قراءة نقديّة لرواية “أصدقاء ديمة” للكاتبة الأردنيّة د. سناء الشعلان
بقلم الأديبة النّاقدة: ميّادة مهنّا سليمان – سوريا

الزمان أنفو _
مدخل عام:
رواية “أصدقاء ديمة” الحائزة على جائزة كتارا للرّواية العربيّة (فئة روايات الفتيان 2018)، تقدّم تجربة سرديّة إنسانيّة عميقة تستهدف اليافعين، وتنقل عبر شخصيّة طفلة مصابة بمتلازمة داون رسائل تربويّة ونفسيّة واجتماعيّة بأسلوب أدبي مشوّق ومدروس.
1. الغلاف ودلالته الرمزيّة:
تحمل لوحة الغلاف شحنة رمزيّة قويّة: شخصان أحدهما يميل نحو الآخر في إشارة إلى العطف والمساندة، بينما يتكوّن جسد كل منهما من أشخاص صغار بألوان متعدّدة، مما يبعث برسالة تنوّع واختلاف وتكامل بين البشر، تتويجًا لقول الله تعالى:
“يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا…”.
بهذا البُعد البصري، تعلن الرواية منذ غلافها عن قضيّتها: دمج المختلف وتقدير الآخر.
—
2. الافتتاحية والصوت الداخلي لديمة:
في غياب الإهداء التقليدي، تبدأ الرواية بكلمة للبطلة ديمة تُجسّد رؤية الكاتبة لمفهوم “الإعاقة الحقيقية” التي تراها في غياب الحب، والعطاء، والفاعلية في الحياة. هذا الصوت التمهيدي العميق يمهّد لتقديم شخصية بطلتها لا بوصفها ضحية، بل كقوة فاعلة ومُلهمة.
—
3. البناء الفني والتقني:
عدد الفصول: 10، تتنوع عناوينها بين الأحادي والمتعدد.
يبدأ كل فصل باقتباس يعكس هدف الفصل ويُثري معناه.
هذه البنية التقديميّة تُضفي بعدًا تأمليًّا وتربويًّا، مناسبًا لجمهور الفتيان.
—
4. المكان والفضاء السردي:
“بيت ديمة” ليس مجرّد مسكن، بل رمزٌ للرحمة والمحبّة، كما وصفته الكاتبة. هو المساحة الآمنة التي تحتضن الاختلاف، في مقابل العالم الخارجي الذي ينبذها. المكان هنا فاعل معنوي، لا ظرفي، ويكاد يكون شخصيّة بذاته.
—
5. الشخصية الرئيسة (ديمة):
ديمة طفلة في العاشرة، مصابة بـ”متلازمة داون”، تقدّم نفسها للقارئ بثقة، وتطرح تساؤلاته المفترضة بذكاء، وهو ما يخلق جسرًا حواريًا بينها وبين القارئ، خصوصًا الطفل.
تُقدَّم ديمة كأنموذج للتحدي، والإبداع، والحق في الحياة، وليست موضوعًا للشفقة.
يرافقها وعي استثنائي، وروح مرحة، وطموح لا تحدّه الإعاقة.
—
6. موهبة ديمة الخارقة:
ديمة تملك القدرة على سماع أحاديث النّاس الداخليّة.
هذه القدرة تمنح الرواية بعدًا واقعيًا/فنتازيًا، وتفتح بابًا لطرح قضايا التنمّر والتمييز بشكل غير مباشر.
في الآن ذاته، تصبح هذه “الموهبة” سيفًا ذا حدّين، إذ تكشف لها صدمة الحقيقة حول نظرة المجتمع القاسية تجاه المختلفين.
—
7. معاناة البطلة والنبذ المجتمعي:
تُبرز الرواية مسار العزلة الذي تعيشه ديمة، بدءًا من الرفض المدرسي، ثم الوحدة الأسريّة بعد وفاة والدتها وسفر والدها، مرورًا بالخذلان العاطفي من الجدة التي تعاملها كعبء.
تظهر الرواية كيف تُركت ديمة لتعيش في زاوية، في حين تتغنّى بعض مؤسسات المجتمع بشعارات الشمول والاندماج.
—
8. الدلالة التربويّة والاجتماعيّة:
الرواية تتبنّى هدفًا واضحًا: كسر عزلة الأطفال المصابين بالإعاقات، وإدماجهم كفاعلين في بناء المجتمع.
تشجّع على تجاوز النظرة القاصرة التي تحصر قيمة الإنسان في “المظهر أو القدرات البدنية”، مركّزة على الكرامة الإنسانيّة كأصل مشترك.
—
9. دور الأسرة:
شخصية والد ديمة تُعدّ نموذجًا مثاليًّا للأب الداعم، الذي يرى تميّز ابنته في اختلافها لا رغمًا عنه.
في المقابل، ترسم الرواية صورة الجدة كمثال على الإقصاء العاطفي المتستّر بالحبّ، وهو وجه من أوجه التنميط السلبي للأطفال المرضى.
10. لغة الرواية وأسلوبها:
اللغة مُبسطة، لكنها غنيّة بالمجاز، والرمز، والشحنات الشعوريّة.
الأسلوب ينطوي على روح سرديّة عاطفيّة وطفوليّة، تُناسب جمهور الفتيان دون أن تُفرّط في العمق.
تعكس الرواية توازنًا ناضجًا بين العبرة والعاطفة، وبين الواقعية والحلم.
خلاصة نقديّة:
“أصدقاء ديمة” ليست مجرّد رواية لفتيان، بل هي بيان إنساني عاطفيّ بامتياز. استطاعت سناء الشعلان أن تكتب طفولة مغايرة، وتُحرّك وعينا تجاه قضيّة شائكة – دمج الأطفال المختلفين – من خلال حكاية طفلة تشبه الكثيرين في واقعنا، لكن نادرًا ما نُصغي إليهم.
رواية تُربّي كما تُسلّي، تُداوي كما تُحرّض، وتحفر أثرًا طويل الأمد في وجدان القارئ الصغير والكبير على السواء.