ماذا بعد سقوط “اللجنة الوطنية المستغلة للانتخابات”؟ / سيدي علي بلعمش

لقد تأكد الآن ما حذرنا منه بالضبط و اتضح للجميع أن “اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات” عصابة عزيزية منظمة للتزوير، تفتقد إلى المصداقية و الكفاءة و النزاهة و أن لا شيء يخجل عزيز و عصابته و لا شيء يستحيل في موريتانيا:

أخذ ولد عبد العزيز ما يحتاجه لتشكيل أغلبية طاحنة من الأميين المهجنين المرتبطين بمشروعه التدميري أكثر من الوطن و وزع على المعارضة (معارضة المعارضة طبعا)، ما يحتاجه ليكون نظامه ديمقراطيا.. و قد اتضح الآن أن فرنسا بذلت كل جهد لإقناع الاتحاد الأوروبي بتمويل و مراقبة الانتخابات و رفض الأخير الدخول في هذه المهزلة و أن الوساطة التي كان سفيرها يزعم أنه يقوم بها هي كانت مجرد عملية تجسس متطورة لنقل نوايا و مخططات المعارضة إلى ولد عبد العزيز ، كما ظل يفعل دائما كل سفراء فرنسا في البلد و في إفريقيا كلها و هي ممارسات فضحتها كل التقارير عن “فرانس ـ آفريك” التي تصدرت اهتمامات باحثي المنطقة في العقد الأخير.. و يتحدث البعض الآن عن إمكانية رفض بعض الأحزاب “الوازنة” لنتائج هذه الانتخابات لما حصل فيها من تجاوزات صارخة اعترفت بوقاحتها حتى أحزاب الأغلبية الخاملة.. و هذا أمر مستحيل أيضا و لأسباب أكثر وضوحا من سابقاتها : لقد اتضح الآن أن حزب ولد داداه هو من كان يعطي للانتخابات ثقلها و توازنها و أن اتحاد قوى التقدم هو من كان يعطيها بعض طعمها و ألوانها الوطنية و أنه بغياب الاثنين فقدت قيمتها و توازنها و طعمها و لونها .. فهل تتوقعون أن يطعن مسعود و بيجل و جميل منصور في نتائج هذه الانتخابات التي حصلوا فيها على كل نصاب المعارضة الغائبة ليثبتوا للناس أن المعارضة من دون ولد داداه و ولد مولود لا يمكن أن تقنع أي أحد؟ سقط القناع عن القناع عن القناع يا مسعود ، يا بيجل ، يا منصور: لو اعترف ولد عبد العزيز غدا بعجز “اللجنة المستغلة” و تجاوزاتها و ببطلان نتائج هذه الانتخابات لما حصل فيها من تجاوزات و عجز القائمين عليها عن فرز نتائجها المخجلة، لنزل مسعود ولد بلخير و بيجل و جميل منصور إلى الشارع رافضين و مهددين بالعصيان و بمقاطعة أي انتخابات مستقبلية..!؟ ما حصل الآن هو ما تم التخطيط له بالضبط من قبل السفير الفرنسي و ولد عبد العزيز و “المعاهدة + 1”. و لا يهم أن يتم فرز النتائج خلال أسبوع أو شهر أو حتى يتم الاستغناء عنه؛ فترتيب البيت الداخلي لا يخلو عادة من بعض المظالم لكنها أمور يتم ترتيبها بالتراضي ، لا سيما أنها تتمتع بمساحة خلفية مقايضات واسعة، تضم رئاسة مجلس الشيوخ و البرلمان و زعامة المعارضة و رئاسة المجلس الدستوري و رابطة الأئمة و المجلس الإسلامي الأعلى و مناصب وزارية و رئاسة مجالس المؤسسات الوطنية الكبرى .. إن مهاجمة مسعود و بيجل للجنة المستقلة للانتخابات و تحميلها مسؤولية ما خططا له مع ولد عبد العزيز بالضبط، أمر مضحك و مؤسف.. لقد أريد لهذه اللجنة أن تكون كبش فداء يمسح الجميع فيه غضبه على ولد عبد العزيز و قد قامت بهذه المهمة على أكمل وجه فلماذا تهاجمانها و أنتما من خططا لذلك بالضبط؟ لقد انتهى الآن كل شيء و حصل ولد عبد العزيز على البرلمان الذي كان يريده : برلمان من السماسرة و أصحاب السوابق القضائية و الاجتماعية.. برلمان ينتمي إلى ولد عبد العزيز لا إلى الوطن.. و يأتمر بأوامر ولد عبد العزيز لا بقناعات أصحابه و لا بأصوات ضمائرهم الوطنية.. و كل حاجة ولد عبد العزيز إلى هذا البرلمان تتلخص بالجملة و التفصيل في قضية واحدة هي إلغاء المادة الدستورية التي تمنع عليه الترشح لفترة رئاسية ثالثة و هذا ما سيتم له بكل تأكيد على يد هذا البرلمان الأقرب إلى الخلية الأمنية منه إلى أي شيء آخر.. إن اعتذار مسعود عن مساهمته في اختيار “اللجنة المستغلة” لا معنى له مع اعترافه بنتائجها المخجلة ؛ لكن الحقيقة أن مسعود هنا يمثل و يمثل على مرشحي حزبه بصفة خاصة الذين يحاول أن يوهمهم من خلال التهجم على اللجنة، أنه غاضب و يطمئن ولد عبد العزيز من أخرى بأنه لن يطعن في أي نتائج .. لقد وصلنا في زمن ولد عبد العزيز إلى مستوى من السطحية و الوقاحة في القول و الممارسة، أصبح الحديث عنه أكبر من كل الكلمات: من يرى الدعية “هابا” تستدعي رؤساء الأحزاب المشاركة في الانتخابات لتملي عليهم مسطرة السلوك المسموح لهم، يفهم بسهولة في أي واقع أصبحنا نعيش..! و قد عمل نظام ولد عبد العزيز بمهارات عالية على خلق الإعلام الذي تحتاجه جريمته: ـ قنوات إذاعية و تلفزيونية يقودها أميون، يستخدمونها كدكاكين يريدون أن يعيشوا من ريعها بأي شروط يطرحها النظام.. ـ قنوات إذاعية و تلفزيونية تم انتقاء أصحابها على مهاراتهم الأمنية، يراد لها أن تكون صوتا للمغبونين بطرق فنية مدروسة و مجربة، تعطي نتائج عكسية بالضبط.. ـ مواقع الكترونية أقرب إلى المدونات، يرتبط أكثر النافذين فيها بالأجهزة الأمنية، تتعاطى مادة إعلامية مغربلة، تعود كلها إلى “مصدر خاص” و مصدر “مسؤول” .. ـ جرائد تعسة، تعيش على فتات شركات الاتصال و اشتراكات مؤسسات الدولة، تفهم جيدا شروط بقائها.. كانت لدى موريتانيا أصوات طاغية في البرلمان (على علاتها)، فضحت الكثير من ممارسات النظام في المرحلة الماضية .. و اليوم لم يعد هناك أي شيء لا إعلام و لا برلمان و حتى كتاب الرأي الذين يتمتعون ببعض الجرأة، أتوقع أن لا يجدوا أي وسيلة في المرحلة المقبلة لنشر أفكارهم المنبوذة.. هكذا أصبحنا نعيش في “غيتو” حقيقي، تم إحكام قبضته على المجتمع بتقادم محكم و منتظم الحلقات. إن اعتراف بيجل و عبد السلام و مسعود و جميل منصور بنتائج هذه المهزلة يحولهم من معارضة كاذبة إلى موالاة محرضة على الجريمة و مشاركة بترصد و سبق إصرار في التخطيط لها و الدفاع عنها بكل وقاحة. و محاولتهم الآن تقمص دور الضحية لا ينم إلا عن مهاراتهم في لعب الأدوار القذرة و التلاعب بعقول الناس .. لو كنت الآن في مكان المعارضة الموريتانية لقمت بالخطوات التالية: ـ إصدار قرار بالامتناع مدة 100 عام عن مقابلة أي سفير و أي مسؤول فرنسي لأي سبب كان.. ـ تشكيل لجنة لتسجيل أسماء المدافعين عن جرائم ولد عبد العزيز من مدنيين و عسكريين و تتبع كل شاردة في ما يصدر عنهم يوميا بالصوت و الصورة.. ـ اعتبار كل من يتعامل مع نظام ولد عبد العزيز داخليا و خارجيا، مجرما في حق موريتانيا لقطع الطريق أمام اللاعبين على الحبلين ممن يستثمرون تلبس و ليونة مواقف المعارضة للعب هذه الأدوار المزدوجة.. ـ تجميد كل الأنشطة التقليدية للمعارضة و التحول من حالة معارضة نظام وطني إلى مواجهة عصابة أشرار محتلة للبلد.. ـ إعداد مؤتمر وطني لقوى الرفض، يحدد ما يجب القيام به في المرحلة القادمة.. ـ انتداب وفد وطني دائم باسم المؤتمر الوطني، للاتصال بجميع أصدقاء موريتانيا و شركائها في التنمية و دول الجوار العربية و الإفريقية، لوضعهم أمام صورة واضحة عن عبث هذه العصابة المارقة بمصالح البلد و تحميلهم مسؤولياتهم تجاه موريتانيا.. ـ تشكيل جهاز إعلامي قادر على فضح جرائم النظام من خلال تقارير علمية ناضجة تعتمد الخبرات و تستوفي شروط الإتقان الفنية .. ـ … المعارضة الآن كالأعمى: تحفر في مكان و تبصق في آخر و تردم ثالثا” .. تفكر في شيء و تقول شيئا آخر و تفعل شيئا ثالثا . و هذا ما أفقدها مصداقيتها رغم جهودها الجبارة و فاتورة نضالها الضخمة: على المعارضة أن تعزف على نقاط ضعف النظام .. على الأوتار الحساس للرأي العام العالمي .. على نقاط قوة الجمهور .. على وضوح الرؤية .. على قوة التنظيم .. على القدرة على الإقناع .. و كلها أمور تتطلب إعلاما ناضجا و عملا جمعويا محترفا تزدحم فيه العقول و يتبلور الإبداع و هي وسائل مغيبة بتعمد ليسود الأسوأ، تماما مثل ما يحدث على الصفة الأخرى..!؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى