سالم دندو في حوار مع “الجزيرة”: السينما الموريتانية وثائقية بامتياز

     وسيم القربي – نواق شوط     

عيناه محمّلتان بصور الذكريات، وملامح وجهه يختزن جغرافيا من الحنين والعشق لبلاد شنقيط… سالم ولد داندو، سينمائي موريتاني حالم، اختار أن يتأمّل الأفق ليرى شمس المحيط تغرق، لكنّه ظلّ متشبّثا بآماله المعلّقة التي تكسوها نظرة ألوان الأمل وحبّ الوطن وحُرقة العشق السينمائي… التقته الجزيرة الوثائقية فكان الحوار التالي:

في البداية لو تحدّثنا عن مسيرة سالم داندو؟ سينمائي موريتاني، أعشق المسرح والسينما والفنون بصفة عامة. بدايتي كانت في الثمانينيات مع الفنّ المسرحي حيث أسّست نادي المسرح الجامعي ثمّ في ما بعد كونت فرقة “شنقيط” للمسرح، و”شنقيط” هو الاسم التاريخي التي تُعرف به موريتانيا والمسرح بالنسبة لي هو الحياة بالرغم من أنّ الاكتفاء بممارسته لا يوفّر لقمة العيش.  أمّا في فترة التسعينيات، فقد انتقلت للعمل في التلفزيون الموريتاني، موازاة مع المسرح، وهناك عملت كمنتج للأفلام الوثائقية وبعض الحصص المتنوعة. تعلّمت كثيرا من خلال هذه التجربة، والأهمّ من ذلك أنّها مكنتني من التعرّف على المخرج عبد الرحمان سيساكو الذي اشتغلت كممثل في فيلمه “في انتظار السعادة” سنة 2002. ومن هناك كانت انطلاقتي الحقيقية في المجال السينمائي وأسست رفقة صديقي عبد الرحمان أحمد سالم “دار السينمائيين الموريتانيين” وأخرجت العديد من الأفلام الوثائقية.

سالم داندو كيف ترى واقع التجربة السينمائية في موريتانيا؟ السينما الموريتانية هي سينما وثائقية بامتياز، بالرغم من أنّها سينما جنينية وحديثة العهد مقارنة مع السينمات الأخرى، غير أنّه هناك أجيال سعت من أجل إرساء نواة للفنّ السينمائي في موريتانيا. المخرج عبد الرحمان سيساكو حاول أن ينشّط الحقل السينمائي الموريتاني، وتمكّن بفضل أفلامه ذات الإنتاج الفرنسي بالأساس أن يحتلّ موقعا مهمّا في قائمة المخرجين الأفارقة، كما أنّ دراسته للسينما في أروبا الشرقية جعلته متمكنا من التقنيات السينمائية وخاصة أنه تشبّع بمبادئ السينما الروسية. خطوات التأسيس الحقيقي بدأت في فترة التسعينيات غير أنّ العديد من العوائق عطّلت الرغبة في الإنتاج السينمائي.

ما هي الإكراهات والعوائق التي عرقلت نموّ السينما الموريتانية؟ السينما تتطلب الأموال، ولكن مع تهميش القطاع الثقافي بصفة عامة في موريتانيا وغياب المسئولين عن التظاهرات الثقافية وتلاشي أموال الدعم أصابنا الإحباط. نحن مثقفون جمعنا حبّ السينما وخدمة الثقافة في هذا الوطن، نحن غائبون بامتياز على الخارطة السينمائية والكثيرون لا يعرفون أنّه يوجد فنّ سينمائي في موريتانيا. نظمنا المهرجان الدولي للفيلم القصير بنواق الشطّ بإمكانيات محدودة جدّا، واستضفنا العديد من المخرجين الأجانب، لكن دورة 2012 ستبقى في البال باعتبار غياب وزيرة الثقافة وخاصة غياب الدعم كليا للمهرجان السينمائي الوحيد في موريتانيا. نحن نحسّ بغربة في وطننا، نحن مثقفون مهمّشون، عندما نحضر مهرجانات خارج الحدود تُفرش لنا السجادات الحمراء، ونمثل بلدنا ويتباهى المسئولون بمشاركتنا على الورق، لكن بمجرّد عودتنا لا نجد ولو لفتة واحدة منهم. السياسة الثقافية لا بدّ أن تتغيّر، ولا بدّ أن يكون للمثقف في هذا البلد شأن لأنّ الوطن بلا ثقافة ليس وطنا، فالثقافة هي التي تساهم في توعية المواطن وهي التي تساهم في الإعلاء من صيغ تفكيره.

لو تحدثنا كيف ترى مستقبل السينما في موريتانيا ولا سيّما مع هذا الجيل الجديد؟ بالرغم من هذه الإحباطات، إلا أنّ دار السينمائيين الموريتانيين رسمت برنامجا واضحا من أجل الرقيّ بالسينما والموريتانية وتثبيت حضورها، حيث بادرنا بتحويل مهرجان أسبوع الفيلم الوطني إلى مهرجان دولي قصد الاحتكاك بتجارب السينمائيين، كما أننا أصبحنا نقوم بدورات تكوينية للسينمائيين الشباب والهواة من أجل ترسيخ الثقافة السينمائية وتكوين جيل جديد ليواصل المنهج، خاصة في ظلّ غياب مدارس أو جامعات تُعنى بالفنون. وقد تمكنا بالفعل من تكوين جيل من الشباب الذين سيكون لهم شأن في مستقبل السينما الموريتانية، وأصبح لدينا العديد من المخرجات الشابات مثل عزيزة كابر والسالمة منت الشيخ الوالي ومريم عزيزة… وبالتالي فقد أصبح للمرأة الموريتانية شأن في المجال الثقافي.

 

على ذكر المرأة، تطرّقت في فيلمك “الهروب” إلى وقائع قهر الجسد الأنثوي، فما هي الرسالة التي حملها فيلمك الوثائقي؟ “الهروب” هو ثورة على تقاليد بالية تحكم مجتمعنا، والمجتمع الموريتاني هو خليط من العديد من الأجناس إلا أنّ ما يجمعهم هو حبّ الوطن وإنسانية الإنسان. في هذا الفيلم الوثائقي الذي يدوم 26 دقيقة أردت أن أنقل وقائع لانتهاك جسد الأنثى وقمع المرأة، من خلال التزويج المبكر للفتاة القاصر وظاهرة الاغتصاب وبيع المرأة للعريس الذي لا يرحم. هو مجموعة صور قاتمة لمجتمع محافظ، غير أنّه تكمن نزعة وحشية في التعامل مع المرأة، وهو ما بيّنته واعتمدت في الكثير من الأحيان الرمزية والإيحاء باعتبار أنّ المجتمع الموريتاني لم يألف الصورة بعد.

ما هي مشاريعك المستقبلية وبماذا تختم هذا الحوار؟ عشقي مسرحي سينمائي، بعد دوري كممثل في فيلم “أزهار تيويليت” أستعدّ الآن لإخراج مجموعة من الأشرطة الوثائقية في أعماق الجغرافيا الموريتانية. إنّ موريتانيا تحتوي على مواضيع خصبة للإنتاج الوثائقي وهذه دعوة لكل المهتمين أن نتعاون معا من أجل التصوير، كما أتمنى أن أشتغل كممثل في أحد الأفلام الطويلة أو أحد المسلسلات المصرية من أجل إبراز طاقاتي للجمهور. وأنهي هذا الحوار بعباراتي النابعة من القلب:لم أجن في حياتي مالا، فقط ما يكفي للقمة عيش، لم أحلم إلا بالسينما ولم أعشق إلا هذا البلد بالرغم من أنه قد همّش مبدعيه .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى