100سنة بعد رحيله.. الشيخ أحمد الشمس في سطور

الزمان أنفو – هو الشيخ أحمد بن الشمس محمذن فال بن عبد الله بن الشمس المختار بن الشمس محمذن أغربظ بن الشمس المختار بن باب الشمس بن المختار بن الأمين بن النجيب، وأمه الناصرة بنت باب الكبير بن حمدي بن المختار بن الطالب أجود.
ينحدر من أسرة الأشماس، بيت الزعامة في إدولحاج، والشمس علم على منصب ديني وسياسي، وهو لقب يطلق على رئيس إدولحاج الگبله، الذين قدموا من وادان في القرن 10 هـ، وكان لهم نفوذ واسع على ضفتي النهر وإشعاع علمي وروحي ودور اقتصادي وسياسي بارز.
ولد الشيخ أحمد بن الشمس ونشأ في الشريط الترابي الرابط بين روصو والمذرذرة وتكند.
درس في محيطه الأسري على والده وعلى جده لأمه باب بن حمدي، ولمرابط باب بن محمذن بن حمدي، وفي هذا الوسط تلقى الورد الشاذلي، ثم تنقل لأخذ العلم بين محاظر إديقب وأهل محمد سالم، وتميز في هذه الفترة بالجد والاجتهاد، ثم رحل إلى الشيخ ماء العينين في اصماره فلازمه أكثر من ثلاثين سنة، وأصبح من أخص خواصه، وأخذ عنه الفقه والأصول والمصطلح وعلم التفسير واللغة والنحو وعلوم البلاغة، ثم أخذ عنه أوراد الطرق حتى أجازه وصدره إلى أهله، وعاد إليه بعد ذلك، فعينه على رأس زاويته في فاس سنه 1321 هـ، وهناك ظهر بين علماء فاس فأذعنوا له وعرفوا له قدره واستفادوا منه، وألف بطلب منهم كتابه الشهير “النفحة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية”.
ومن أشهر من تتلمذ عليه بفاس: عبد الحفيظ بن محمد الطاهر الفاسي الذي ترجم له في كتابه معجم الشيوخ المسمى “رياض الجنة” ص 97 – 99، والقاضي أحمد بن العياشي سكيرج، ومحمد المختار بن أوكال الكنتي الذي رحل معه إلى الحجاز ولازمه حتى توفي.
وفي المدة التي أمضاها في فاس أقام علاقات متميزة مع كبار رجال الدولة في عهد السلطانين عبد الحفيظ وعبد العزيز، وكان يراسل الشيخ ماء العينين بتطورات الأوضاع في المخزن المغربي والسفارات الأوربية، وقد تطورت هذه الروابط إلى المصاهرة، حيث تزوج الشيخ أحمد بالسيدة لاله زهراء بنت القائد إدريس بن يعيش حاجب بلاط الملوك العلويين، وهي أخت لاله مينه زوجة السلطان مولاي عبد الحفيظ الذي كان عالما وشاعرا وصديقا شخصيا للشيخ أحمد ومعجبا به، وقد قرظ كتابه النفحة الأحمدية بقطعة مطلعها:
تيمم أخا الفتيان نفحة أحمدا
عليها حلى العرفان والعلم والهدى
كتاب يعم الخافقين مزية
لتضحى بسبل الحق في سلك أحمدا
عليها من الأنوار نور توقدا
كما عم ضوء الشمس من ليس أرمدا…

ولما اطلع القاضي الأديب أحمد سكيرج على هذا التقريظ أنشأ هو الآخر قطعة يقول فيها:
أجبنا أمير المؤمنين لك الندا
رأينا الذي أرشدتنا لطريقه
وهل هو إلا الأنجم اقتبست سنا
فنلنا بما أرشدتنا الفضل والندى
غدا في سبيل الحق نورا مجردا
من الشمس في العليا بها كان الاهتدا…

وكان الشيخ أحمد واسع الاطلاع والمعرفة بشؤون الدولة، كما كان يرصد نشاط قناصل الدول الغربية في فاس، وخاصة تحرك الفرنسيين في الحدود مع الجزائر.
كما كان الواسطة في كثير من الأمور الخاصة بين الشيخ ماء العينين وبين سلطان المغرب.
وأشرف على طباعة بعض كتب الشيخ ماء العينين في المطبعة الحجرية بفاس، كما طبع بها كتابه النفحة الأحمدية، ويكون بذلك أول كتاب موريتاني مطبوع حسب علمنا، قبل أن يطبعه مرة أخرى بمطبعة الجمالية في القاهرة مريده التاجر المصري محمد أفندي الحلو عام 1330 هـ.
وله من التآليف غيرها:
– ملجأ المضطر ومنجاه لما من ربه يترجاه، وقد طبعه بعض تلامذته بالهند.
– خلع النعال في السفر إلى الكبير المتعال
– مخ العبادة التي أمر الله بها عباده
– تذكرة المريد في التصوف
– الممسك في ذكر كل منسك
– الجمع في الأسفار وحكم الأسفار، فرغ من تأليفه 10 ربيع الثاني 1340، ومنه نسخة بخط المؤلف في المكتبة الزيدانية.
– الدعائم القرآنية الأثرية للطريقة الشرعية الحقية
– بريد أهل التجريد لتذكير المريد، في التصوف.
– شرح تجريد أهل التجريد لتذكير المريد، وهو شرح للذي قبله.
– مجموعة أنظام توسلية، توجد بمكتبة العلامة المجاور الشيخ أحمد بن العزيز التاشدبيتي المدني
– ديوان شعري، يغلب عليه الطابع التقليدي، واستخدام المحسنات البديعية، يقول في مطلع قصيدة في الشيخ ماء العينين:
طيف أتى سحرا وهاج ما خلدا
من الأسارى ولم تشعر بثين بذا
ومسني نصب أفادني وصبا
في اللب من شغف قد غادر الخلدا
وبت ذا جزع لم أستطع جلدا
لما رأت شنبا عيناي والبردا…

ويقول في مطلع أخرى:
شد الغرام وجن الليل وارتتقا
والليل مرتتج والقلب منزعج
على حنادس ما قد كان منفتقا
والصدر منحرج قد ضاق وانغلقا…

رحلته إلى المشرق:
بعد وفاة الشيخ ماء العينين واستيلاء الفرنسيين على بعض مدن المغرب، هاجر الشيخ أحمد بن الشمس بمريديه وحاشيته إلى بلاد الحرمين، وكان سبب هجرته عن المغرب أن الخليفة الشيخ أحمد الهيبة ابن شيخه الشيخ ماء العينين أخبره بنيته الثورة على السلطان مولاي عبد الحفيظ وخلعه، ولم يكن الشيخ أحمد يرى ذلك، فآثر الهجرة بأهله وتلامذته إلى الحجاز للحج والمجاورة.
ولما تهيأ للسفر من فاس نظم تلميذه القاضي أحمد بن العياشي سكيرج قصيدة في توديعه منها:
قفوا ساعة حتى أودعكم قلبي
أحبة قلبي هل دريتم بأنني
فقد غبت عن حسي بأخذكمُ لبي
على عهدكم أبقى لدى البعد والقرب…

وفي طريقه إلى الحجاز مر بالقاهرة ومكث بها مدة، وتباحث مع علمائها فأعجبوا به وأقروا بفضله، وممن اعتقد فيه وصحبه السيد عبد الفتاح الطنطاوي والسيد محمد أفندي الحلو الذي تقدم أنه تولى طبع كتابه “النفحة”، وكانت له حلقة بالجامع الأزهر، من أشهر من أخذ عنه بها محدث العصر العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر، وقد ورد في كتاب جمهرة مقالاته ص 50 أنه أجازه بجميع علمه.
وقد وصل الحجاز في زمن الأتراك العثمانيين، الذين حظي عندهم بمكانة خاصة، وتلقاه العلماء والعامة بالقبول وأصبح له نفوذ كبير حتى كان يؤمن مواكب الحجيج بين الحرمين في زمن كثر فيه اللصوص وقطاع الطرق.
وقد استقر به المقام مجاورا في المدينة المنورة حيث اشترى دارين سكن إحداهما ووقف الأخرى على التلاميذ وغرباء الشناجطة، وأقبل عليه أهل الحجاز إقبالا بليغا، وكان يحج كل عام بمن معه من الناس، وأعطاه الله تسخير القبائل التي كانت تقطع الطريق فتابوا على يديه وتتلمذوا عليه، فلم يزل يجير الحجاج من جميع الأقطار سنين عديدة إلى أن توفي، كما كانت له حلقة عامرة بتدريس مختلف الفنون بالمسجد النبوي وفي منزله، تضم طلابا من جنسيات مختلفة من بلاد الشام والهند والمغرب والحجاز وتركيا، حتى طار له صيت كبير في أنحاء العالم الإسلامي آنذاك، ورتب له نظام الحيدر آباد في الهند وظيفة (راتبا) تسلمتها بعده ابنته عائشة.
وينقل مؤرخ المدينة المنورة الأستاذ سعيد طولة عن الشيخ تقي الدين الهلالي قوله: “كان الشيخ أحمد الشمس يخرج من المدينة ومعه قافلة كبيرة، فيتوجه بهم إلى مكة ولا يمسهم أحد بسوء، وكلما مر على قبيلة جاءه أهلها وقبلوا يده وتبركوا به، وقدموا الهدايا، فكان ملكا بلا جنود”.
ورد في كتاب “معلمو المسجد النبوي الشريف” مجلد 1 صفحة 308 أن الشيخ أحمد بن الشمس الشنقيطي كان أحد ثلاثة مشايخ ينعشون الدروس في الحرم المدني في هذه الحقبة.
ومن أبرز من أخذ عنه بالحجاز وحظي بإجازاته:
– الشريف الشيخ أحمد القادري الحسيني الدمشقي
– محمد نور التركزي المدني
– الشيخ موسى الفوتاوي
– الشيخ أحمد بن عبد الله الشامي الشهير بالمخللاتي
– الشيخ محمد بن عبد الباقي الهندي المدني
– الشيخ محمد الطيب المغربي المراكشي
– الشيخ عيدروس بن سالم البار
– الشيخ عبد الباقي الأيوبي اللكنوي
– الشيخ عمر بن حمدان المحرسي التونسي، الذي روى عنه أحاديث متصلة بالأسانيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقلها تلميذه محمد ياسين الفاداني المكي في كتابه “العجالة في الأحاديث المسلسلة”.
– الشيخ أبو بكر بن أحمد الحبشي العلوي
– محمد العطاي الملقب باباه بن الشيخ محمد السالك آل العطاي الحاج الغربي
– الشيخ إعزاز الدين الهندي المكي
– سيدي كامل بن محمد المهدي الجزائري
– الشيخ ضياء الدين أحمد القادري المدني، الذي كان يقول: “ما رأيت محدثا وعالما يحفظ تفسير البيضاوي حفظا إلا اثنان: الشيخ أحمد الشمس الشنقيطي والشيخ حامد رضا خان”.
– الشيخ محمد العربي العزوزي، وهو مغربي الأصل، درس عليه في فاس ثم في مكة المكرمة بعد ذلك، وقد تولى منصب أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية ورئيس المجلس العلمي، ترجم له في كتابه “إتحاف ذوي العناية ببعض ما لي من المشيخة والرواية” وذكر عدة مجالس جمعته به، يقول في ص 17 : “ومنهم الولي الأكبر المربي الأشهر، البركة الصوفي سيدي أحمد بن فال الشمس الشنجيطي، قرأت عليه أوائل مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك والبخاري الشريف وتفسير الخطيب وكتابا له في الأوقات الشرعية، وأجازني وأنابني عنه في زاويته بفاس عند سفره إلى الحجاز رضي الله عنه ونفعنا به آمين”.
ويقول في ص 38 من نفس الكتاب: “ومنهم العالم العلامة اللغوي البركة الصوفي سيدي أحمد الشنجيطي، الرجل الصالح المشهود له بالولاية والعفة والديانة، قرأت عليه خطبة القاموس وديوان الحماسة بشرح التبريزي ومراقي السعود في علم الأصول للإمام العلوي الشنجيطي، أجازني رحمه الله إجازة عامة وخاصة في القاموس وشرحه للشيخ مرتضى الزبيدي، رحمه الله ونفعنا به وبعلومه آمين”.
كما ذكر الشيخ العزوزي في ص 23 من نفس الكتاب تفاصيل مجلس علمي جمعه به في الحرم المكي سنة 1332 هـ.
وخلال مقامه بالحجاز كان الشيخ أحمد على تواصل بالمراسلات مع الأهل في موريتانيا ومع بعض أعلام العلماء مثل محمد الأمين بن بدي العلوي، وعبد القادر بن الأمين الكمليلي والمختار بن ابلول الحاجي.
وفاته:
توفي الشيخ أحمد بن الشمس رحمه الله سنة 1342 هـ الموافق 1924 م ودفن بالبقيع الطاهر بجوار قبر الإمام مالك رضي الله عنه.
ذكر عبد السلام بن عبد القادر بن سودة في كتابه “إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع” أن الشيخ أحمد بن الشمس توفي في 18 جمادى الثانية سنة 1342 هـ.
أما تلميذه عبد الحفيظ الفاسي فقد ذكر أنه توفي في الثامن والعشرين من نفس الشهر. والله أعلم بالصواب.
وكتبت جريدة “القبلة” التي كانت تصدر في مكة المكرمة أيام الأشراف الهاشميين، في عددها رقم 761 الصادر يوم الخميس 2 رجب 1342 الموافق 7 فبراير 1924 م، تحت عنوان: “وفاة عالم جليل بالمدينة المنورة” الخبر التالي:
“حمل إلينا بريد أمس من المدينة المنورة نعي حضرة الأستاذ المرشد التقي النقي الزاهد الورع العالم العامل الفهامة المحقق الكامل مولانا (الشيخ أحمد الشمس) الشنقيطي أحد علماء المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وقد كانت وفاته صبيحة الاثنين الموافق 20 جمادى الثانية، ودفن في البقيع الشريف في مشهد عظيم لم ير له مثيل، حضره الأفاضل والعلماء والأعيان والوجهاء والألوف المؤلفة من جماهير الناس على اختلاف طبقاتهم، فنسأل للفقيد الرحمة والرضوان، ونعزي آله وذويه ومريديه، ونسأل لهم الصبر والسلوان، وستصلى عليه صلاة الميت الغائب غدا عقب صلاة الجمعة في المسجد الحرام”.
إعداد : الشمس بن باب بن حمدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى