قاع التسيير !/بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

الزمان أنفو_ /قصص التسيير تثير القلق على حاضر البلد و مستقبله،فالموظف أحيانا يعتبر الدولة بقرة حلوبا فحسب.

جلس متوازنا فى مجلسه،مؤكدا أنهم تجاهلوه عندما تولى قطاع مكافحة سرقة الكهرباء(anti fraude).قلت له لماذا،شرح لي الموضوع ففهمت أن هذا ما يجرى فى كل مؤسسات الدولة على غرار ما كان يجرى فى سوملك قبل انقلاب 2005،أيام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع،فهل ترى تلك المافيا تراجعت عن أسلوبها بمجرد تغير أسماء الرؤساء؟!.

إنهم يعملون،معشر سدنة الفساد لجيوبهم فحسب، و فى كل قطاع ربما،و ذلك فى الأغلب الأعم،و الفساد يأكل فى نفوسنا أمل الإصلاح و حسن تسيير الشأن العام،خصوصا فى زاوية المال العمومي!.

قال لي الإدارة و يعنى طبعا الإدارة فى العاصمة تصدر عليها من كل شهرين يومها،من قبل صوملك، فاتورة استهلاك تبلغ 180 مليون أوقية قديمة، غير أن الأجهزة المعنية بالتسديد تتقاسم المبلغ ،فتصل جيب مسؤول معين فى سوملك،مبلغ سبع ملايين من تلك الفاتورة،،و نصف المبلغ فقط يسدد لصوملك،و ربما لا يعنى هذا تجاهل رجالات التسديد فى الإدارات المالية فى الميزانية(توزيع الكعكة)،و على غرار هذا يومها تسير الأمور بالنسبة لخدمات الكهرباء و الماء المدمجة،و لحقت سلطة التنظيم ربما بهذا الأسلوب.

فخدمات شركات الاتصال تزداد رداءة و تتناقص عقوبات سلطة التنظيم لهذه الشركات،و سلطة التنظيم هي المعنية برقابة أداءها،فمن المستفيد فى الخفاء؟!.

هكذا يفكر غالبا أغلب من يدير لعبة تسيير الخدمات و المهام المختلفة،و بهذا الأسلوب يضيع الوطن و المواطن و يبقى “المستفيد اللص” فحسب،أو ما يسمى النخبة الحاكمة،و يدعى البعض بأنه بحكم تطور أساليب الرقابة المعلوماتية تراجع الفساد،لكن هل عجز اللصوص عن التكيف مع هذه الإجراءات التعويقية؟!.

لا،لم يعجزوا تماما،رغم محاولات محاصرتهم،لكن ازدادت الميزانيات و ازداد مستوى استفادة هؤلاء اللصوص الكبار،و تعقدت طرق اكتشافهم و فضحهم و تواصل “تكرير و تدوير المفسدين” و رأينا ذلك عيانا،رغم التركيز على تكميم الأفواه،و معاقبة بعض السياسيين و الصحفيين و المدونين، عبر تسليط قانون الرموز، المثير للجدل،بينما يعين المتهمون من قبل الأجهزة الرقابية(محكمة الحسابات-متفشية الدولة)،و يتواصل الاستنزاف و محاولات إسكات أصوات الناهين عن منكر التحايل الأسطوري على المال العمومي!.

إن تطبيق نتائج الرقابة و التفتيش و حماية الصحفيين و تشجيعهم من أهم سبل الخلاص من شبكات الفساد،العابرة للقارات،و ما يجرى على أرض الواقع ربما عكس المطلوب تماما،و لا أمل فى إصلاح يستحق الذكر،على رأي البعض،و ما يشاهد على أرض الواقع يستحق الامتعاض و الغضب الشديد،الذى قد يؤدى لثورة دموية أو سلمية بلا مقدمات،فلماذا نسجن و نعذب فى السجون،بالإهانة و التجويع،بسبب آراءنا الجادة المخلصة،و تجمع تقريبا كل الجهات المعنية على عقابنا، و فى المقابل تزداد تفاهتكم،و تزداد ورشاتكم لبناء و شراء القصور الفاخرة فى الداخل و الخارج و تنتشر روائح خموركم و قماركم فى الداخل و الخارج،معشر الفسدة و المجان المترفين، و تزداد وتيرة الزنا و اللواط و العهر و التبذير،و فى العاصمة و على كل أطرافها تنتشر خيم الدعارة،و تسمونها بأسماء جذابة(البوادي مثلا) لقتل ما بقي من حياء فى الجيل الصاعد و المنصرف،على السواء،و مع ذلك تأخذ الجهات المعنية بالرقابة نسبتها و تتغاضى فحسب،حسب ما يروج البعض؟!.

و من المستحيل أن نقبل أن نسجن بحجج مفبركة مع تجاهل إساءات الغير و نحرم فى نفس اليوم من نصيب حقير من المال العمومي،ثم يترك من تقربون و تتجاهلون هفواتهم يسرحون و يمرحون،و تسلطون علينا صلاحيتكم بحجة حماية “الإبراهيمية” أو حماية من هو مقرب من زيد او عمرو أو وزيرة مدللة،بحجة قربها من سيدة أو أخرى،ثم يواصل مراهقو و نساء أباطرة الفساد و الغبن اللعب بالخمر و المخدرات فى شوارع نواكشوط و نواذيبو و لاس لماس أو لاس فجاس؟!.

إن ما حدث يوم 28/8/2024 فضيحة مدوية،سيكون لها ما بعدها،و رب الكعبة،إن لم توقروا جنابي و تبتعدوا عن حرمات و حقوق هذا الشعب ستحرقكم نار الانتقام الشعبي التلقائي قبل الانتقام الرباني،إن لم يكن الأول جزء من الثانى،لقوله تعالى:”و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”،و ذلك ما سيحل فى نواكشوط قريبا وشيكا،لا قدر الله،إن لم تتوبوا معشر المفسدين فى كل مرفق و تسمعوا بروح عملية خالصة استعجالية لتوجيهات ولي الأمر،صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى و ذراعه الأيمن، مختار ولد انجاي و محمد أحمد ولد محمد لمين.

و سيظل الغبن و التفاوت الاجتماعي و المعيشي الكبير بسبب استغلال النفوذ مع تكميم أفواه الأصوات الجادة من أخطر ما تواجهه التجربة العمومية فى إدارة الشأن العام فى الحاضر و لدى مختلف الأنظمة المتعاقبة،و الحل يكمن فى الصرامة ضد الباطل و تعويق المفسدين و التخلص من الحاشية السيئة و محاولة خلق حاشية طيبة،و لو كانت غير مرغوبة عند بعض أقارب الرئيس و لوبيات الفساد،أيا كان الرئيس أو النظام،و لتكن السلطات على اختلافها و خصوصا السلطات الإعلامية و القضائية و الأمنية و التنفيذية فى خدمة الوطن و المواطن ،و ليست فى صالح الرئيس، بالمعنى السلبي الضيق،حيث تبالغ فى ايجابياته و لا تعترف بسلبياته و تتضايق ممن يقول الحق،فأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر،و هذا تمنعه بعض السلطات القضائية و الأمنية و الإدارية فى بعض التجارب الفاسدة،و إن لم نصل لهذا المعنى،فستظل كل المقدرات فى قبضة النافذين و بعيدا عن مفهوم خدمة الدولة و المجتمع ،دون تمييز انتقائي سلبي،و بالنظر للتجربة الراهنة بصورة مجملة و رغم بعض الإنجازات الايجابية و التوجيهات المفيدة،من قبل الرئيس غزوانى، إلا أن الوضع لم يتغير كثيرا، نظرا لسطوة المافيا و المفاهيم السيئة المتحكمة فى قاع تسيير الشأن العام،بكل أوجهه،و لهذا السبب لا يمكن أن نحمل جهة واحدة المسوولية،و لكن الساكت عن الحق شيطان أخرس،كما قال جدى،محمد بن عبد الله،سيد المرسلين،عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم،و رغم التباس بعض الأمور و حاجتها للمزيد من التمحيص،دنيويا و أخرويا،إلا أنه فى العهد الحالي يتحدث الناس عن تصرفات مثيرة للجدل،على رأيهم،يرتبط بعضها بزعمهم، ببعض أقارب و مقربي الرئيس،سواء تعلق الأمر بصيد الأتراك مع شراكات عائلية معروفة و ما تعلق باتفاقية الطاقة،التى أثارت الجدل فى وقتها و ملف تسويق الذهب، حتى ظهر “ولد امصبوع “آخر ،حسب ترويج خصوم النظام،و اتهامات باستئثاره ببيع الذهب المستخرج عبر التنقيب الاهلي!.

كل هذا و غيره يجثم مقابل دعاوى الدعايات السخية، بتكبير المنحزات ،المدعاة فى كل مجال،فأي الفريقين أصدق؟!،مناصروه و مطبلوه ،أم خصومه و حاسدوه،و ما أوقن به شخصيا،أن مستوى الغبن و التفاوت و عدم تقارب الفرص و الحساسية المفرطة من الرأي الآخر، كل هذا لا يبشر بخير مطلقا،رغم دعوات الرئيس غزوانى و جهود الحكومة بقيادة ولد انجاي لمكافحة الفساد و الدفع بجهود التنمية و ادعاء حماية المهنة الصحفية و تمرير رسائل الطمأنة النظرية لوعود رد الاعتبار، لكل المظلومين و تعويق الفساد و المفسدين،بل وصل بهم الأمر لإعلان إنشاء سلطة مكتملة الأركان، لمكافحة الفساد،لكن الواقع خلاف الادعاءات و التنظير المخملي الخادع أحيانا.

و الحقيقة ان ثمة لمسات و حسن نية من طرف الرئيس غزوانى،و مشروع الإصلاح الحقيقي أعقد و أصعب،و نتمنى رغم الظلم و المرارات تغلب الخير على الشر.

و بكلمة واحدة أطيعوا الله و رسوله،صلى الله عليه و سلم و أولياء الأمور، ما لم يظهروا بكفر بواح،و إنما الطاعة فى المعروف،و نحن ضحايا الظلم الرشداء قد نصبر أحيانا،لكن السيل،يا صاحب الفخامة،بلغ الزبا،فانتبهوا قبل فوات الأوان،فالغبن و التفاوت الأسطوري بين المفسدين و المحرومين و تكميم الأفواه بطرق ،و لو غير مباشرة، بات يميز أهم ملامح المرحلة، رغم كل ما يحصل من منجزات،يعتبرا فتاتا تافها، بالمقارنة مع حجم الغبن و سوء التسيير و التهام مليارت الأوقية دون حياء،و كثيرون يتضورون من الجوع و الغبن و التهديد الضمني بالسكوت عن الفساد،الذى تعترفون يوميا بوجوده و تعجزون و يعجز نظامكم و أنصاركم عن عرقلة مساره،فهل الصديق و المخلص من ينصح، أو من يبارك انحراف السكة عن قطار الإصلاح الحقيقي لنسقط جميعا،و لو فجأة،فى الهاوية!.

قال الله تعالى:”و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى