تحليل قصيدة “سارق النار” لعبدالوهاب البياتي – مأساة الفرد المقاوم بين التاريخ والخذلان

عزيز سيدي:

الزمان أنفو (نواكشوط): قصيدة «سارق النار» لعبدالوهاب البياتي تتسم بالرمزية الثقيلة وتجمع بين البعد التراجيدي الفردي والبعد الاجتماعي والسياسي. تبدأ القصيدة بمشهد انهيار العزائم أمام الشمس، وهو تصوير شعوري لفقدان القوة أمام السلطة أو الزمن، حيث يعود القادة أو الأفراد الذين بدأوا الفعل ينعون بعضهم البعض، دلالة على الفشل الجماعي وضعف التضامن أمام قوى أكبر.

في قلب النص، يظهر سارق النار كشخصية أسطورية، رمز التمرد والمقاومة الفردية، يسابق الريح رغم كل العقبات، محاطًا بما يسميه الشاعر لعنة الآباء، التي تمثل الإرث الثقيل للتاريخ والظلم الاجتماعي. البياتي يربط البعد الأسطوري بالواقع الملموس، من خلال الإشارة إلى السجون السود والملاجئ، التي تشكل رموزًا للقهر والاستبداد، فيما يرمز مصباحه القاني إلى الوعي والمعرفة، لكن هذا الوعي مكبل بالصعوبات التاريخية والاجتماعية، فلا يستطيع أن يغير الأرضية القاسية للواقع.

تكرار الصور الرمزية مثل الشموس والطوافوت والمشاعل التي تعود لتضيء على أشلاء الإنسان يضيف بعدًا سورياليًا، يعكس استمرار الألم رغم محاولات قمعه، ويصور شعور الشاعر بأن زمن البطولة قد ولى، وأن الفعل البطولي لم يعد له صدى ملموس في الواقع، مما يفتح الباب على مرارة الخذلان الفردي.

البيت “وحدي احترقت! أنا وحدي!” يوضح شعور البياتي بالوحدة في مواجهة المعاناة، وإدراكه أن المحيطين به لم يشاركوه الألم أو الفعل البطولي. ومع ذلك، يظهر عنصر الغفران والتصالح الداخلي في قوله:
“إني غفرت لهم إني رثيت لهم! إني تركت لهم يا رب أكفاني!”
حيث يعلن عن تخلي الذات عن محاولات تغيير الآخرين، والاعتماد على الذات في مواجهة الظلم والتاريخ، مع استسلام مشروط للقدر والصدفة.

ختام القصيدة يعود إلى حلقة التكرار: عودة الأول لينعي الثاني، وهو تصوير لدوامة الفشل البشري وغياب القدرة على كسر دورة الهزيمة أو الفساد، مع ترك الحرية للصدفة وللتاريخ أن تحكم، بينما يبقى سارق النار رمزًا للاستمرار والمقاومة الفردية، رغم كل الخيبات والفشل الجماعي.

باختصار، القصيدة تجسيد لمأساة الإنسان المناضل في مواجهة التاريخ والسلطة والقهر، لكنها أيضًا إعلان عن قوة الروح الفردية في المقاومة والاستمرار، حتى لو كانت بلا جمهور أو تقدير.

نص القصيدة:
داروا مع الشمس فانهارت عزائمهم
وعاد أولهم ينعي على الثاني
وسارق النارِ لم يبرح كعادته
يسابق الريح من حان إلى حان
ولم تزل لعنةُ الآباء تتبعه
وتحجب الأرض عن مصباحه القاني
ولم تزل في السجون السود رائحة
وفي الملاجئ من تاريخه العاني
مشاعل كلما الطافوت أطفأها
عادت تضيء على أشلاء إنسان
عصر البطولات قد ولى وها أنذا
أعود من عالم الموتى بخذلان
وحدي احترقت! أنا وحدي! وكم عبرت
بي الشموس ولم تحفل بأحزاني
إني غفرت لهم إني رثيت لهم!
إني تركت لهم يا رب أكفاني!
فلتلعب الصدفة العيماء لعبتها
فقد بصقت على قيدي وسجاني
وما علي إذا عادوا بخيبتهم
وعاد أولهم ينعى على الثاني

الزمان أنفو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى