اليوم العالمي للغة العربية/ د.محمد ولد الراظي

الزمان أنفو –

غدا تحل الذكري الخمسون لإعتماد الأمم المتحدة اللغة العربية سادس لغة رسمية للمنظومة الدولية من بين أكثر من 3000 لغة في العالم.

ورغم هذا الإعتراف العالمي بمكانة هذه اللغة ودورها التاريخي في نشأة الأمم ودورها الحاضر في ربط الشعوب والثقافات الحية فما زالت اللغة العربية تتعرض لحملات منظمة تنتقص منها ومن دورها وتسعى لتجاوزها حتى في بعض البلدان ذات الأغلبية الناطقة بها.

يغذي هذا الجهد مشروع استعماري مكتمل الأركان له أذرع طويلة وأموال موفورة ومؤسسات إعلامية ضخمة ونفوذ قوي في مراكز صناعة القرارات الإقليمية والدولية.

ولأن موريتانيا في جغرافيتها وتركيبتها السكانية نقطة تواصل بين العالم العربي المسلم والعالم الإفريقي المسلم ولأن اللغة العربية هي لغة القرآن المفصحة عن كنهه ومقاصد آ يه ولأن موريتانيا بلد حديث النشأة و ليس له عهد قريب بمؤسسات الدولة فآخر عهد له بالدولة كمؤسسة وحكم مركزي ونظام كان أيام الدولة المرابطية ولا يملك أبناؤه ثقافة تراكمية حول إدارة الحكم ولأن اللغة العربية هي الوحيدة القادرة على منافسة وتحييد اللغة الفرنسية من المنطقة فقد اختارها الإستعمار لتكون البطن الرخوة في حملة فك الارتباط بين العالمين العربي والإسلامي وإدامة سيطرته على دول وشعوب المنطقة لأطول فترة ممكنة.

كان الذي كان في مؤتمر ألاكْ من رفض لبحث موضوع الهوية وترسيخها كاد أن يفشل المؤتمر ثم جاءت أحداث 66 ولحقتها يوميات 86 وما سبقها وما تبعها من لواحق سلسلة من حلقات مجهود ضخم يسعي للدفع باللغة العربية بعيدا إلى الخلف فتصبح البلاد استثناءا مريبا ومعيبا في العالم و الدولة المستقلة الوحيدة التي تكابد لتأخذ لغة الأغلبية بها مكانتها الدستورية في الإدارة والتعليم والمعاملات.

ومن الملاحظ المؤسف أنه كلما تقدمت البلاد خطوة إلى الأمام في ترسيم اللغة العربية تراجعت خطوات إلى الوراء في تفعيل ذلك ولم تسلم من ذلك مؤسسة ولا هيأة رسمية وحتى المؤسسة التشريعية التي من المفترض أنها الضامن الأساس لتجسيد إرادة الشعب وتفعيل قانونه الأساس سارت على نفس المنوال في تتفيه لغة شعب وأمة يجدر بها أن تكون لسانه ونبضه.

في التاسع من يوليو عام 2019 اعتمد المجلس الدستوري قرارا بحصر التداول داخل الجمعية الوطنية في اللغة العربية واللغات الوطنية البولارية والسونكية والولفية لكن الغرفة التشريعية فشلت في تفعيله وعادت اللغة الفرنسية بقوة أكبر بل نجحت في استحصال حاضنة برلمانية ضمت بعضا من الذين يرون أنفسهم حماة الفقه التراثي والخط الأول للدفاع عن الثوابت الدينية للأمة……
وبمناسبة هذا اليوم يوم اللغة العربية أعيد نشر مقال كنت نشرته منذ سنوات طويلة وتصرفت فيه قليلا لتحيين حجم ما تتعرض له اللغة العربية من حملات ممنهجة تختلف أسبابها ويتوافق أصحابها في تصوير اللغة عامل فرقة لشعب ظلت لقرون خيط وحدته الناظم وعنوان انسجامه وألفة مكوناته ولا يتخلف عن هذا الجهد المنظم قادة اليسار ودعاة العلمانية وقادة الإسلام السياسي ووكلاء فرنسا من عرب وغير عرب……..

يتناول المقال في النقطة الأولى عرضا موجزا للخريطة الثقافية في موريتانيا وفي النقطة الثانية دور ومكانة اللغة العربية في الإسلام و رأي الشرع الإسلامي في تفعيل دورها الضابط للعلاقات داخل المجتمعات الإسلامية.

أما في النقطة الثالثة فيتعرض المقال لبعض النماذج في التعامل مع المسألة الثقافية في كل من السنغال وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا ثم يقدم في النقطة الرابعة ردودا على الذين يقولون بعدم قدرة اللغة العربية على نقل المعارف من خلال استعراض مكانتها بين لغات الأمم الأخرى بالأمس واليوم.

يجمع خبراء القانون و السياسية ونظم الحكم أن اللغة الرسمية لأي بلد هي لغة أغلبية سكانه إلا في حالة واحدة حين يختار هؤلاء لغة أخرى لأي سبب كان كتخلف لغتهم المحلية عن لعب الدور المنوط باللغة الرسمية في الإدارة والتعليم أو حين لا تكون اللغة مكتوبة ولا مقوعدة وغير قادرة على أن تسع المعارف والعلوم…..

الخريطة الثقافية في موريتانيا :

تتكون التركيبة الثقافية في بلادنا من مكونات أربعة:

  • الناطقون بالعربية وهم غالبية سكان البلد فهي لغتهم الأم نطقوا بها في المهد وما استزادوا بهجرة وافدة فكانوا فيها سواء وكانت لهم جميعا اللغة والهوية لا أحدا أقرب لها من آخر ولا أحدا تستعصي عليه أكثر من غيره وهؤلاء يمثلون على أقل تقدير 90% من سكان البلد.
  • الهالبلار : وهم الناطقون بالبولارية تجمعهم جميعا سواء منهم من كان من سلالات فلانيةPeuls خالصة أو من ترجع أصوله إلى التمازج الذي حصل مع القوميات الأخرى إبان فترة حكم القائد والمصلح الكبير المرحوم سليمان بالSouleymane ball في القرن 18 و نتج عنه ما أصبح يعرف بالتوكولور مزيجا من التزاوج البيني والذي شمل كل المكونات بما فيها المكون العربي فأصبح الجميع ينطق بالبولارية وأصبح الجميع نسيجا ثقافيا واحدا تتساوى المسافة بين مكوناته ولغتهم الجامعة البولارية.
  • الولوف : وهم الناطقون بالولفية
  • السونيك : الناطقون بالسنوكية وهي مجموعة ترجع أصولها لإمبراطورية غانا الشهيرة.
    يجمع الإسلام بين هذه القوميات كلها و شاركت جميعها بأدوار مشهودة في نشر الثقافة العربية الإسلامية في القارة السمراء والحفاظ عليها والتمسك بها والدفاع عنها وشاركت أيضا في محاربة الإستعمار وشاركت في تأسيس الدولة الحديثة واللغة العربية لغتهم جميعا كما هي لغة المسلمين كافة.

اللغة العربية لغة المسلمين كافة:

لم يقل أحد في الماضي و لا يقول أحد في الحاضر بأن للعرب لونا خاصا بهم ولم يكن العرب يوما إلا أمة يجمعها اللسان العربي كخيط لغوي ناظم.
فالرسول (صلعم) يقول: “ليست العربية بأحد منكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان…فمن تكلم العربية فهو عربي.”
لم يكن الإمام نافع أبيض البشرة ولا أبو عثمان الجاحظ ولا رابعة العدوية ولا بلال ولا الحسن البصري وماكانوا من سلالات عربية بل كانوا من أصول هانت قبل الإسلام فعزت به وتبوأت باللغة العربية وأدبها أعلى مراقي السؤدد والمجد……..ولو كان اللون عامل ترابط قومي لكنا سمعنا بحضارة البيض و السود و الملونين بدل الحديث عن حضارة بابل وآ كد و آشور و الإغريق و الفراعنة و العرب و الرومان و الهند و الفرس واللغة العربية هي لغة المسلمين بكل ألوانهم وثقافاتهم يلاقون بها ربهم في اليوم خمسا وبها نزل الكتاب الجامع حملته مفصحة مبينة إلى كل فجاج الأرض .
ذهب ابن تيمية – والراجح أنه إما كردي أو تركماني- للقول إن نفَس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب لأن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ً.
ويزيد فيقول “اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ” في حين يقول الإمام مالك : “من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه ……” وليس هذا من قبيل الإكراه بل حرصا من إمام دار الهجرة على أن يتعلم المسلم اللغة العربية ليدرك بنفسه الكثير من الأبعاد الإيمانية للدين تعجز الترجمة عن الإفصاح الكامل عنه.
يقول المطالبون بتهميش العربية أو الرافضون التعامل بها إن دولا ممن نشترك معهم في الكثير من الخصائص والمميزات تشبثت بلغة أخرى و اختارت طريق “اللائكية” في الثقافة فتنازلت الأغلبية عن هويتها من أجل المساواة وخوفا من غبن الأقليات ويدفعون مثلا بالنموذج السنغالي جهلا لتجربة السنغال أو قصدا بغية تشويه المشهد لتحقيق غاية عز الوصول إليها بالدليل والبرهان ولأن السنغال جار تجمعنا به وشائج قربى وروابط كثيرة في ماضينا المشترك وحاضرنا فستكون التجربة السنغالية أول ما سنراجعه في هذا المنوال ثم يكون الحديث عن تجارب كل من فرنسا وايطاليا وإسبانيا……مثالا لا حصرا

  • التجربة السنغالية:

مرت التجربة السينغالية بمراحل عدة تتوالد من بعضها وتسعى لإنصاف أكثرية نسبية من مكونات الشعب تزاحمها اثنتان في الحجم الديمغرافي و تقبل بصدارتها.
تشير آخر الإحصائيات أن التركيبة السكانية للسنغال تتكون من :
* الولوف بنسبة 43.7% وكما هم الهالبلار جمع للناطقين بالبولارية من ذوي الأصول الفلانية والمنحدرين من التمازج القومي المتنوع (التوكولور) فإن الولوف في السنغال يجمعون الناطقين بالولفية من سلالات ولفية خالصة و من قبائل اللبو Lebous سكان منطقة الرأس الأخضر التي تشمل دكار وما حولها والذين “تولفوا” لاحقا وكانت لهم لغتهم الخاصة فانصهروا في الولوف.
* الهالبولار (الناطقون بالبولارية): تبلغ نسبتهم 23.2% من سكان البلاد ويبلغ الفلان 12% من هؤلاء والبقية توكولور
* السيرير: 14.8 %
والبقية مجموعات بنسب قليلة.
فهذا البلد المتعدد القوميات والذي كان أول مستعمرة فرنسية في غرب إفريقيا- وصله الفرنسيون مستعمرين عام 1659- لم تكن به لغة محلية مكتوبة و ترك فيه المستعمر سطوة ثقافية قوية وحضورا سياسيا مؤثرا بعد تنصيب ليوبولد سيدار سنغور كأول رئيس للبلاد مسيحي من السرير مجموعته الدينية أقلية داخل السنغال وأقلية داخل مجموعته القومية ومجموعته القومية أقلية داخل السنغال في المرتبة الثالثة بعد الولوف والهالبولار ولكن له ما يشفع له أنه واحد من أكبر المهووسين بعشق اللغة والثقافة الفرنسية وواحد من أكبر الكتاب والشعراء الناطقين بهذه اللغة.
حين دفع به الإستعمار لواجهة الحكم وهو يغادر السنغال كان لابد له من معادلة تمكنه من البقاء في الحكم مدركا الصعوبات التي تواجهه من حيث حجم المسيحيين في البلاد والسرير بين المكونات القومية ولكنه كان مدركا أيضا لقوة الدفع التي مازال يملكها المستعمر في هندسة السياسة المحلية للبلاد…..فكيف تتجاوز “ديمقراطية” السنغال الجديد ضعف الحاضنة القومية والدينية لرئيس وحده من تأمنه فرنسا على مستعمرتها السابقة وقاطرة وجودها في غرب إفريقيا ؟ كان لابد من نص دستوري بمقاسات رأس السلطة الجديدة فكتب “سنغور” في دستور السنغال بمادته الأولى أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد وكتب النشيد الوطني بها ثم نصت المادة 28 بإلزامية أن يكون المرشح للإنتخابات الرئاسية مجيدا للغة الفرنسية كتابة وقراءة وبيانا ولم يكن غير سنقور من تجتمع فيه هذه الصفات فكان أول رئيس للبلاد بلا منازع …..
ستشعر النخب السياسية والفكرية السنغالية مبكرا بحيل الرئيس “سنغور” فتبدأ بمقارعته وترفع شعار الدفاع عن الهوية الولفية للسنغال يتصدرها العالم الكبير الشيخ أنتا ديوب Cheikh Anta Diop

سار العالم الكبير يجوب السنغال طولا وعرضا للتبشير بدعوته والتنبيه لمخاطر الإستعمار الجديد فكان يردد في حله وترحاله “أن الإستعمار ذهب بأشخاصه البيض وبقي في ثقافته” ونال سندا قويا من كثير من الكتاب والادباء السنغاليين وخاصة من الكاتب الكبير سمبين عصمان Sembene Ousmane.

واصل الشيخ أنتا اديوب نضاله محذرا من السطوة الثقافية الإستعمارية: “إن فرض اللغات الإستعمارية لن يكون إلا معيقا لتنمية إفريقيا” واستقطبت دعوته الكثير من المثقفين والكتاب مما سيرغم الرئيس سنغور على البدء بخطوات ملموسة لتدريس الولفية عام 1977 ففتح 15 فصلا لتدريس اللغة الولفية وبعد ذلك بفترة وجيزة فتح فصلا واحدا للسرير وفشل في الجميع حتى رحل سنة 1980 .
ولكن هذا الفشل لم يمنع السنغاليين الذين ينطقون ويفهمون الولفية بنسبة 80% – رغم أنها تمثل اللغة الأم لما يقارب 44% فقط من السكان – من مواصلة نضالهم لإثبات هويتهم وهو مسعى يتحقق تدريجيا.
بدأت الولفية تزاحم الفرنسية أمام المحاكم وفي المؤسسات حيث أن الخطوط الجوية السنغالية أصبحت تستخدمها مع الفرنسية وشركات الهاتف النقال تبث رسائلها بها وحدها مع الفرنسية والجريدة الرسمية السنغالية – بعد أن ظلت ردحا طويلا من الزمن باللغة الفرنسية وحدها- أصبحت الآن تطبع بنسخة ولفية.
هنا تجدر الملاحظة أن الجميع في السنغال يقبل بحقيقة أن الولوف أغلبية سكان البلد، فلم نجد بولاريا سنغاليا أو بيظانيا من السنغال-حيث يمثلون أكثر من 1% – يتحدث عن عنصرية ثقافية أوعن هيمنة الولوف.
وقد توالت مجهودات الدولة في سبيل استرجاع الهوية الثقافية بوتيرة متسارعة حتى وصل الأمر بالرئيس عبد الله واد إلى أن عبر عن عزمه إلزام كل الوزراء بدراسة الولفية ليكون كل واحد منهم قادرا على فهمها والتعبير بها و لم يعترض أحد ولم يسأل أحد عن هوية ضائعة ولم يقل أحد بظلم أو إجحاف راح ضحيته.

التجربة الفرنسية :

في فرنسا لغة الدولة الرسمية والإدارة والمحاكم والأحزاب هي اللغة الفرنسية رغم أنه توجد بفرنسا -على الأقل- سبع قوميات متفاوتة الأحجام.
ورغم تنوع فرنسا الثقافي والإتني فقد صدر مرسوم يجرم استخدام أي مصطلح غير فرنسي من أي مسؤول عمومي مع العلم أن كل هذه اللغات الثانوية مكتوبة ومقوعدة فقبل الجميع بالقرار فكل فرنسي يرى اللغة الفرنسية لغته يدرسها ويتحدث بها ولا يشعر بميزة عليه من مواطنه ذي الأصول الغولية ولا يشعر بغبن الأغلبية له و لا يتحدث عن “أبارتيد” ثقافي في حقه.
وهذه الدولة التي أخذنا عنها الكثير بعربنا وغير عربنا وأخذ عنها جوارنا الكثير في الشمال والجنوب من القوانين والتنظيم والإدارة هي خامس أقوى اقتصاد في العالم ورابع أقوى قوة عسكرية فيه تخشى على هويتها فتنشئ وزارة مكلفة بها …

التجربة الإسبانية:

غير بعيد عن فرنسا فقد أقرت اسبانيا في المادة الثالثة من الدستور : “إن الكاستيان (الإسبانية) هي اللغة الرسمية للدولة وكل الأسبان عليهم واجب معرفتها وحق استخدامها”.
فمعرفة اللغة الرسمية واجبة بنص القانون في دولة تضم 11 لغة أخرى مكتوبة من بينها 4 لغات تنطق بها أقليات كبيرة كالكاتلان والباسك والآراني والغاليسي.

التجربة الإيطالية:

تضم الخريطة اللغوية في إيطاليا 12 لغة مكتوبة بحرفها وقواعدها وصرفها ونحوها إلى جنب اللغة الرسمية ومن بين هذه اللغات لغات حية كالفرنسية والجرمانية.
ففي المادة الأولى الفقرة الأولى من القانون 1999/482 “اللغة الرسمية للجمهورية هي الإيطالية”. وورد في المادة 122 من قانون الإجراءات المدنية أنه “خلال المحاكمات يلزم استخدام الايطالية وحين يمثل شخص لا يفقه الإيطالية أمام المحكمة فبإمكان القاضي تعيين مترجم.”

العربية بين لغات الأمم :

يدفع الكثير من خصوم اللغة العربية بحجة أنها ليست لغة معارف وليست عاملا للنهوض المعرفي والعلمي وأن من يريد الأخذ بأسباب التقدم عليه التشبث بالفرنسية وتعميم التدريس والمعاملات الرسمية بها.

عن هذه اللغة قال المفكر الألماني ٌفريتاج ً إنها أغني لغات العالم.
وينسي هؤلاء أن اليابان تدرس باليابانية وأن الصين تدرس بالصينية، ولم يعقهما ذلك عن أن تكونا واحدتين من أقوى الدول في العالم وأكثرها ازدهارا ونموا بل تزاحمان فرنسا و أمريكا وتصدران البطالة إليهما وبدأت الصين رحلتها لتصبح الإقتصاد العالمي الأول….

ثم إن القول بقصور اللغة العربية عن مسايرة التطور والتحجج بذلك للدفع باللغة الفرنسية نحو الواجهة يسحب كل شرعية من يد المطالبين بتدريس اللغة البولارية واللغات الوطنية الأخرى…
واللغة العربية- بإجماع الكثير من العلماء والخبراء من غير العرب- هي اللغة الأم لكل اللغات السامية بل إن البعض ذهب إلى القول بأن سيدنا موسى كان ينطق بها وأن التوراة في نسختها الأصلية قد تكون كتبت بها وهو مايفسر عجز اليهود عن الإتيان بنسخة مكتوبة بالعبرية إبان نبوءة موسى.
ومن دلائل ذلك ما نزل في القرآن الكريم “وإلى مدين أخاهم شعيبا” ومعروف أن مدين عربية وأن موسى لما وصل إلى البئر خاطب بنات الشيخ الكبير بسهولة وتزوج لاحقا إحداهما وكلمة الله بعد حين … بهذه اللغة.
وقد نقل الجاحظ أن “سيدنا إسماعيل نطق بالعربية المبينة وحباه الله من طبائع العرب وثقافتهم وماكان من عاداتهم وتقاليدهم …..”
كما تؤكد الكثير من الدراسات أن المسيح عليه السلام آرامي والآرامية فرع من اللغة العربية القديمة.
ومعروف أن لغة استوعبت معاني القرآن وألفاظه ودلالاته وشموليته وشعت بعد ذلك علما وحضارة وكانت من قبل قد احتضنت كل الثقافات القديمة، ليست عاجزة أن تنقل شحنة معرفية في هذا الزمان……
لم تكن الثقافة العربية يوما ثقافة منفرة بل تكاد تكون من أكثر الثقافات جذبا حيث لم يشعر أحد بالغبن فيها بل إن قواعدها وعروضها ونحوها وصرفها وبيانها وشعرها كلها تدين لغير العرب بالدور الكبير.
لم يكن سيبويه من ولد عدنان ولا من بني قحطان حاله حال الخليل وابن الرومي وأبي نواس كما أن أبا حنيفة النعمان أول الأئمة لم يمنعه انتماؤه غير العربي من أن يكون كما هو.
إن يوم اللغة العربية يوم لكل الموريتانين واللغة العربية لغتهم الجامعة كما كانت أول مرة قبل تسييس المشهد الثقافي وعليهم جميعا واجب تفعيل مكانتها كلغة ناظمة للإدارة والمؤسسات والتعليم والمراسلات…..

من مفارقات المشهد السياسي في بلادنا أن يقف نواب شعب داخل قبة البرلمان يعبرون عن هموم دوائرهم الانتخابية باللغة الفرنسية أمام نواب لا يفقهونها وعن دوائر لا أحدا فيها سيفهم شيئا مما يدعو له نائبه حين يتابع مداخلاته على الشاشة وحين يعود النائب لدائرته في أول استحقاق انتخابي سيخاطب الناخبين بلغتهم المحلية…..فلماذا اللغة الوطنية في الحواضر والأرياف واللغة الفرنسية في البرلمان ؟ لا بد أن يدا خفية وراء ما يحصل ولا شك أن فرنسا هي التي تدفع في ذاك الإتجاه……وقد حان الوقت لنقول لفرنسا اغربي فقد فعلها قوم آخرون فما خسروا شيئا وربحوا أنفسهم وشرفهم وذواتهم أعني هنا مالي والنيجر وبوركينافاسو وغينيا والغابون وعلى الأبواب تشاد والتوقو والكونقو…..
إن أفضل ما نخلد به هذا اليوم هو أن نقف صفا واحدا مطالبين بتجريم الحديث والمراسلات باللغة الفرنسية في دوائرنا الرسمية وأن نطالب بتوحيد كتابة لغاتنا الوطنية بالأبجدية العربية لنقل المعارف وتسهيل التواصل كما أدركت ذلك شعوب مسلمة كثيرة درست لغاتها كلها بالحرف العربي كالفرس والطورانيين والبشتون والسند والأرديين……وكما كان حال الموريتانيين من غير الناطقين بالعربية إذ كتب بها “موسي كمارا” مؤلفاته الجمة و كتب بها “الحاج عمر الفوتي” “النصح المبين” و “سيوف العدل” و”رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم” و غيرها و ظل “موسى كمرا” بولاريا كما ظل “الحاج عمر الفوتي” فوتيا حتى استشهد في واقعة الجبل.

إقرا أيضا للكاتب:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى