تعقيبا على السيد الفقيه الامام الددو /د. محمد ولدالراظي

   تسييس الدين فيه منزلقات خطيرة

الزمان أنفو _ تحدث السيد الددو عن وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الوحي وعن نكبات الأمة وأدخل السياسية في الدين وقرأ التاريخ بغير تجرد كبير وبتبسيط فيه قدر كبير من الخلل وخلص لخلاصات أحدثت لغطا كثيرا وأربكت الكثير من المسلمين والسيد الددو ليس كأي شخص فهو إن أخطأ يخطئ بخطئه ناس كثيرون وإن أصاب يهتدي به قوم كثر فالرجل له شيعة كثر وأتباع ومريدون ويتوجب عليه أن يتدبر كثيرا قبل كل خرجة….

 

هلا تساءل الناس وتدبروا لماذا شاءت قدرة الله عز وجل في الثاني عشر من ربيع الأول أن تلد آمنة بنت وهب من عبد الله بن عبد المطلب مولودهما الوحيد فتسميه محمدا بشارة الله عز وجل على لسان المسيح عيسى بن مريم !!!! ليس من جواب قد يتبادر غير أن وحيا من الله خاتما لرسالاته سينقله المولود الجديد ويبشر به ويهدي به سواء السبيل….فاقتضت إرادة الله أن يبعث في الأميين (نسبة لأم القرى فلم يكن قريش أميين بل كانوا يقرأون ويكتبون ) رسولا منهم في كتاب موقوت واقتضت جلت قدرته حين اكتمل هذا الوحي أن يأخذ إليه رسوله وحامل وحيه للناس فالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بوحي وحين ينتهي الوحي تنتهي مهمته وكل أجل عند الله في كتاب، يوم خلق نبيه من نطفة ويوم استدعى روحه للسماء….

فهل من المقبول عقلا أن يكون الله خلق رسوله لغاية معروفة أن يحمل رسالته الخاتمة للبرية ثم يأخذه إليه قبل أن يكتمل تنزل الوحي وهل من المقبول عقلا أن يتركه حيا بعد أن أكمل تبليغ رسالته وانتهى الوحي وهو لا ينطق إلا عن وحي!!!! في حجة الوداع ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد لا يلقى قومه بعد ذاك اليوم في ذاك المكان ولم يمض عليه سوى81 يوما حتى أخذه ربه إليه…..فقد انتهت مهمة التبليغ.

لا يستقيم عقلا ولا شرعا أن يأخذ الله إليه من اختاره لحمل رسالته قبل أن يستكملها ومن قال بغير ذلك فقد أتى منكرا من القول وقد فتح بابا لم يقل به أحد من الأولين ولا من الآخرين قد يدفع بأحد العوام أن يستظهر بقول من شخصية دينية وازنة فيدعي أنه نبي جاء بوحي توفي عنه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يتنزل عليه !!!!!

في النقطة الثانية من خرجته جاء في ما نقل عن السيد الفقيه الامام الددو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك دستورا ولم يترك نظام حكم وأن الخلفاء هم من أدار السلطة ونظم آليات تعيين الحاكم …!!!! بل الأصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك دستورا دينيا مكتملا ، كتاب الله فصلت آياته لا تبديل لكلماته ولا تغيير ولا تحوير، فيه أركان العقيدة وأساسات المعاملات وضوابط الأخلاق ، لم يقدر عدو أن ينال منه فما تبدل ولا تغير ، لا تصريف فيه من كائن ولا تأثير عليه من خصومات أهل السياسة ولا نزاعات أصحاب الملل؛ يحميه رب السماء الذي أنزله “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون….” وفيه أيضا مبدأ الشورى وقد أخذ به المسلمون في بيعة عمر وبيعة عثمان وبيعة علي ولم تكن الظروف مواتية للأخذ به في بيعة أبي بكر ؛ فالناس في ذهول شديد والعصبيات على أشدها وكاد الناس يقتتلون فبادر عمر بن الخطاب وعطل “الشورى” اجتهادا في لحظة مفصلية من تاريخ الإسلام كما سيفعل عام “الرمادة” فيعطل حد السرقة ، خامس حدود خمسة نص عليها القرآن الكريم……وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دستورا مدنيا كتبه يوم دخل المدينة فسماه “الصحيفة ” صحيفة المدينة، أول دستور مكتوب في التاريخ وبه حسب نوعية التبويب ما يقارب ٦٠ مادة تنظم علاقة غير المسلمين بالدولة وعلاقتهم بالمسلمين وعلاقتهم بدين الدولة …

نقل عن السيد الامام الفقيه أنه ذكر استشهاد خليفتين ولم يذكر الثالث والثلاثة ماتوا بطريقة مشابهة !!!

فإن كان يستثني عثمان فالقتل جريمة ولا ينقص من جُرميته إن كان القاتل مسلما فقد قتل مسلمون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثالث شر قتله ، شيخا كبيرا في مزرعته بسبب خلافات سياسية بين طرفين ولا يشفع لهم أي مأخذ عليه أن يقتلوه !!!!!

 

عن وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر السيد الددو أنها نكبة وعدَّدَ بعدها نكبات وتجاهل أو تناسى نكبات أخرى فوجب التذكير أن وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من النكبة بكثير فهي أم المصائب وأبوها فلا شخص يماثله ولا دولة تماثل دولته فهو سيد الأولين والآخرين وهو آخر أنبياء الله ورسله….

تحدث السيد الددو عن نكبة العباسيين وتحدث عن نكبة العثمانيين وليس العباسيون كالعثمانيبن فقد ازدهرت العلوم والفلسفات والاكتشافات وعلوم الدين في عصر بني العباس ولم يحصل أي شيء من هذا في عصر العثمانيين وكلاهما أمة تحمل مشاريع أرضية ولا رابطة تربطها بالسماء وكلما زال عهد يأتي من بعده عهد يماثله ولا يختلف اللاحق عن السالف إلا باختلاف من كان يحكم ومن أصبح الحاكم……أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان في حياته لا تقوم الدولة على خطإ لأنه مربوط إلى الله بالوحي نطقا أو إقرارا ، فكان معصوما وبعصمته تعصم الدولة في عهده فكانت حقا دولة دينية ……

غاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه ترك كتاب الله وغاب العباسيون فجاء المماليك والعثمانيون وغيرهم….و بين عهد النبوة وجميع هذه العهود ما بين الثريا والثرى..

ذكر الفقيه الإمام أن ثاني النكبات كانت سقوط العباسيين وثالثها سقوط العثمانيين ورابع النكبات الديانية الابراهيمية ….

سقوط العباسيين كان للفرس والأتراك دور كبير فيه فقد كانوا يتنازعون السلطة ولم يكونوا يتنازعون لوجه الله بل للنفوذ داخل الدولة والتحكم في مفاصلها فكان نزاعهما من الأسباب الجوهرية في ترهلها وانفصال الأطراف عنها و حين سقطت لم يأت الفرس ولا الأتراك لنجدة المسلمين بل جاء المماليك وحاصروا المغول في عين جالوت وقضوا عليهم……فكيف نبكي على العباسيين ونثني على الأتراك الذين كان لهم دور كبير في ضعفهم ثم نتجاهل المماليك الذين استعادوا الدولة الإسلامية وأعادوا لها قوتها وأبهتها ولا يكون زوالهم نكبة كالنكبات الأخرى !!!!!

من الناحية الفقهية لم يكن من الوارد من فقيه مالكي أن يتناسى مالحق بالامام مالك على يد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور فقد أدرك الإمام مالك ما يقارب أربعة عقود من العصر العباسي الأول و توفي عام 179للهجرة ولحق به من المنصور أذى شديد لما بلغه أنه زكى دعوة “محمد النفس الزكية” للخلافة العلوية ولم يُصل مالك من بعد ذلك جمعة ولا جماعة ودفع بأن لا يجوز لإمام أن يظهر بما قد يخدش من إجلال الناس له وهو قد نال من المنصور من التعذيب ما لم تندمل آثاره من جسمه بل يقال إنه لم يعد بعده قادرا على قبض يديه في الصلاة….

ما قد يكون أصاب فيه الإمام الفقيه أن الدين الابراهيمي كارثة ومصيبه فهذه الدعوة الابراهيمية تهدف لنسف أسس العقيدة الإسلامية وتأتي للإلتفاف على ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم و الإنقلاب عليه وهي منكرة من أكبر مناكر الدين وعلى جميع المسلمين الوقوف في وجها..

يقينا أن الامام الفقيه لا يقصد التنقيص من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من الدولة الإسلامية ويعلم أكثر مني كثيرا وأكثر من غيري ما يجوز قوله وما لا يجوز لكنه طرق أبوابا ليست من الفقه وليست أيضا من أمور الدين الملحة ولا تخدم قضايا المسلمين العاجلة وليس له فيها باع كبير فدفعته السياسة لمنزلقاتها الخطيرة فأدت به في قاع سحيق كان عليه أن يتدبره قبل أن يقع فيه……قد نعارض الدين الإبراهيمي ومن حقنا ذلك وقد نعارض الإمارات لأسباب سياسية وقد نوالي تركيا لذات الأسباب لكن هذا الحق لا يمنحنا حق أن نعطي للعثمانيين ما لم يدعيه منهم أحد ولا أن نعطيهم دورا ما كان لهم في الماضي وليس لهم في الحاضر….

حبذا لو اقتصر دور الفقيه على الفقه وابتعد المفتي عن السياسة فينجو بنفسه وبنجاته ينجو كل من يأخذ بفتياه فالسياسة منزلق خطير والدين أسمى وأجل وعليكم جميعا أن تتأسوا بالامام مالك الذي أفتى أن الإمام لا يجوز له أن يظهر بمظهر يخدش من مكانته عند الناس….

حفظ الله الإسلام والمسلمين

اضغط لقراءة ملخص مقتضب من المقال مترجم للفرنسية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى