كنا نسمع كيْلا من التهم و الأراجيف من قبيل أنّ المختار سخّر الدولة لأهل بوتلميت ، و هيدالة أعطاها هِبة للبولزاريو ، و معاوية سخّرها لأهل أطار…حاشاهم كلهم من ذلك… لكن ؛ لم يحدث أبدا أن اتّهم أحدهم بأنّه استأثر بها لنفسه ، أو بأنّه مولع بجيْبه و بحسابه الخاص ، أو بأنه مسكون بحبّ البيع والشراء …أحرى أن يُتّهم بالمخدرات و تبييض الأموال و الثراء الفاحش…على غرار ما يشاع اليوم في حقّ “رئيس الفقراء”…حاشاه… إنّي لحدّ الساعة كغيري من المواطنين الأبرياء أعتبر “غانا” مجرد إشاعات و أكاذيب …ولكنّني أحسّ بالحزن و الاندهاش عندما أستشعر المسافة الهائلة التي قطعتها البلاد بين الأمس و اليوم باتجاه الهاوية…و ذلك بمجرّد سماع شائعات و اتهامات من هذا النوع بصرف النظر عن صحتها أم لا… أنا أريد أن أفهم كيف و متى قرّر الموريتانيون الخوض في أمور المخدرات و القاذورات الأخرى في مجالسهم العامة و الخاصة ؟ و لماذا الآن و لأوّل مرّة في التاريخ يُتّهم رئيسهم بجمع المال ؟ وما الذي طرأ ؟ الله أعلم…

 

أما عن تعاطي مع الانقلاب الأخير ، فلعلمكم هو ليس أول انقلاب يحدث وأنا أتقلد منصبا عاليا. ففي 2005 ، وقع الانقلاب و أنا وزير للخارجية. ومن باب الواقعية ، قبلت بالانقلاب الذي فرض نفسه بقوة الأمر الواقع. و عملت مع آخرين مدّة أسابيع قبل تشكيل حكومة جديدة من أجل أن تستفيد الديمقراطية من الحدث رغم كونه مؤلما. و نجحنا في فرض مرحلة انتقالية قصيرة نسبيا ، و عدم ترشّح رئيس و أعضاء المجلس العسكري و حكومته ، إلى غير ذلك من الإجراءات الإصلاحية…و في 2008 ، كنت سفيرا في دكار و تعاطيت مع الحدث بنفس الطريقة تقريبا ، بمعنى القبول بالانقلاب كأمر واقع ، و العمل على أن تنهض البلاد من كوبتها عبر إيجاد حلول سلمية للأزمة ، إلاّ أن جاءني التحويل قبل أن تثمر الجهود الساعية إلى تسوية كانت محتملة على غرار ما حصل في العام 2005. أقول و أكرّر إنه كان بمقدور الجبهة أن تفرض حلاّ يمنع ترشّح رئيس و أعضاء المجلس الأعلى للدولة لو أنّها كانت أكثر واقعيّة في طرحها ، وقبلت بالانقلاب كأمر واقع ، وكرّست جهودها مطلقا على رفض الانقلابيين كشركاء في اللعبة السياسية…

 

وعن إمكانية التحاقي بصف المعارضة عقب رفض رئيس الدولة لمبادرة الرئيس مسعود ،أقول بأنّنا في النداء من أجل الوطن – و كما أسلفت – ليس لنا علم بأي ردّ سلبي على مبادرة الرئيس مسعود من طرف رأس السلطة. و مهما يكن من أمر ، أنا لست بصدد الانخراط في أي حزب كان . سأبقى مستقلا أو مراقبا إن شئتم …حتى إشعار جديد ؛ خاصة و أنّ هناك أسئلة تراودني منذ فترة. بخصوص مستقبلي السياسي. أما حان لي و لقومي أن نفكّر في ترك السياسة لنفتح المجال أمام شباب العصر…عصر العولمة و الاتصالات وصفحات التواصل الاجتماعي؟…أما حان لنا أن نفتح لهم الأبواب و أن نسير خلفهم مقابل أن يفتحوا لنا قلوبهم و صدورهم ، كي نتعانق و نتعاون في جوّ من التناغم و التفاهم والاحترام المتبادل ؟

 

التاريخ السياسي الشخصي

 

وعن لماذا لم تلتقي كوادر وأطر حركة الكادحين في نظام سياسي واحد ؟ كما أشرت آنفا ، أنا شخصيا بدأت أفكر جدّيا في التخلّي عن العمل السياسي ، دون أن أحسم الموضوع حتى الآن . وردّا على سؤالكم ، لا علم لي حقيقة بوجود إطار تنظيمي يلتقي فيه الكادحون. ولكنهم بالتّأكيد يتقاسمون نفس الأساليب و المناهج في التفكير و التحليل ، وربّما يلتقون في المواقف والمقاربات دون تواصل بينهم نتيجة التوافق في طرق و أدوات التحليل . علينا أن لا ننس الخلفية الفكرية التي تربطهم و أن لا ننس المدرسة التي جمعت بينهم. فلا غرابة مثلا أن تجد مقاربة سياسية عند محمدن ولد إشدو وتجدها نفسها عند محمد ولد مولود أو عندي أنا دون أي تواصل أو تشاور… و أعتقد أن الأمر ذاته ينطبق على البعثيين و الناصريين السابقين. و قد سمعت كلاما صحيحا في هذا الموضوع بالنسبة للبعثيين من الأستاذ أحمد ولد بيّاه… في كلّ الأحوال ، أقول لكم بصراحة بأنّني أستبعد تماما أن يجتمع أطر الكادحين أو غيرهم من أطر حركات سبعينيات القرن الماضي في جهاز تنظيمي موحّد ،لأن التاريخ لا يعيد نفسه ، و لا يمشي إلى الوراء.

 

 

أما عن عدم نجاحي في دائرة مكطع لحجار في انتخابات 2006 بعد سقوط نظام معاوية ولد الطائع ، وسؤالكم هل المأموريات التي فزت بها قبل ذلك كانت بفضل دعم النظام الحاكم ، بودّي أن أذكّركم بأنّ ما حصل لي و لغيري من أعضاء الحكومة المنقلب عليها عام 2005 هو بالذّات ما يسمّى اليوم بالعزل السياسي …أعضاء المجلس العسكري و خاصة قائد “البازب” و من هم على شاكلته قد حسموا أمرهم منذ البداية ، و قرّروا إقصاء كل الوزراء المطاح بهم من البرلمان. كما جنّدوا البلاد و العباد لسدّ الباب في وجه قوى الإصلاح الحقيقية التي ناضلت ، و كافحت ، و بذلت الغالي و النفيس على مدى عقد كامل من الزمان من أجل الإطاحة بنظام الرئيس معاوية. و بالفعل نجح “البازب” في إسقاطنا نحن الوزراء ، و نجح أيضا في تحصيل أغلبية خاصة به في البرلمان …تاركا معارضة الرئيس معاوية حيث كانت بالأمس : أقليّة نيابية…نعم ، إنهم نواب و شيوخ صاحب “البازب” ، بهم وعليهم يصول و يجول. بهم أطاح بالرئيس سيدي…و بهم يحكم البلاد من ” مستقلين ” إلى “عادل” إلى “الاتحاد” …بهم يؤجّل ، و بهم يُمدّد. باختصار ، إنّ انتخابات 2006 كانت مضبوطة جدّا من الناحية الإجرائيّة ، و مغشوشة جدّا من الناحية السياسية. ..فبالله عليكم : لوْ لم يكن الأمر كذلك ، كيف حصلت نفس النتيجة في مقطع لحجار، تجكجة ، لعيون ، ازويرات ، كرمسين ، أمرج بالنسبة للشيوخ ، الطينطان ، إلخ…؟ و كيف حصلت الهزيمة التي لحقت بكلّ الأحزاب مجتمعة في وجه “المستقلين”…ما هو الخيط الناظم وراء هذه النتائج ؟ إنه خيط ” البازب” و من والاه ، فقط لا غير.

 

و بالعودة إلى سؤالكم ، فأنا أحد أبناء مقطع لحجار ، واحد من جملتهم . بالتأكيد لست بأحسنهم ، وربّما لا أكون أقربهم للناخبين ، لكنني أيضا و بالتأكيد لست بأسوئهم ، و ربّما لا أكون أبعدهم من الشعب…و للدّلالة على ما أقول و ثقة منّي في نفسي ، و محبّة منّي لأخوتي جميعا ، أذكركم بأنّي بادرت فور تبلور النتائج الأولية بالمجيء إلى المنافسين و هنأتهم بفوزهم قبل إعلان النتائج الرسمية ، في خطوة هي الأولى من نوعها في المقاطعة. و بكلمة واحدة ، لو سلّمنا جدليا بأنني كنت أفوز فقط بدعم الدولة و حزبها ، لماذا لا نسلّم كذلك بأنني خسرت الانتخابات الأخيرة بسبب الدولة و نفوذها أيضا…على أية حال ، دعوني أقول لكم أن ليست هناك “أعْظَامْ ” بيني وبين مقطع لحجار…

 

وأما عن إستقبالي لسلفان شالوم أيام زيارته لأنواكشوط ، و الله إنّي لم أكن أتمنّى تلك الزيارة و لم أرحّب بها …لكنّها فرضت نفسها بأقلّ من شهر قبل أن يزورنا على الرّحب و السهل الرئيس محمود عباس…و الزيارتان حصلتا بعد ” تفاهمات شرم الشيخ ” بأقلّ من شهرين. و كنت آنذاك أتولّى الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة…في هذا السياق ، لكم أن تتصوّروا أن زيارة شالوم لم تكن في جوهرها زيارة لموريتانيا ، وإنما هي زيارة لجامعة الدول العربية …و سوف أتناول موضوعها بإسهاب في كتاب يعدّه أحد الأحباب عن “تجربتي في الحياة” . و قبل ذلك ، يمكنكم الرجوع إلى الزيارة بالصوت و الصورة و إعادة الاستماع إلى تصريحاتي و مراجعة حركاتي و سكناتي حتى تستيقنوا بأن الأمر كان عربيا و فلسطينيا بامتيّاز…أمّا أنا ، فلم أجد ، و ربّما لن أجد في حياتي ساعات أطول و لا أصعب من تلك الساعات . كنت أحذر كل شيء و أعتني بكل شيء…كنت أقوم بواجبي كوزير وكنت أخشى على وظيفتي التي هي أمانة في عنقي ، ولكنّي مع ذلك – بل أكثر من ذلك – كنت أخشى على كرامتي ومستقبلي ، وكنت أحسّ بمشاعر المتظاهرين و الموريتانيين قاطبة ولم يفارقني ذلك الإحساس طيلة الزيارة… أتذكر تماما أنّ أحد الإخوان سألني مداعبا : كيف سلّمت عليه ؟ فأجبْته ضاحكا بأنّني استحضرت أبيات المغفور له بإذن الله العلاّمة المختار ولد حامدون وهو يصافح امرأة غير محرمة ، فقال

 

مدّتْ إليّ يدَها ° و ما طلبتُ مدّها

وردُّها من واجبي° و ما استطعتُ ردَّها

و الحمد لله على ° أن لم تمُدّ خدّها

ألا يجوز في حقّي ما جاز في حقّ العلاّمة و الشاعر المختار ؟

 

انفاس

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى