المنابر المستباحة… حين تصبح التفاهة نظامًا …

الزمان أنفو _ في صلاة الجمعة، أجلس كعادتي في الصفوف الأولى، أحاول أن أستمع، أن أستفيد، أن أستحضر…
لكن شيئًا في داخلي كان يتآكل….
الخطيب أمامي يتعثر في قراءة ورقة بالكاد يُمسك بها، يُلحن في الآيات، يختلط عليه الحرف والمعنى، ويتداعى النص على المنبر كما تتداعى البيوت حين يُبنى أساسها على جهل.
أشعر بالحرج، بالأسى، بالحيرة… ثم أتوه.
ما الذي يُلزمنا بالإنصات، ونحن نُجلُّ المقام، لكن نرى المنبر يُستباح؟
كيف نوفّق بين احترامنا للشعيرة، وحقنا في ألا يُفسد علينا الخطاب من لا يملكه؟
المأساة لا تقف عند عتبات المساجد…
فما يحدث على منابر الدين، نشهده في منابر الإعلام، ومواقع التواصل، وحتى في خطب المسؤولين. واصحاب القرار
لم تعد التفاهة صدفة.
بل أصبحت تُنتج وتُدعم وتُلمّع.
لم يعد الجهل عيبًا، بل صار منصة.
لم تعد الرداءة عارًا، بل أصبحت قاعدة تُبجَّل باسم “التبسيط”، و الوصول إلى الناس.
اللغة تُذبح على المباشر.
المنطق يُهمل.
العمق يُهاجم.
والمتفوق يُتهم بأنه “نخبوي”، أو حتى عدو للتواصل
في زمن كهذا، ترى خطباء لا يحسنون التلاوة، وإعلاميين لا يحسنون تركيب جملة، ومسؤولين يقرأون نصوصًا كأنها ألواح طينية مكسورة… ومع ذلك نُصفّق لأننا تعودنا التصفيق لمن يعلو، لا لمن يعقل.
إنها ليست فوضى عفوية…
بل نظام خفي، يمنح المنابر لمن لا يستحقها، لأن الضعف يريح السلطات، ويفيد السوق، ويُغذي الجموع بما لا يوقظهم.
منابر الدين، منابر الإعلام، منابر السياسة ، كلها صارت تحت طائلة التفاهة، ليس لأن الكفاءات غير موجودة، بل لأننا نُقصيهم.
وأمام هذا الزحف العشوائي، لا بد من دق ناقوس الخطر:
إذا سقط المنبر، سقط المعنى.
وإذا سقط المعنى، سقط الإنسان.
فهل نملك الشجاعة لنُعيد للمنبر وزنه؟
أم ننتظر حتى تتحول الأمة إلى جمهور يتقن التصفيق، ولا يجيد الفهم؟