مالي تطوي صفحة “اتفاق الجزائر” وتدشن عهد السيادة الوطنية بمشروع ميثاق جديد للمصالحة

الزمان أنفو (باماكو) – في خطوة حاسمة نحو استعادة القرار الوطني، يتسلم رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، الكولونيل أسيمي غويتا، الثلاثاء المقبل، مشروع الميثاق الوطني للسلام والمصالحة، وذلك خلال حفل رسمي يقام في قصر كولوبا الرئاسي بالعاصمة باماكو.

الميثاق الجديد، الذي يمثل قطيعة صريحة مع اتفاق الجزائر لعام 2015، وُلد من مشاورات شعبية واسعة امتدت لأكثر من ستة أشهر وشملت مناطق الشمال والوسط، إضافة إلى الجالية المالية في الخارج. ويُعد الوثيقة الأولى التي تنبع من الإرادة الداخلية، بعيدا عن ما وصفته السلطات المالية بـ”الحلول المستوردة”، في وقت تعيش فيه البلاد تحديات أمنية عميقة وانقسامات اجتماعية متجذرة.

وأكد رئيس لجنة صياغة الميثاق، الوزير الأول الأسبق عثمان إسوفي مايغا، أن الوثيقة تستلهم روح دستور 2023، القائم على قيم العدالة والوحدة والتنوع، في مواجهة اتفاقات سابقة فرضت عبر وساطات خارجية لم تعكس مصالح الماليين.

ميثاق بلا “استقلال ذاتي”

ويؤسس الميثاق لنهج جديد في المصالحة، حيث يتجنب الإشارة إلى مطالب “الاستقلال الذاتي” شمال البلاد، ويركز بدلا من ذلك على إعادة الاعتبار للدولة المالية، مع فتح الباب أمام إدماج الحركات المحلية وفق مبادئ العدالة والمساءلة، في محاولة لإنهاء التوترات الانفصالية.

تحول في العلاقات مع الجزائر

ويأتي تسليم الميثاق بعد إعلان انسحاب مالي رسميا من اتفاق الجزائر في فبراير 2024، متهمة الجزائر بمحاولة فرض أجندة تتعارض مع المصالح الوطنية. ووصفت الجزائر الخطوة بأنها “سابقة خطيرة”، لكن باماكو تمسكت بموقفها معتبرة أن أي حل يجب أن ينبع من الداخل المالي لا من ضغوط إقليمية.

مصالحة شعبية.. واستثمار بديل

وفيما تسعى الحكومة الانتقالية لتوسيع قاعدة الفهم الشعبي للميثاق عبر الإعلام الرسمي، والنقابات، والزوايا الدينية، ومؤسسات المجتمع المدني، تخطط أيضا لتحويل الوثيقة إلى نص برلماني، مع احتمال عرضه لاحقا على استفتاء شعبي لضمان شرعيته السياسية.

اقتصادياً، تراهن السلطات على أن يشكل الميثاق انطلاقة جديدة لإعادة الإعمار في الشمال، من خلال شراكات غير تقليدية مع موسكو وبكين، بديلاً عن التمويلات الغربية المشروطة.

مخاطر وتحديات قائمة

ورغم الطابع الطموح للميثاق، تبقى قدرة الحكومة على إقناع الجماعات المسلحة بالمشاركة الفعلية في العملية السلمية موضع اختبار، خصوصاً في ظل استمرار تهديدات الجماعات الجهادية، وغياب حلول تنموية متكاملة.

نحو جيل جديد من الوثائق التأسيسية

ويرى مراقبون أن الوثيقة المالية قد تشكل نموذجاً سيادياً جديداً لدول الساحل، في ظل تصاعد توجه دول مثل النيجر وبوركينا فاسو ومالي نحو تحالف الساحل، كبديل عن إيكواس، وإعادة رسم العلاقة مع فرنسا والجزائر.

الميثاق الجديد، إن نجح في تحقيق أهدافه، قد يصبح علامة فارقة في تاريخ ما بعد الاستعمار، تكتب داخلياً لا تملى من الخارج، وفق تعبير الوزير الأول المالي شغيل كوكالا مايغا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى