آرما موريتانيا… ونواكشوط اليوم

قراءة مستقلة في مقال منشور على موقع “الأخبار"

الزمان أنفو (نواكشوط): النقد البنّاء ركيزة أساسية لتقويم الأداء ودفع المؤسسات نحو الأفضل، غير أن الخط الفاصل بين النقد الموضوعي والاتهام المسبق كثيرًا ما يُساء فهمه أو يُتجاوز عمدًا.

والمقال الذي تناول تجربة شركة «آرما للبيئة» في موريتانيا مثال واضح لهذا الخلط بين التحليل الميداني والانطباع المسبق.

فمنذ أسابيع فقط، باشرت الشركة مهامها في العاصمة نواكشوط، بعد أن ورثت وضعًا بيئيًا بالغ التعقيد: جبال من القمامة تراكمت لشهور، وعادات مجتمعية لم تتأقلم بعد مع ثقافة النظافة العامة.

ورغم ذلك، بدأ المواطنون — لا المراقبون البعيدون — يلمسون تحوّلًا تدريجيًا في الشوارع والساحات الكبرى.
فقد ظهرت آليات جديدة في مواقع مختلفة من العاصمة، وتراجعت المكبات العشوائية التي كانت تهيمن على المشهد الحضري لسنوات طويلة.

وهذه ليست دعاية إعلامية، بل مشاهدات ميدانية يراها العابرون في مقاطعات عدة من نواكشوط.

غير أن كاتب المقال — الذي قدّم نفسه بصفة “ناشط بيئي” — لم يُسمع له صوت يوم كانت العاصمة تختنق بالنفايات، ولم يكتب سطرًا واحدًا عن معاناة السكان حين كانت الأحياء محاصرة بالأوساخ.
واليوم، وبعد شهر واحد فقط من تسلّم آرما لمهامها، يُصدر حكمًا قاسيًا بالفشل، متجاهلًا التعقيدات اللوجستية والميدانية التي ترافق أي انتقال لمرفق بهذا الحجم.

يبقى التساؤل مشروعًا:
هل كتب صاحب المقال من نواكشوط فعلًا؟
هل جال في شوارعها ليقيس التحسن والخلل بعينه؟
أم اكتفى بما تصله من صور قديمة وانطباعات بعيدة؟

لأن من يتجول اليوم في الطرق الرئيسية للعاصمة يرى بوضوح حركة آليات آرما ليلًا ونهارًا، وفرقها التي تعمل في صمت بعيدًا عن عدسات الكاميرات.

صحيح أن نواكشوط ما زالت بحاجة إلى مزيد من التنظيم والتحسين، وأن تجربة الشركة في بدايتها، لكن التقييم العادل يجب أن يستند إلى رؤية ميدانية وزمنية متوازنة، لا إلى أحكام متسرعة.

فـ «آرما» لم تدّعِ الكمال، بل دخلت الميدان بخطة إصلاح تدريجية، تواجه خلالها تحديات تراكمت لسنوات.
ومن حق أي مراقب أن ينتقد، لكن من واجبه أن يضع نقده في سياقه الواقعي، وأن يفرّق بين الأداء القابل للتطوير والنية المسبقة لتشويه تجربة واعدة.

إن من يقرأ المقال المهاجم يدرك سريعًا أنه لا يتحدث عن نظافة نواكشوط بقدر ما يسعى إلى تقزيم دور الشركة، متجاهلًا الجهد اليومي الذي يلمسه المواطن العادي قبل الناشط الافتراضي.

في الختام، ليست «آرما» فوق النقد، ولا يُطلب لها إعفاء من المحاسبة، لكن الإنصاف يقتضي أن يُقاس العمل بما تحقق على الأرض، لا بما يُكتب في المقالات.

إن نواكشوط اليوم ليست نواكشوط الأمس، ومن يتجول في شوارعها يدرك أنها لم تعد غارقة في القمامة كما كانت،
فالفرق بين نواكشوط أمس ونواكشوط اليوم هو ما تصنعه إرادة العمل والإنجاز.

عبد الله عبد الله / ناشط مهتم بالبيئة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى