خطاب صريح لأخي السيد الرئيس/ بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

الزمان أنفو ـ الطبيب المهني عندما يتأكد من وجود خطر صحي داهم على زبونه (المريض)، لا يتردد في تغليب مصلحة زبونه وصحته المصيرية، على العواطف والمجاملة، فإن تطلب الأمر وكان في الوقت كفاية، فربما يصارحه، إن توفرت ظروف التوازن والأمان، وخصوصا إن تيقن أن ذلك التوجيه الطبي والعلمي المهني، قد ينقذ حياة شخص من مجموعة زبنائه، الذين يمثلون دائرة نجاحه المهني والشخصي على الترتيب.

وليس من المستغرب في هذا المقام أن يصرخ في وجه مريضه،في الأوان المناسب، محذرا من كذا وكذا وكذا، قبل تفاقم المرض والخطر، المحدق بحياة مريضه، إن استمر تجاهل الوضعية الصحية السلبية القائمة.

هكذا طبيعة المخلص والخبير والناصح والمهني، وذلك أساس الدين الأول، سواء في العلاقة مع الله جل شأنه، ودينه، ورسوله الخاتم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وأئمة المسلمين وعامتهم، وفي ذلك اقتباس صريح من حديث مسلم المعروف: “الدِّين النَّصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم”.

وللمغرضين طريقة في العمل الإعلامي، ولبسطاء الأطباء وبعض القادة، تقصير بين في طريقة التعامل مع شأنهم الوظيفي، أما العارفون بمهنتهم الخائفون من ربهم الحريصون على مصداقيتهم وتأدية أمانتهم، فغالبا لا يجاملون مهما حرصوا على تفادي التجريح، إلا أن الأولى عندهم تأدية الأمانة، ولو استعملت لذلك مؤقتا أسلحة اضطرارية، مزعجة في نظر البعض، وربما تكون تماما، على غرار المثل العربي الشهير البليغ، “الصبر كالصبر مر في مذاقه حلو في عواقبه”!.

وكل خلل في التصور أو نقص فيه، لأنه قاعدة البناء والأساس، قد يترتب عليه خرق وضرر في مستقبل البنيان والمحصلة والنتيجة، يوم الحصاد أو التقييم.

السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، المعطيات الحالية المتعلقة بالشأن العام الموريتاني، الذي تكلفتم بقيادته، تشير إجمالا قبل التفصيل إلى نيتكم الحسنة، في التعامل مع الشأن العام وحسن حظكم وقت الإقلاع، حين تراجعت خفة الاستقطاب، والتأمت حولكم أطراف متنوعة متناقضة أحيانا، من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي الوطني، لكن حسن النية لا يكفي ربما، عندما يتعلق الأمر بتسيير دفة الحكم، في دولة متشعبة ومتنوعة الأعراق والانتماءات ومتداخلة المدارس والنظرات ومتصارعة الأغراض والتوجهات!.

وقد نشأت فيها، في عشرية رفيق دربك السابق، مافيا رؤوسها مثل رؤوس الشياطين، وإن لم تصل إلى عدوانية مافيا كولومبيا وايطاليا وغيرها، إلا أن المافيا الموريتانية اتسمت بتجاهل القوانين، قصدا وحماقة أحيانا، وتلاعبا وتحايلا على تلك القوانين في الأغلب، لتستمر بالحكم الفعلي من وراء ظهور الرؤساء، وتواصل دون حياء مص الدماء، مشجعة على ترسيخ النظام الملأي، نسبة للملء، على حساب نظام العدل الذي ينصف القوي، ويعطي الأولوية لرد المظالم، وخصوصا رفع الظلم عن المستضعفين، سبيلا وطريقا لتمكينهم بالحق والعدل، الذي يشمل الجميع دون تمييز.

قال الله جل شأنه: “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”.

أجل لأسباب عدة وبعد انتخابات رئاسية مثيرة للجدل، على رأي البعض، وبعد التنصيب 01 أغسطس 2019، وبعد جلوسك المبارك، بإذن الله، على كرسي الحكم، والنبي الخاتم، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسيلم، يقول في حديثه الشريف، من رواية ابن ماجه “إن الله يحب أن يسمع الفأل الحسن”.

نعم في هذا الآونة بعد التنصيب، تجمع حولك الكثيرون من أبناء هذا الشعب، من مختلف أطياف المسرح السياسي الموريتاني، موالاة ومعارضة، ربما لسبب كونك تمثل أمل التغيير، بعد هذه العشرية المهلكة، التي أتت على الأخضر واليابس، وعمقت الجراح، من كل وجه، مهما روجت المافيا المنتفعة، لما قد يدعى من منجزات تلك المرحلة الآنفة الذكر.

وصب في ذلك الاتجاه الجمعي حولكم، مسالمتكم وانفتاحكم الواعد الجريء، على الأطراف المعارضة للحكم السابق.

وبهذا وغيره، من العوامل الخفية والظاهرة، المحلية والإقليمية والدولية، تهيأت لكم فرصة ذهبية تاريخية، ليس فقط لخلق نظام سياسي يميز مرحلتكم في الحكم، مهما طالت أو قصرت، وإنما مثل ذلك الإقبال الجماهيري الذي تجلى أولا بشكل محدود، في مطلع نوفمبر 2019، إبان مولده صلى الله عليه وسلم، وتخليده في مهرجان شنقيط، وما صاحب ذلك من حضور لزعيم المعارضة وشيخها التقليدي الوقور، أحمد ولد داده، وغيره من الرموز السياسية، الموالية والمعارضة، وما صاحب ذلك من حضور متنوع، نقل ذلك المهرجان من أفق الثقافة، إلى ساحة التبشير بالتغيير والإصلاح، ولو كان تدرجيا.

ثم جاءت عودة ولد عبد العزيز، التي كانت في ظاهرها، محنة واختبارا لنظامكم، لكنها تحولت إلى منحة وأمان من اختطاف الحزب الحاكم، بل وربما والسلطة عبر محاولة انقلاب روج لها، أيام الذكرى الـ 59 لعيد الاستقلال، 28 نوفمبر 2019.

وعبر جهود الكثيرين، استتبت لك السيطرة على الحزب الحاكم وكتيبة أمن الرئاسة، والسلطة في المحصلة، بعد أن تعرض قارب حكمك الناشئ، لتلك الهزات الخطيرة، والتي رددتها، بإذن الله، أنتم وفريقكم الأمني والسياسي، ومدير ديوانك المثابر، إلا أن رد تلك العاصفة، لم يكن مقتصرا على الجانب الرسمي، بل إن الكثيرين شاركوا في الاعتراض على محاولة ولد عبد العزيز الرجوع من جديد، لساحة النفوذ، بعد أن مارس سياسة الأرض المحروقة، ضد موريتانيا وترك خزينتها مدينة، وشبه قاع صفصف!.

نعم السيد الرئيس، محمد ولد الغزواني، وقف معك أغلب المدونين والصحفيين والسياسيين من كل ضفة وأصحاب الرأي والتوجيه، ظاهرا وباطنا، ولم يكن مطلقا نظامك الناشئ، قادرا لوحده على رد الخطر، لأنه باختصار مسكون بالمافيا، والخطر عليه، يكاد يكون أعتى داخليا، من عوامل أخرى، قد تهدده من خارج إطاره.

وفي هذا السياق ربما، وعلى تفسير البعض، ممن قد لا يحالفه كبير حظ، في التأويل الدقيق، لجأت لتقريب بعض عتاة المافيا، ربما للحصول على المعلومات، أو في سياق ضرب بعضها ببعض، على نهج انكلوكسوني ابريطاني صرف، “فرق تسد”.

أما اليوم، فيبدو أن المافيا “العزيزية”، تحاول ضرب نظامنا الناشئ بقيادتكم، من داخله! بل وإن بعضهم الآن، يستغل تأخير تطبيق بعض جوانب خطابكم، المتعلق بمواجهة ومجابهة الـ “كورونا”, لهز النظام وإغاظة شرائح كثيرة من الشعب ضدكم، بحجة الترويج المغرض، لرمزية ومحدودية المساعدات، التي قدمت للفقراء في هذا الظرف الوبائي العصيب، كما استغلوا تأجيل تنفيذ الوعد بالدعم النقدي المباشر، لـ 30 ألف أسرة.

وعموما ثمة معطيات وخطط لا تخطئها العين، قد لا تكون بريئة إطلاقا، في هذا الاتجاه، للالتفاف على فرصة الإصلاح التدريجي والتعايش السياسي السلمي، الذي روجتم له.

السيد الرئيس، ينبغي أن تبادروا بخطة جادة صارمة، وإن اقتضت طريقتكم في الحكم أن تكون تلك الخطة تدريجية، للقضاء على المافيا الموجودة، في كل قطاع، حتى قطاع الصحة والشؤون الإسلامية.

فمن باب أولى وأحرى، غيرها من القطاعات الحساسة.

السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، أنتم مطالبون بالمسارعة بفعل ذلك، قبل أن يهيمن ويسيطر “سرطان المافيا” على الجسم الموريتاني كله، شعبيا ورسميا.

وأهل الخير مهما كانت قلتهم، إلا أنهم رغم ذلك يؤازرونكم ويناصرونكم، في مجال الإصلاح، بشرط محبذ، على رأي البعض، بأن لا تتولوا وتتحالفوا، ظاهرا أو باطنا، مع جناح ولد بوعماتو المافيوي، ضد جناح ولد عبد العزيز المافيوي، أو العكس.

وكما قلت مرارا، الشعب والوطن، أوسع نطاقا. فموريتانيا دولة، مهما تكن عثراتها ونواقصها، ولها الحق في محاكمة المرؤوس و الرئيس،بعد خروجه من دفة الحكم.

أما قصة ولد بوعماتو، فلست ضد إنصافه، لكن على شرط، أن يكون السيد الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزواني، على مسافة واحدة، من جميع رجال الأعمال، دون ارتهان لهم، هو وحكمه، ونظامه الناشئ، أو استهداف بعض مصالحهم، مهما قدموا من مساعدات لوطنهم، بمناسبة وباء “كورونا” وغيره.

ولا يشغلنكم شاغل بالامتناع المطلق، عن تعيين المفسدين والمافيوين، وفتح المجال للكفاءات، وخصوصا الشابة، لبناء نظام يميز نظرتكم للحكم ومجمل إراداتكم ومبادراتكم للإصلاح، ولو كانت تدريجيا.

وبغير ذلك تكونون قد ضيعتم فرصة ذهبية ثمينة للإصلاح، والفرصة قد لا تتكرر.

فبادروا أخي السيد الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزواني، قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى