دراسة بحثية حول النزاع الحدودي الإثيوبي السوداني

إعداد: حبيبه هاني الدسوقي

الزمان أنفو _
المقدمة
تعتبر الخلافات السودانية الإثيوبية واحدة من أقدم الصراعات داخل منطقة القرن الإفريقي، وواحدة من أشهر الصراعات الحدودية في المنطقة الإفريقية بما يزيد عن قرن من الزمان، والتي أدت إلى زيادة نسبة اللاجئين والنازحين في كلا الدولتين سبب ما شهدته من أعمال عنف.
تعود الجذور الأولى للصراع بسبب ما خلفه الاستعمار من بقايا خلافات وزعزعة استقرار المنطقة، كما أن تقسيم ورسم الحدود بين الجانب البريطاني الذي يمثل السودان قبل التحرر من الاستعمار، وبين اثيوبيا هي النقطة الأولى للخلافات، وأن الجانب الإثيوبي بسط نفوذه وسيطرته إلى مناطق خارج الحدود، كما زعمت الخرطوم أن الجانب الإثيوبي مازال يدعم بعض الجماعات التي تهدد الأوضاع داخل السودان وبالتحديد دارفور، وكذلك زعزعة الاستقرار مع الجار الإريتري، بسبب بعض اللاجئين الإريتريين الذين فروا عقب الحرب بين الجانب الإثيوبي والجانب الإريتري بعد الأحداث التي شهدت انفصال الدولتان، وقيام إريتريا بعزو المنطقة الشمالية من إقليم تيجراي عام 1993[1].
وفي ظل تصاعد وتيرة الأحداث بين الجانب السوداني والإثيوبي، ومع تصاعد حدة التوترات الداخلية بين أديس أبابا وتيجراي، الصراع بين إقليم تيجراي والحكومة في إثيوبيا، ليس مجرد صراع سياسي على الأحقية التاريخية للحكم، بل أمتد تأثير هذا الصراع على الدول المجاورة ولا سيما السودان، التي أصبحت الوجه الأولي للاجئين من إقليم تيجراي وإثيوبيا لطلب اللجوء بعد ما شهده هذا الصراع من توترات وأعمال عنف وقتل[2]، ووصول ما يزيد عن خمسين ألف لاجئ إلى شرق السودان[3]، الصراع القائم في أثيوبيا وإقليم تيجراي، يتسبب في وجود 5 ألاف لاجئ يومياً يتسللوا داخل السودان[4]
نتيجة لهذه الأحداث أتهم رئيس الوزراء الإثيوبي الجانب السوداني بدعم التوترات في إقليم تيجراي، كما تعرض الجيش السوداني في أواخر ديسمبر 2020 لهجوم من جانب جماعات مسلحة بقتل وإصابة العديد من الجنود السودانية على الحدود السودانية الإثيوبية، وتم اتهام الجانب الإثيوبي بتنفيذ الهجوم.
وكان الجيش السوداني قد أرسل تعزيزات أمنية لاستعادة بعض المناطق التي فرض الجانب الإثيوبي هيمنتها خصوصاً منطقة “الفشفة”، والتي تعتبر منطقة نزاع بين المزارعين من كلا الدولتين، ولما تتمتع به المنطقة من أهمية زراعية، نظراً لخصوبة هذه الأرض، نتيجة لرواسب الطمي من روافد نهر النيل.
ومع تصاعد وتيرة العلاقات بينهم، حاولت العديد من القوى المختلفة سعيها لذوبان جليد الخلافات بينهم، وعلى رأسهم مصر لما يرتبط بينهم بمفاوضات بخصوص نهر النيل، لكل إصرار الجانب الإثيوبي على إدخال بعض القوى التي تربط بين الجانب المصري والسوداني علاقات متوترة “كالجانب التركي” كان له تأثير سلبي تجاه مستقبل العلاقات.
وكان الجانب الإثيوبي قد أصدر بياناً على لسان رئيس أركان قوة الدفاع الوطني الإثيوبية، الجنرال برهانو جولا، والتي حذر فيها الجانب الإثيوبي من الانصياع لأطراف خارجية تسعى لعرقلة سُبل السلام والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي، وكذلك عرقة جهود السلام بينهم[5]، الأطراف الخارجية تعمل على تعطيل المفاوضات المتعلقة بسد النهضة، في ظل انشغال إثيوبيا اثيوبيا بالحرب في إقليم تيجراي، والسودان في فترة انتقالها السياسي على حسب تصريحه[6]، وأن الطرف الثالث أدى إلى ارتفاع وتيرة الخلاف بينهم، في ظل عدم رغبة الجانب الإثيوبي في الدخول في حرب حدودية مع الجانب السوداني، ولما يربط كلا الجانبين من علاقات تاريخية قديمة وسعي أثيوبيا لحل المشكلة سلمياً.
الدور المصري تجاه الأزمة بين السودان واثيوبيا
لعبت مصر دور قوي تجاه الصراع بين السودان واثيوبيا، وعملت على تقريب وجهات النظر، وفي أواخر يناير 2021، زار وفد سوداني القاهرة، في محاولة من كلا الجانبين في السعي للتوصل لبعض الحلول المُرضية للجميع، وقد استغرقت الزيارة نحو يوماً واحداً، وكان الوفد قد ترأسه السيد الفريق أول شمس الدين الكباشي، عضو المجلس السيادي، ومدير المخابرات ووزير الإعلام[7]، حيث جاءت هذه الزيارة في حرص البلدين الشقيين على إعلاء المصلحة العليا وبما يخدم مصالح الطرفين، خصوصاً العلاقات بينهم في مفاوضات سد النهضة.
دور الاتحاد الإفريقي لحل الأزمة
عمل الاتحاد الإفريقي منذ البدايات الأولى لتوتر العلاقات بينهم إلى محاولة تقريب وجهات النظر، ولعب الجانب الجنوب إفريقي قبل تسليم رئاسة الاتحاد للكونغو الديمقراطية دور قوي وحاسم في إذابة جليد الخلافات بينهم وسعى إلى تقريب وجهات النظر بينهم.
كما تم تعيين الدبلوماسي الموريتاني السيد محمد الحسن كمبعوث للاتحاد الإفريقي، في وسيلة لحل التوتر الحدودي بين الجانب الإثيوبي والجانب السوداني، والذي سيعقد جلسة في لسودان يلتقي فيها مع السيد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، ورئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان، سعياً لتخفيف حدة الصراع، بعد قيام السودان باستدعاء سفيرها لدى اثيوبيا والمندوب الدائم للاتحاد الإفريقي.
 السيناريوهات المحتملة تجاه الأزمة
من خلال ما تقدم نجد أن هناك بعض السيناريوهات المحتملة فيما يتعلق بالصراع القائم، نتيجة تواجد معطيات تاريخية، ووجود تبادل اتهامات بي الجانبين صعب من طبيعة الأمور القائمة، فنجد أن هناك أربع سيناريوهات محتملة لمستقبل الأزمة.
أولاً استمرار تصاعد الأزمة
في هذا السيناريو يتوقف الباحث استمرار تصاعد وتيرة النزاعات بينهم، خصوصاً بعد تصاعد وتيرة المناوشات والتصريحات بين الجانبين، وعلى أثر تبادل الهجمات العسكرية، وقامت اثيوبيا أمس بعقد اتفاق عسكري مع حكومة جنوب السودان[8]، والتي من الممكن أن تكون أداة ضغط تجاه الخرطوم، وسعي أثيوبيا بتضييق الخناق حول السودان.
ثانياً تدخل العديد من الأطراف الدولية والاتحاد الإفريقي
حيث في هذا السيناريو يمكن القول بأهمية دور المنظمات الاقليمية والدولية والدول الكبرى في السعي لتقريب وجهات النظر، والعمل على انهاء الخلاف بينهم والعودة لمائدة المفاوضات، كما يُلقى على الكونغو دور كبير في هذا الصدد بعد رئاستها للاتحاد الإفريقي، وقد تنجح هذه القوى خصوصاً لتشابك الملفات بين البلدين.
ثالثاً التوصل إلى وجهات نظر متقاربة لحل الأزمة
وهو السيناريو الذي ربما يكون قريبا بعد التدخلات التي قامت بها بعض الجهات، خصوصاً فيما يتعلق بوضع العلامات الحدودية بين اثيوبيا والسودان، والعودة لاتفاقية 1902 التي تم توقيعها في أديس أبابا مايو من نفس العام، والتي ينص مادتها الأولى على الحدود الدولية بين البلدين. 
السيناريو الرابع استمرار الأعمال العسكرية والهجمات التي تقوم بها اثيوبيا للعدول على توسع السودان في الأراضي، خصوصاً بعد استعادة لسودان لبعض المناطق التي فرض الجانب الإثيوبي هيمنتها خصوصاً منطقة “الفشفة”.
الخاتمة
من خلال ما سبق، نجد أن الخلافات السودانية الإثيوبية واحدة من أقدم الصراعات داخل منطقة القرن الإفريقي، وواحدة من أشهر الصراعات الحدودية في المنطقة الإفريقية بما يزيد عن قرن من الزمان، فالخلافات القائمة تعود للجذور التاريخية نتيجة رسم الحدود بين الجانب البريطاني والجانب الاثيوبي، كما تم التعرف على أهم السيناريوهات التي من المحتمل حدوثها مستقبلاً، لكن على أن حال العلاقات بين البلدين تاريخية وقائمة، وقد تتدخل العديد من القوى الكبرى والمنظمات الإقليمية لإعادة الأمور إلى طبيعتها، خصوصاً لما يرتبط بين البلدين من مصالح مشتركة.
 
دراسة بحثية للباحثة/ حبيبة هاني الدسوقي
باحثة في الشئون السياسية والعلاقات الدولية

[1] فاروق حسين أبوضيف، تداعيات الصراعات الحدودية في الفرن الإفريقي وتأثيرها على حالة الاستقرار، المركز العراقي الإفريقي للدراسات الإفريقية، 17 يونيو 2020.

[2] فاروق حسين أبوضيف، دراسة بحثية غير منشورة حول/ تأثير اللجوء والنزوح على حالة الاستقرار لدول الساحل الإفريقي والصحراء “دراسة حالة “دولة تشاد”.

[3] خلاف منذ 120 عاما.. ماذا حدث على الحدود السودانية الإثيوبية؟، سكاي نيوز بالعربية، 30 ديسمبر 2020.

[4]   الدكتور أيمن الزهري خبير السكان ودراسات الهجرة في مداخله له عبر قناة ME sat للتحول الديموغرافي في السودان.

[5] الجيش الإثيوبي يحذر السودان من “طرف ثالث” يدفعه “لخوض حرب”، روسيا اليوم، 21 يناير 2021.

[6] مرجع سابق.

[7] مرتضي كوكو، وفد سوداني بالقاهرة .. جولة بشأن تطورات الحدود، العين الاخبارية، يناير 2021.

[8] أتفاق للتعاون العسكري والأمني بين أثيوبيا وجنوب افريقيا، قراءات إفريقية، 21 فبراير 2021.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى