مقابلة الزمان مع الكاتب سيدي علي بلعمش

بعد أن توصلنا بردود  فعل واسعة على مقالات الكاتب الموهوب سيدعلي بلعمش..انتقادات البعض ووصف البعض لها بالشخصنة وتساؤل البعض الآخر عن مصير الكاتب بعد تلقيه تهديدات عنيفة وصلت حدَ التهديد بالقتل، قررنا إجراء مقابلة شاملة مع الكاتب حول كل المواضيع المتعلقة به وحول مواضيع الساعة..تحدث ولد بلعمش وبسط آراءه بصراحته المعهودة مؤكدا أنه لا يعادي أحدا في هذا البلد مثنيا على أحمد ولد داداه الذي يعتقد البعض أنه عدوه اللدود، موجها له ولولد مولود وللجميع  الدعوة لدعم النقيب ولد بوحبيني في حال عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية..

 

حاوره: عبد الله محمدالفتح

 

ـ الزمان :  السلام عليكم .. ـ سيدي علي بلعمش :   عليكم بالسلام و رحمة الله ، أهلا بك

 

.

ـ الزمان : شكرا على قبول هذه المقابلة، التي نريدها كاشفة لرؤيتكم و مواقفكم من أشياء كثيرة في البلد.

ـ سيدي علي بلعمش :  أهلا بكم

 

ـ الزمان :  ماذا حصل مما يحكى عن قصة مغادرتكم البلد بسبب التهديد ؟

ـ سيدي علي بلعمش :  هناك لغط كثير ، لست معنيا بالرد عليه ، أما بخصوص ما ذكره الأديب و الكاتب عبدالله ولد بونه ، فهو أساسا من يسأل عنه لأنه كان يعمل مع مجموعات في الخارج على القضية و هم من أخذوا المبادرة مشكورين و قد كانوا رائعين و خدومين و مستعدين لتقديم أي خدمات ..

ـ الزمان : و هل كانت التهديدات جادة و خطيرة إلى هذا الحد؟

ـ سيدي علي بلعمش :  نعم و لا : فلو كنت في بلد تحمي فيه الدولة كرامة الإنسان لما فكرت دقيقة واحدة في أي شيء من هذا و لما فكر فيه أيضا أي ممن ينوونه و لديهم كل الوسائل المتمدنة و الحضرية لصيانة سمعتهم و كرامتهم، لكننا مع الأسف في بلد لا كرامة للإنسان فيه و لا يعلو فيه صوت فوق صوت المحسوبية و القرابة و الرشوة ..

بلد تقوم فيه مجموعة بالاعتداء الجسدي على نائب برلماني في بيته و تعترف أمام الأمن و القضاء بأنها كانت تنوي قتله (و القضية مطروحة الآن أمام القضاء) و بعد أسابيع من توقيف الجناة يقوم وزير العدل سيدي ولد الزين بإصدار الأوامر إلى القضاة و الضغط عليهم لإطلاق سراحهم كما فعل مع رجل الأعمال الإسباني الذي تم سجنه قبل أيام و مصادرة ممتلكاته لصالح شركائه المحليين بعد أيام فقط من صدور حكم قضائي لصالحه ؟ لو حدث هذا في حقي لا قدر الله، لوجدت نفسي في مواجهة دولة و هو أمر لا قبل لي به سينتهي حتما بنهايتي : نعم لقد كنت خائفا جدا لكنني كنت أخاف من نفسي أكثر مما أخاف عليها، لأن الاعتداء علي كان واردا و ممكنا جدا بل أسهل من الممكن فأنا لست طارزان و لا تايسون و حين يحدث، سيكون علي إما أن أتنازل عن كرامتي و هذا أمر مستحيل  (في بلد تتمنى فيه الأغلبية و المعارضة و رجال الأعمال (الفاسدة) و نقابة الصحفيين و رابطة الحلاقين و اتحاد الأدباء و قنوات فضاء العصابة  و مشايخ المتاجرة بالدين و كتاب الزور  و العرب و الزنوج و البربر و الإسلاميون و المنظمات التبشيرية و الخلايا اليهودية النائمة و اليقظة، أن يتشفوا في ) و إما أن أواجه طيش أفراد و ظلم دولة و هذه ليست معركتي من جهة و لا يمكن أن أنتصر فيها من أخرى إلا في بعد واحد لا أتمنى أن أكون السبب فيه في هذا البلد الهش الذي نتمنى أن يمن الله عليه بقيادة رشيدة و عاقلة و مسؤولة و متألمة مما يحدث فيه، متسلحة بالعلم و الأخلاق و النوايا الحسنة و مؤمنة بحق التعايش السلمي و حق الجميع في المساواة في الحقوق و الكرامة و الصفقات العمومية و الامتيازات ..

نعم لقد هربت (كما يحلو للبعض أن يقول) مؤقتا  ، لأنني كنت خائفا جدا. و “اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة بن ربيعة” ..

لقد غادرت مؤقتا لأنني كنت أخاف على نفسي و أخاف منها : أخاف عليها لأنني لا أريد أن أتعرض لأعمال قذرة أفهم جيدا كيف يتم تدبيرها في بلد بلا أمن و لا قضاء و أخاف منها  لأن الظروف إذا فرضت على  ـ لا قدر الله ـ الدخول في مثل هكذا صراع ، سأكون أقل من يحسب عواقبه . و ليست هذه معركتي . إن معركتي التي أضحي بكل شيء من أجلها بكل راحة بال ، مع هذه الأنظمة الظالمة التي تنهب خيرات بلدنا و تحتقرنا و تريد أن تلزمنا فوق هذا كله بالاعتراف بعدالة ظلمها ..

 

ـ  الزمان : لكن البعض يأخذ عليك عدم الدقة في ما نقلت من أشياء؟

ـ سيدي علي بلعمش :  لقد تكلمت عن ظاهرة (و الظواهر تقال للأشياء التي لا يوجد لها تفسير علمي) لا عن حقيقة علمية يمكن تفسيرها بفحص جينات أصحابها أو محاكمة أفعالهم، فلا هم مستعدون لتقديم نوعيات من دمائهم لفحصها و لا هم مستعدون لمحاسبة أنفسهم و لا محاسبة غيرهم. و كل الأنظمة الفاسدة تظلم الشعوب و تظلم معارضيها و تظلم الموالين لها و تظلم المقربين منها و تظلم نفسها  لأنه لا يمكن أن يستبد نظام فاسد إلا في مناخ فساد متكامل. و لا أبرر عدم دقتي بفساد النظام (و هو أمر من حقي لأننا لا يمكن أن نحيد الشفافية و القانون بتعمد و نفرض التزام الآخرين بهما) : لقد تكلمت عن تحكم مجموعة من أقارب ولد عبد العزيز في كل شيء.

و على من يرد علي بأنهم شخصيات موريتانية مثل غيرهم، أن يرد على هذه الأسئلة:

ـ هل كانوا يتحكمون مثل ما يفعلون اليوم قبل 4 سنين؟

ـ هل كان تواجدهم في الوظائف الأساسية للدولة قبل أربع سنين، يمثل عشر هذا الحجم؟

ـ هل كان نصيبهم من الصفقات العمومية عشر هذا الحجم قبل 4 سنين؟

ـ هل تواجدهم في البرلمان اليوم يمثل عشر تواجدهم قبل 4 سنين؟

إذا كانت الأجوبة نعم ، فأنا المخطئ في حقهم، و إذا كانت لا، فليعطيني تفسيرا..!؟ و عليه أن لا يبرر لي ذلك بهيمنة أقارب لولد الطائع على هذه الأمور في زمنه، لأن هذا تبرير أقبح من الذنب و لأنني شخصيا صرخت به حتى بحت أوردتي و حتى آخر لحظة من حكمه و تلقيت بسببه سيلا من الشتائم و دفعت ثمنه غاليا بالتهميش و المحاصرة و المتابعة المباشرة..

أريد أحدكم أن يشرح لي المنهجية التي كان يجب اتباعها لتفسير هذه الظاهرة سواء في زمن معاوية أو ولد عبد العزيز : من السهل في أي بلد أن تصل إلى الحقيقة حين تكون التجاوزات مرتبطة بالأشخاص، لكن إذا كانت الدولة هي من تنهب و هي من تسير و هي من تبرر و هي من تحاكم، و هي من تعطل القانون و هي من تتحايل على الشفافية فمن أين يمكن أن تحصل على الحقيقة؟ 

يقال لك اليوم إن أهل انويغظ كانوا ضد ولد الطائع و لم يستفيدوا من نظامه و هذا أمر تفنده أو لا تفسره على الأقل، قضية الطوابع الجبائية التي كان يجب أن يكون أصحابها اليوم في السجن لو كان طبق في حقهم جزء بسيط من القانون.. و على من يفسرون قولي “أقارب لولد عبد العزيز” بقبيلته أن يتحملوا مسؤولية تفسيرهم لأنني مسؤول عن ما أقوله لا عن ما يفهمه الآخرون.

و أعي جيدا أن نصف قبيلة الرجل أو أكثر، ضده و ثلثها لا علاقة له و ربما لا علم له بقصة حكمه. لكن إثارة النعرات القبلية و الحساسيات الاجتماعية وسيلة معروفة لدى الأنظمة الضعيفة و الغرض منها هنا هو لفت الأنظار عن هذه الحقائق الماثلة للعيان و التي يتحدث عنها جميع الشعب الموريتاني يوميا بمن فيهم من يتظاهرون بالقرب من النظام و الدفاع عنه، بالصريح و التهكم في كل الصالونات، إلى عداء للقبيلة و العشيرة و التاريخ و الجغرافيا.

و لا شك أيضا أن صراع المافيا على الثروة في البلد يخلف طوفانا من الأكاذيب و الأكاذيب المضادة ، لا قبل للصحافة بمعرفة صحيحها من كاذبها لكنه باستطاعتها تفجير الوضع كمرحلة أولى و هو تفجير سيكون له ثمنه حتما ، إذا وجد من يقبل بدفعه طبعا و ليس من داخل هذا الغث الذي يتواجد على الساحة الإعلامية بكل تأكيد من يؤتمن أن يفعل ذلك.

و علي هنا أن أشيد بما يقوم به موقع “الأخبارإينفو” من جهود جبارة و شجاعة و مهنية جدا و مكلفة جدا أيضا،  لإظهار العديد من الحقائق الكبيرة التي يقف الجميع دونها. أما الآخرون فلا بصمات لهم و إذا بصموا فلن تجد حقيقة غير مشوهة و مستغلة أسوأ استغلال و لن تجد مهنية في الشكل و لا في المضمون و لا حتى في القصد..

 

 

ـ الزمان : ما هي مآخذك بالضبط على صحافتنا؟

 

ـ سيدي علي بلعمش : ليست لدي أي مآخذ عليها لأنها أصلا غير موجودة.. هذا وباء عقلي اجتاح البلد و نصب  مخيمات مجانينه و هوائياته في كل حي من العاصمة و بدأ يتمدد إلى الداخل.

أعرف أشخاصا يقودون “مخيمات مجانين كبيرة” يصدرون التوجيهات و يحاضرون في الإعلام و يعملون المقابلات في المحطات الإذاعية و التلفزيون حول مشاكل الصحافة ، و ليس من بينهم من يفرق بين الفاعل و المفعول به و لم يسمع قط عن الإعلام و لم يسأل حتى بعد اهتمامه المرضي به ، عن قصة هذه المهنة المهانة في هذا البلد؟ ..

نحن مجتمع مستهتر و هذه حقيقة مؤسفة و مؤلمة: كلما فكرت في الصحافة الموريتانية على وجه الخصوص ، انتابني شعور أليم  بأن موريتانيا لن تكون دولة في يوم من الأيام. و من بين الثمانمائة “صحفي” المنتسبين إلى نقابة مخيم مجانين الصحافة ، هناك حوالي 20  يمكن أن يعملوا في الصحافة ، أما البقية فمكانهم صالونات التجميل و نقطة ساخنة  و شارع عزيز ..

و هذه ليست إساءة إلى أي أحد يا ناس ، إن الإساءة التي لا تغتفر هي انتماؤكم إلى الصحافة : إساءة إلى الصحافة ، إساءة إلى أنفسكم و إساءة إلى صورة موريتانيا و سمعتها ، و أنا متأكد الآن أن أيا منهم لن يعتبرني أسأت إليه ، لا لتفهمه و سعة صدره لتقبل النقد و إنما لأنهم جميعا يعتبرون أنفسهم من تلك العشرين : إنه مخيم مجانين بالفعل؟

 

 

ـ الزمان : عداؤك للصحافة هو ما جعلهم يحجمون جميعا عن التعاطف مع قضيتك؟

 

ـ سيدي علي بلعمش : يشرفني حد الغرور عدم وقوفهم معي و هو وسام أحمله على صدري أمام الله و أمام الأجيال القادمة من أبناء شعبي الذين سيقرؤون عن ما كان يوجد في بلدهم من ظلم و قهر و  نهب و تسيب ، لن يجدوا له أثرا في صحافتهم بسبب فتاة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و صدقات ميناء الصداقة  و موريتل و ماتل و شنقيتل التي يسكتون عن استعبادها للعمال الموريتانيين و ظلمها لهم ، فراتب مهندس مغربي في موريتل يتجاوز راتب مهندس موريتاني متخرج معه في نفس السنة من نفس الكلية عشرات المرات و هو حال التونسيين في ماتل و السودانيين في شنقيتل و لا يجدون صحيفة و لا موقعا واحدا في بلد كامل تقول لهم أنا لا آكل مقابل إسكاتي عن إذلال شعبي و احتقاره.. هذه ليست صحافة يشرفني وقوفها معي، مع الأسف ..

أما أنا فلا أعادي أحدا في هذا البلد و لا يمكن أن أعاديه لكنني قد أحبه بطريقة لا ترضيه : لقد أدمنت الناس الحياة السهلة  في هذا البلد و أصبحت دعوتها لفضاءات المجد المتعبة تعتبر عداء لها و الإصرار عليها عزفا على عقدها  و نكء لجراحها. و هذا بالفعل هو خطئي الفادح الذي ما زلت أرفض التراجع عنه. و أعذر أيضا من يتعاطفون معي بصمت (و هم كثر) لأنني لا أتمنى أن تتأثر مصالحهم بسببي  : نحن ما زلنا في دولة “بازيب” .

 

 

ـ الزمان : يرى البعض أنك تهجمت على رئيس الجمهورية بعبارات نابية و كان فيها بعض الغمز؟

ـ  سيدي علي بلعمش :  أولا هي ليست جمهورية و هو ليس رئيسها بل رئيس عصابة “بازيب” نحن مولعون بالتسميات الكبيرة . هذه ليست دولة و إنما هي غابة إفريقية يفترس فيها القوي الضعيف و يستبيح فيها القادر العاجز و يطوع فيها الجاهل العالمَ : لا فائدة في معرفتك في هذا البلد إذا لم تجعلها آلة للإيجار اليومي للدفاع عن قانون الغاب و منطق قانون الغاب و فرض واقع قانون الغاب..

لقد قلت و ما زلت أقول إنه لا يوجد قبر واحد لأب أو جد لولد عبد العزيز في موريتانيا و لم يولد بها و هذا ليس غمزا و لا لمزا فيه و لا في أي آخر و أعني به ما يعنيه بالضبط أي أنه ما كان ينبغي على الإطلاق  أن يكون رئيسا لموريتانيا، لو كانت فيها نخب حقيقية ..

و على حد علمي أن أمريكا التي تعتبر أكبر ديمقراطية في العالم قبلت أن يكون كولن باول قائد جيوشها و قبلت أن تكون كوندوليزا رايس وزير خارجيتها لكنها انتفضت عن بكرة أبيها حين تم تعيينها مسؤولة الأمن القومي، الأقل بكثير (في منطقنا نحن البسيط على الأقل) من وزيرة الخارجية ، رغم أنها لا تقارن بحالة ولد عبد العزيز ، فقد كان لها آباء عدة مدفونين في أمريكا و كانت من أكبر الكفاءات الأمريكية و أكثرها عطاء و وفاء لبلدها لكن احتجاج من غضبوا من تعيينها على الأمن القومي، كان بسبب حصر أصولها في مناطق أمريكية دون غيرها.

و لم يكن هذا موقفا عنصريا من قبلهم و لا يتعلق بلونها أو أصولها لأنه ينطبق على بيض مثلها بل كان تفسيرا منطقيا لشروط احتلال هذا المنصب الحساس من منطلقات أمنية مقنعة. و لا تغضب النخب الأمريكية و لا تتحرج من إثارة مثل هكذا مواضيع لأنها دولة قوية و أنظمة قوية، تجعل مصلحة أمريكا فوق كل حساسيات و لا تتحملها “أنظمتنا” نحن الضعيفة لأن حساسياتها فوق كل مصلحة الوطن و فوق الجميع..

 

 

ـ الزمان : و هل أنت راض عن ما كتبته من الناحية المهنية؟

ـ سيدي علي بلعمش : أولا، المهنية ليست  مرتبطة بعمل الصحافة دون غيرها .. كل عمل يحتاج إلى المهنية  في ممارسته .. و كل عمل ينقصه أن لا يتم بمهنية ، فلماذا لا يطالب بالمهنية في هذا البلد غير الصحافة؟ .. إنه ولع الموريتانيين باستعمال القوالب الجاهزة ، ليس إلا.

على العموم، لقد تألمت أنا كثيرا للطريقة التي قتل بها القذافي لكنني حين أتأمل الطريقة التي قاد بها ليبيا أجد أنه هو كان السبب في قتله بتلك الوحشية و الهمجية التي ظل يحكم بها ليبيا طيلة قرابة نصف قرن: و رغم أن هذا موضوع أيام تشاورية لا مقابلة ، إلا أنني أتساءل ، كيف يمكن أن تكون دقيقا و تصل إلى المعلومات في بلد تضرب فيه الشرطة النواب و تطرد العمد و ترفض لجنة الانتخابات تسليم محاضر المكاتب الانتخابية لممثلي الأحزاب .. بلد يقود فيه الملازمُ العقيدَ .. بلد يعين فيه الوزراء للنقباء .. بلد ترتعد قيادات أركانه من كتيبة مارقة على القانون.. بلد وصلت وقاحة نظامه حد إرسال فرق تفتيشه إلى بعض الإدارات ليطلبوا من المسؤولين عنها رد ما نهبوه و يعلنون للشعب أنهم وجدوا مديرا ينهب المال العام و “قد ألزمناه بإعادة ما سرقه و تركناه في وظيفته” ..

بلد تقدم فيه جميع أوراق شجرتك العائلية لفرق امربيه التي تم اختيارها على معايير محسوبية يتحدث عنها الجميع و لم يتلقوا أي تكوين، فيكتبون اسمك بالمعكوس و تاريخ ميلادك كيفما اتفق و اسم أمك في خانة محل الميلاد و حين تراجعهم متوسلا بالعودة إلى الملف الذي قدمت لهم لتصحيح أخطائهم ، يقولون لك إن الأوامر الصادرة لهم تمنع عليهم أي تصحيح !؟.. بلد ينهب كل يوم من طلوع الشمس إلى مغيبها و لا تستطيع أن تجد فيه فاتورة مزورة و لا معاملة ناقصة و لا عرضا لم يمر بجميع الدوائر المتخصصة؛ فمن ينهب إذا و من لا ينهب ؟ .. من يتحايل و من لا يتحايل ؟ .. من نصدق و من نكذب؟ .. من نسأل و من نتحاشى؟ .. من يملك الحقيقة في هذا البلد؟ .. من يملك غير جزء مغشوش منها في ما يدعيه؟ .. و سنطرق خجلا أمام من يقول إننا نفتري عليه إذا كان يستطيع أن يبرر للمحاكم مصادر ثروته، إذا لم يدعي أنها سقطت على رأسه من السماء، و لا أدري حينها كيف ينزعج من معجزة سقوط غيرها عليه..

لقد فقد الجميع  الثقة في الدولة و دوائرها و أطرها و وثائقها و شهاداتها و السبب هو وقاحة أساليب النظام و استهتار أجهزته المرتشية من البواب إلى الرئيس، لا غواية التطاول من طرفنا نحن المواطنين البسطاء على قداسة الأكابر..

 إن أكبر المتاح للصحافة في بلدنا  اليوم هو قراءة ظاهرية تتسول الفهم  و تقفز على الحقائق بروح انتحارية، إذا تنازل الصحفي عن مغامرتها ، عليه أن يكون شاهد زور أو يبحث عن عمل آخر في إحدى قنوات الهابا أو مواقعها.. و من المؤسف حقا أنها طريقة تظلم البعض (و يجب أن تكون أعراض الناس و كراماتهم و أسرارهم مصانة و مقدسة) لكن أين يكون الحل؟ و أين يكون حين نفهم أن النظام هو من خلق هذه الآليات حتى لا تكون هناك أي طريقة للوصول إلى أي حقيقة؟  و لماذا يكون ظلم ثلة منا أعظم من ظلم شعب كامل تعيش نسبة 90% منه تحت خط الفقر في بلد تعيش الصين و اليابان و إسبانيا و روسيا و فرنسا و غيرهم  على خيرات بلده : الحديد و الذهب و اليورانيوم و النحاس و البترول و السمك و الزراعة  و الثروة الحيوانية الهائلة..؟

فهل كرامتهم أهم من كرامة الشعب ؟ وهل سمعتهم أهم من سمعة البلد؟ على من أطلقوا هذه الفوضى أن يتحملوا مسؤولية نواقص كل ما ندعيه و أخطاء كل ما نقوله و حتى تعمد كل ما نفتريه.. 

و لماذا يكون كذب الصحافة في مدح النظام و أزلامه حلالا و كذبها في ذمه حراما.. هل شرط حرمة الكذب في ما يروي أو في ماهيته..؟ لقد عاثت عصابة ولد عبد العزيز فسادا في البلد و عبثت بوثائق الإدارة و تقاليدها و أعطت نفسها حق الوصاية على الشعب و خيرات البلد و حيدت القانون و احتقرت الدستور و سفهت الجميع، فمن نسأل ؟ و من نصدق ؟ و من نأتمن؟  و لماذا يكون من حقهم أن يعبثوا بكل هذه المقدسات و يكون علينا نحن أن نظل سجناء لقهر القانون دون رحمته؟ إلى من يقولون إن ما قمت به لم يكن مهنيا ، أقول لهم :

ـ أعيدوا لنا “اسمار” لنعرف أنكم تفهمون ما تقولونه ..

ـ أخبرونا عن ثروة ولد عبد العزيز ، لنفهم أن ما تطلبون منا ممكن ..

ـ أخبرونا كيف تخرج مبالغ كبيرة من حسابات الجيش و تعطى لتجار للمرابحة، لنجد أنفسنا أمام حالات مثل حالة ولد الخوماني، لنفهم أنكم تفهمون ما يحدث في موريتانيا.

 

ـ فهمونا كيف منحت صفقة مطار نواكشوط الجديد لشركة بلا خبرة في المجال ، ليكون من حقكم أن تلزمونا بالدقة و الموضوعية ..

ـ أخبرونا كيف يؤتى بمرشح إلى بلدة لا يسكنها و لا يملك فيها بيتا و لا يعرف وجها من أهلها و يقيم فيها حملة يأتي بأكثر أهلها من نواكشوط و المناطق الأخرى و ينجح فيها (ولد الجدين و خلفه و العشرات مثلهم)، لنفهم أنكم جديرين بالديمقراطية و الحرية و المهنية التي تتشدقون بها..

ـ أخبرونا كيف يجتمع البرلمان في سابقة لم يعرفها البلد، في دورته العادية (دورة الميزانية العامة للدولة) و تمتنع الحكومة عن تقديم الميزانية إليه، في تجاوز سافر و جاهل لمقتضيات المادة 68 من الدستور.؟

ـ أليس إنفاق المال العام خارج القانون (كما فعل ولد عبد العزيز و عصابته)،  من أكبر الجرائم الاقتصادية و أفظع الفساد المالي المنصوص عليه من قبل خبراء المجال في العالم أجمع؟

ـ فهمونا كيف وصل 12 من أقارب ولد عبد العزيز إلى منصب نائب أو عمدة، في الانتخابات النيابية و البلدية الأخيرة ؛ هل يخدم هذا العدد الشفافية التي تتحدثون عنها؟ ..

هل يدعم الموضوعية التي تتشدقون بها ؟ .. هل من المهنية أيضا أن نقول إنها مجرد صدفة و أنهم مجرد مواطنين مثل غيرهم ، ترشحوا و نجحوا؟ فما حاجتنا إذن إلى الشفافية و المهنية و الموضوعية، إذا كنا أبرياء إلى هذا الحد .. و أغبياء إلى هذا الحد .. و تعساء إلى هذا الحد ؟؟؟

إن للشفافية و الموضوعية و المهنية مناخا لا يمكن أن تفرضه غير السلطة التي تتكفل بحماية الدستور و القانون و تتمتع بالقوة القهرية.

فإذا كانت السلطة هي من تهدم هذه القيم التي لا تخدم أي جهة مثل ما تخدمها لو كانت تريدها دولة حقيقية، فلماذا نطالب نحن بها؟ على النظام أن يكون مسؤولا ليطالب الصحافة بحرية مسؤولة.. لكن علينا أن نفهم أن هذا صراع أمة و ليس صراع أشخاص؛ ليس فينا من لا يتحمل فيه جزء من المسؤولية   وليس فينا من لن يكون ضحية من ضحاياه في يوم من الأيام ؛ بتهميشه أو إشراكه، بضعفه أو قوته، ببراءته أو تورطه.. و هذا هو ما يجعلنا نقول إن أسوأ ما في نظام ولد عبد العزيز هو غياب الاستقرار فيه.. و غياب الأمن.. و غياب المعايير.. و غياب القانون.

و على من يشجعون نهجا هذا ديدنه أن لا ينزعجوا من نتائجه الحتمية.. لم يعد أي شيء في هذا البلد يخضع لقانون و لا منطق و لا عرف و لا تقاليد، فلماذا نلزم نحن وحدنا بأن نكون مهنيين و منطقيين و عادلين و منصفين؟ لقد اختلط الحابل بالنابل بالصحفي ، بالحلاق، بالخباز، بسائق التاكسي، بجرافات عزيز ، بصفقة السنوسي، بصناديق كومبا با، بكذبة “أطويله”، فمن يستطيع اليوم أن يعرف كوعه من بوعه في هذا البلد الغريب؟

 

ـ الزمان : هم يعتبرون أنفسهم في دولة و نظام و يدعون أن كل شيء بخير و أن موريتانيا لم تجد قائدا في التاريخ قبل ولد عبد العزيز..!؟

ـ سيدي علي بلعمش : هذا هو ما يقوله بالضبط عبدة الشيطان، لكن إذا قال 20 مليون شخص إن 2 + 2 = 5 ، لن يغير ذلك شيئا من كونها تساوي 4 . و عزاؤنا في أن لا أحد في الوجود يستطيع أن يدافع عن نظام فاسد أو يخفي حقيقته . و المخجل أكثر في بلدنا و المحير حد الدهشة هو أن الذين يسمعونك عن النظام ما لم يقله مالك في الخمر حين ينفردون بك، هم أكثر المدافعين عنه في العلن؛ هذا النفاق المربح هو ما يجعل حالة موريتانيا مستعصية على كل فهم : هنا قال المتنبي “ما مات مظلوم و لا عاش ظالم” و هنا قال غارسيا ماركيز “ما حاجتي إلى الخيال، إن الواقع أشد هولا” …

 

ـ الزمان : هناك الآن من يطالبون ولد عبد العزيز بالترشح و حتى من يهددون برفع قضية ضده إذا لم يفعلها؟

ـ سيدي علي بلعمش : قالت العرب ، إذا لم تستح فافعل ما تشاء.. ألا تسمع تعاليق الناس على نفاقهم في كل مكان بكل سخرية و تندر؟ .. في استفتاء “نعم ولا” المشهور، كتب أحد أعيان بلدنا على لافتة “نحن معكم” و عرضها على مدخل الحي .. النفاق في هذا البلد ثقافة واسعة و غنية بالتراث الحي و تأخذ في بعض الأحيان شكل المهارة و الفتوة .. ربما لهذا السبب يعاقبنا الخالق بمثل هذه الأحكام الجائرة لأنك إذا أحصيت وعيد الله تبارك و تعالى علوا كبيرا، للمنافقين في المصحف الشريف ، ستجده يفوق وعيد اليهود و النصارى و الظالمين ، و لا بد أن لهذا معنى عميقا في الوجود.

 

ـ  الزمان : لكن البعض يرى أن ولد عبد العزيز عمل الكثير : تشييد الطرق ، ترشيد المال العام، و إنهاء حقبة النهب؟

ـ سيدي علي بلعمش : تقول دراسة ميدانية يظهر كل يوم أنها كانت على درجة عالية من الدقة و الموضوعية،  ظهرت في بداية الألفية و رفضت الدولة نشرها لتظهر

ـ لا أدري كيف ـ في صحيفة “جون آفريك”  و أغضب ذلك ولد الطائع حينها و وبخ الوزارة على تسربها ، إن حوالي ستين في المائة (60%) من الموريتانيين مجانين” و لا ادري هل أزعج معاوية في تلك الدراسة  أنه هو كان السبب في جنون هذا الشعب بما أطلق فيه من فوضى و كذب و نفاق و فساد ، أم أن خوفه من تبرع جهات خيرية في العالم لعلاجنا ، هو ما كان يزعجه في الحقيقة، أو أن الدراسة تضعه على رأس اللائحة، حين يسأل نساء ريفيات يحملن أطباق خضرة ، هل يسوقن مادتهن على الأنتيرنيت…

ـ يقول الحسين ولد مدو إن معاوية كان مفسدا غير فاسد و هذا كلام معقول غير عاقل تماما مثله (معقول لأنه مدر للدخل و غير عاقل لأنه مضر للفهم) و ما يعنيه هو أننا تصوفنا في تبرير الأخطاء حتى درجة تشابه الأضداد .. و إذا أخذت الجهة التي قدمت الدراسة هذه العبارة و عرضتها على كل فرد من الشعب الموريتاني اليوم :”هل تفهم ما تعنيه هذه العبارة” ستقول لها نسبة 90% نعم. و هذه هي نسبة المجانين الجديدة بعد عقد من الأولى و السبب في هذه الزيادة الضخمة ليس إزعاج جرافات و شاحنات ولد عبد العزيز بل إزعاج قولنا نحن أنه يملكها.. هذه هي المفارقة التي تجعل حالة موريتانيا عصية على الفهم.

 

 

ـ الزمان :  لكن الرئيس قال في نواذيبو إنه لا يملك أي جرافات و لا شاحنات؟

ـ سيدي علي بلعمش : ولد عبد العزيز نفسه قال في حملته الانتخابية إنه أغنى من أعلي و من غيره و قد كان دخله في ذلك الوقت معروفا جدا : راتب ضابط بالكاد يكفي لإعالة أسرة و ريع حمام بدائي يعمل بالحطب قرب المدرسة 2 في لكصر..فأي “جرفاته” نكذب و أي “شحناته” نصدق.؟

 

ـ الزمان : يقال بأن “مشروع المجتمع الموريتاني للمعلومات” (المعروف بقانون الميمات) تم بسبب مقالاتك و بسبب تهجمك على وزير الإعلام بصفة خاصة ، الذي ربما يكون أقنع الرئيس بضرورة هذا القانون انطلاقا من خلفيته القانونية كمحامي؟

ـ  سيدي علي بلعمش : ربما و ربما تكون مجرد صدفة سعيدة من دون أن يشعروا : فمن العار على الصحافة في هذا البلد أن تكون تتمتع بحريتها و لا يستطيع أي منها أن يقول مجرد جزء مما يحدث في هذا البلد من فوضى و نهب و تزوير و تحوير للحقائق .

و من الأفضل لهم أن يتذرعوا ـ على الأقل ـ بتضييق الحريات في البلد.. لقد استغربت مطالبة الصحافة بإلغاء هذا القانون ، فما حاجتكم إلى سقف حرية ، ليس فيكم من يستطيع ملامسة دوني حدوده ؟ إن قانون معاقبة الصحافة الحقيقي و المؤثر جدا، قائم من قبل و بطرق أبشع ، لا يتكلمون عنها لأنها لا تمسهم، تتمثل في تجويع كل رأي مستقل و تهميشه و حرمانه من أي إعلانات و أي اشتراكات و أي مساعدات و حرمانه حتى  من استعداد أي جهة رسمية أو غير رسمية للتعاطي معه حتى في ما يخدمها. و حين تبحث عن حقيقة أي شيء في موريتانيا ، لا تذهب أبدا إلى القانون و لا إلى الإدارة بل إلى ما يحصل في قوالب المكر و أنماط التحايل و فانوس الكذب. لكن إذا كان علينا أن ننتظر حتى يأذن لنا ولد عبد العزيز أو ولد محم بما نقوله و ما لا نقوله فمن الأفضل لنا أن لا نتكلم.

 

ـ الزمان : لقد شاركت في ورشات منتدى المعارضة ، فبماذا خرجت منها..؟ ـ سيدي علي بلعمش : خرجت منها بكل خيبة أمل : المعارضة تمتلك كل شيء و لا يستطيع النظام أن يقف في وجهها 10 دقائق في الحق و لا في الباطل، بالقوة و لا باللين، لو كانت تحمل قضية و تملك رؤية و إرادة ..

 

 

ـ الزمان : و كيف ترى مشاركتها  في الحوار القائم ؟ ـ سيدي علي بلعمش : أرى معارضة  “داكار” بريش منتوف و أجنحة مكسورة..

 

ـ الزمان : ماذا كان باستطاعة المعارضة أن تفعل و لم تفعله من أشياء واقعية و موضوعية؟

ـ سيدي علي بلعمش : نحن الآن لسنا في وضع سياسي عادي، نطالب فيه بالحرية و الديمقراطية : إن بلادنا مختطفة من قبل “بازيب” و علينا تحريرها من هذا الوضع و من ثم الجلوس لحل مشاكلنا . و هذا كان يتطلب وقوف الشعب الموريتاني و نخبه في الخارج و الداخل و هم كثر و قواه الحية و لا أقول المعارضة وحدها، وقفة رجل واحد لدحر هذه العصابة. و كان المطلوب من المعارضة و القوى المنظمة هو تهيئة الناس لهذه الهبة و تعبئتها على متطلباتها و كان باستطاعة منتدى الديمقراطية أن يشكل رؤية و قيادة لهذا المشروع، لكنهم ذهبوا في كل الاتجاهات المعاكسة له : قضية الإرث الإنساني و العبودية و التجاذبات الداخلية و صراع الأجنحة على الزعامة و هذه بالضبط، هي الأمور التي كان يجب وضعها جانبا حتى نخلص البلاد من اختطافها لنجلس على الطاولة بثقة متبادلة و اهتمام مشترك للبحث لها عن حلول. لقد انتهت أيام “المنتدى” ببيان مائع و مشروع  فضفاض و توصيات مهزومة،لأن التحضير لها لم يرسم هدفا معينا  لتنصب الأفكار في البحث عن الوصول إليه و لم يختر المشاركين في الورشات على أساس كفاءات و لا معايير أخرى غير المحاصصة البغيضة . فكان تفاوت الأفكار و تشتتها و اختلاف مشاربها و غياب أهداف مرسومة عوائق حقيقية دون الوصول إلى نتائج مرضية. و هي أخطاء تنظيمية قاتلة ما كان يمكن البحث لها عن حلول بعد ظهورها، بسبب ضيق الوقت و كثرة المشاركين في الورشات و تفاوت مستوياتهم. لقد كانت الخيارات مفتوحة و كثيرة أمام القوى المعارضة، أما وقد ركنوا اليوم إلى الحوار مع النظام و أخذ تراخيص التظاهر من وزارة الداخلية فهذا يعني أنهم استسلموا لأمر الواقع و بدؤوا يبحثون عن ذرائع لعدم المشاركة في الانتخابات، ليس إلا..

 

ـ الزمان : هل تريدها أن تقوم بثورة أو تترشح مع النظام من دون حوار و لا ضمانات؟

ـ سيدي علي بلعمش : كنت أريد الإثنتين و كانتا متاحتين بكل بساطة و لا تتطلبان أكثر من:

ـ أولا،  ظهور المعارضة في صورة القوي المقنع للناس بأنه قادر على التغيير ، بتماسك قيادتها و تراص صفوفها و وضوح خطابها و علو هممها .

ـ ثانيا،  أن تتم تعبئة الناس على رفض أي تجاوز من قبل العصابة الحاكمة من استغلال وسائل الدولة و أطرها إلى بقية القائمة القذرة..

ـ ثالثا، الابتعاد عن السعي لوضع أي مسطرة سلوك مع النظام، حتى يكون هو من يبحث عنها و يطالب بها و يتوسل  من أجل إيجادها.. لكن هذه الأمور كانت تحتاج إلى رؤية و إرادة، يؤسفنا أن نعترف بأن أيا منهما لم يكن موجودا في حده الأدنى بسبب انعدام الثقة بين الأطراف و الصراع على النفوذ و وضع العربة أمام الحصان : فقد كان باستطاعتنا أن نفهم أن يصنعوا مجدا ثم يتصارعون عليه ، لكن أن يتصارعوا عليه قبل أن يصنعوه فهذا مخجل و مضحك حد الشفقة..

 

ـ الزمان : أليس في هذا الكلام تحريض على العنف ؟

ـ سيدي علي بلعمش : نحن نعيش في زمن استثنائي ، تتفجر فيه الثورات المجنونة من حولنا كل حين و تتفكك الدول و تندلع الحروب الأهلية و تنتشر المجاعات . و تقوم جميع أنظمة العالم اليوم بالتهدئة و الدعوة إلى التشاور و تحكيم العقل و إعطاء بعض الوقت للوقت لحل المشاكل العالقة و تفادي ما يمكن تفاديه من أخطاء : تنازل ملك المغرب عن نصف صلاحياته، وزعت الجزائر نصف احتياطها على الشعب، سقط حسني مبارك المتمنع في أعتى قلعة عسكرية عربية ، و وحده ولد عبد العزيز هو من ظل يهدد الجميع و يتحدى الجميع و يسعى بكل وسيلة إلى تفجير الأوضاع باحتقار المعارضة ، بنهب المال العام أمام أعين الجميع، بالانفراد بالسلطة من دون حتى إشراك حكومته.

هذه هي الدعوة الصريحة إلى العنف : الزنوج يطالبون باستقلال الجنوب .. الحراطين يطالبون بكليب حيا .. المعلمين يطالبون برأس النظام الطبقي  .. الشماليون يطالبون بشبه نظام فدرالي يعطيهم حق التمييز الإيجابي في استغلال الثروة المنجمية و السمكية ؛ و نظام ولد عبد العزيز منهمك في النهب و صفقات التراضي و تزوير الانتخابات و فبركة التقارير الكاذبة : فمن يدعو إلى العنف؟ بل كيف نتفادى العنف إذا ظل الاحتقان في تصاعد و ظلت اهتمامات النظام في نهب الثروة و تحوير الحقائق ؟ ما تحتاجه موريتانيا اليوم هو هبة شعبية غاضبة تقودها عقول وطنية ناضجة لتفادي ما يقودنا ولد عبد العزيز إليه . و هذه ليست دعوة للعنف بل دعوة حد التوسل لتفاديه. علينا أن نفهم أن “البيظان” يحكمون البلد منذ الاستقلال، و حتى الآن مازالوا عاجزين عن خلق نظام عادل و مسؤول .. و يملكون حوالي 90% من الثروة و لا بد أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الطبقات المهمشة و المطحونة . لكن، لا بد أيضا لهذه الطبقات أن تفهم أن 90 % من الثروة التي يمتلكها البيظان في جيوب حوالي 100 شخص فقط و أن هناك قبائل عديدة من البيظان لم يصل أي منها يوما رتبة مدير و أن القضية ليست قضية “بيظان” و إنما هي قضية مافيا سياسية صغيرة، تهيمن على الثروة و السلطة، ليس لها مشروع غير النهب و ليس لها لون و لا انتماء : (ولد عبد العزيز ، انجاغا جينغ، ولد ابيليل…). إن الصراع العرقي الذي يتخمر في الظلام ، لا يخدم إلا هذه العصابة و استمراريتها: البيظان لا يحكمون موريتانيا و إنما تحكمها عصابة ولد عبد العزيز .. الجيش لا يحكم موريتانيا و إنما تحكمها “بازيب” ..

و نظام ولد عبد العزيز ليس نظاما دكتاتوريا و إنما هو فوضى عبثية ، تقود موريتانيا إلى حتفها .. علينا أن نصحح هذه الأخطاء الفادحة و المفاهيم المغلوطة كي لا تظل تضحياتنا ، تخدم مصالح هذا النظام الجائر المستمر من خلال تبادل أجنحته على الحكم ؛ فالانقلابات ليست حلا لأنها لن تأتي إلا بجناح آخر و الانتخابات ليست حلا لأنها لم تسقط في يوم من الأيام نظاما على أرضنا.

 

ـ الزمان : فأين الحل إذن؟ ـ سيدي علي بلعمش : في البحث عن اتجاه غير مسدود.. في الخروج من القوالب الجاهزة .. في تجديد آليات اللعبة .. في تحطيم قيود العجز .. في الاستفادة من أخطاء الماضي.. في استشراف المستقبل بنظرة تفاؤل.. في الاستفادة من تجارب الشعوب.. في رفض تقبل الهزائم ..

 

ـ الزمان : هل مشكلة المعارضة اليوم في عدم اتفاقها على مرشح موحد أو في تلويحها بالمقاطعة؟ ـ سيدي علي بلعمش : مشكلة المعارضة تتمثل في غياب وضوح الرؤية كما قلت لك : كل الحسابات السياسية المدروسة داخليا و خارجيا، كانت تملي الاتفاق على ترشيح أحمد ولد داداه أو نقيب المحامين أحمد سالم ولد بوحبيني و قد شرحت أسباب ذلك في “موريتانيا المنهكة 1” .. الأول لأنه يملك حوالي 15% من الناخبين من دون حملة و يملك وسائل طموحه أي حوالي 40% من متطلبات حملته و تجربة كبيرة في المجال و عضو في الفرانكفونية و الاشتراكية الدولية و له فوق هذا وذاك أنصار على درجة عالية من العصبية إذا ظلم (و هذا أهم ما كانت تتطلبه المرحلة في غياب استجابة النظام لأي أجندة مشتركة) و  الثاني لأنه شاب مثقف و نظيف و معتدل و بعيد من كل التوترات الاجتماعية و التجاذبات السياسية السلبية ، له شخصية جذابة و مرونة فطرية مهيبة ، ليس له لون و لا عرق و لا جهة و لا قبيلة غير موريتانيا المتناغمة ، المتصالحة، الفريدة بتشعب ثقافتها ، الجميلة بتعدد أعراقها، القوية بتماسك لحمتها..  تعتبره كل النقابات و المنظمات التي عمل معها شخصية نموذجية و يمكن تسويقه محليا و دوليا بسهولة . و يملك النقيب رؤية واضحة لما يتطلبه البلد و استعدادا رائعا للتعامل مع أي جهة كما يمتلك ثقافة حقوقية متطورة تحتاجها البلاد في هذا الظرف بالذات و تجربة نضالية  واسعة  من خلال وقوفه في وجه النظام طيلة فترة تربعه على عرش النقابة التي خرجها مرفوع الرأس ، شامخ الهامة.

 

ـ الزمان : يعتبرك الكثيرون من أكبر أعداء ولد داداه، فما معنى هذا الموقف منه اليوم؟

ـ سيدي علي بلعمش : أنا لا أعادي أي أحد في الوجود بالأحرى رجل في عمر أبي أمضى نصف حياته في صراع الأنظمة للدفاع عن ما يراه أصلح لموريتانيا . لقد كنت دائما أحمله كل أخطاء المعارضة لأنه بنظري الأهم فيها لا العكس و كنت أعي أنه يقود أكبر حزب في البلد و على قراره السياسي أن يكون مستجيبا لتناقضات أجنحته و إكراهات القيادة لكن هذه مبرراته هو و البحث عنها ليس مهمتي أنا.  و حتى لو كنت عدوا لدودا  لولد داداه،  فهذا لا يمنعني أن أقول إنه الأصلح حين أراه الأصلح أو الأجدر حين أراه الأجدر : أنا متصالح مع ذاتي و لا يخجلني أبدا أن أكتب شيئا اليوم و أكتب عكسه غدا ، إذا تغيرت نظرتي فيه أو تغير هو بما أراه إيجابيا.

 

ـ الزمان : ما هو الطلب الذي توجهه لولد داداه اليوم ؟

ـ سيدي علي بلعمش :  أطلب منه أن يشكل لجنة لمتابعة قضية رجل الأعمال الإسباني الذي تمت مصادرة ممتلكاته و وضعه في السجن قبل أيام فقط. و أن يفتح صندوقا للتبرعات لإخراجه من السجن و تعويض ما أمكن من ممتلكاته التي تم الاحتواء عليها بعد صدور حكم قضائي لصالحه. يكفينا تمزيق سمعة موريتانيا في الداخل و هذا من أهم ما يمكن أن نخدمها به اليوم.. مع هذا يفتحون المناطق الحرة و يصرفون مئات الملايين على إقامة منتديات الاستثمار !؟

 

ـ الزمان : أي مفارقة!؟ . إذن ماذا ننتظر اليوم ، في رأيك، هل ستترشح المنسقية  أو تقاطع؟

ـ سيدي علي بلعمش : ستقاطع  المعارضة على الأرجح (و لا توجد معارضة غير المنسقية) و هو خطأ فادح و استقالة معلنة أمام مسؤولياتها في وقت قاتل لموريتانيا المنهكة. و ستكون مشاركتها في آخر لحظة مربكة حد الجنون لولد عبد العزيز لأنه عمل كل شيء ليضمن عدم  مشاركتها و رسم حملته على أساس مقاطعتها و بدل أن يربكهم باتفاق فضفاض في آخر لحظة سيكونون هم من يربكونه بالمشاركة غير المنتظرة من دون اتفاق في آخر لحظة .. و طبعا سيترشح بعض أحزاب “معاهدة الأغلبية” (ترشحا فولكلوريا) و  سيواصل حزب “تواصل” مساره المتوتر التناقض و يترشح من جديد ؟

 

ـ الزمان : لكن خطاب “تواصل” اليوم، لا يدل على أنه سيترشح من دون التنسيق مع المعارضة، لا سيما بعد استهداف النظام لجمعية المستقبل و الجو المتوتر الذي يسود علاقتهم بالنظام؟

ـ سيدي علي بلعمش : يعرف أصحاب “تواصل” اليوم أن الخيارات المطروحة أمامهم هي التصعيد أو المهادنة لأن استهداف جمعية المستقبل المرتبطة مباشرة بزعيمهم الروحي و مصادرة جميع ممتلكاتها المنقولة و غير المنقولة، رسالة قوية إلى الحركة أستبعد أن تميل إلى غير الخضوع لمقتضاها. لكن المهادنة التي ستطلب من تواصل لن تكون على مستوى خطابها الذي أتوقع أن يكون تصعيديا في المراحل القادمة (مسرحيا) لصون ماء الوجه ليس إلا. لأن المهم عند العصابة هو أن يترشحوا ـ على أساس أن المنسقية ستقاطع ـ و أن لا يكون تصعيدهم  في إطار المنسقية. و هذا يعني أن المنسقية إذا تظاهرت بالسير في اتجاه المقاطعة و اتفقت على مرشح موحد و قررت المشاركة في آخر لحظة من دون اتفاق مع النظام ، ستصبح الخطة “ب” في برنامج ولد عبد العزيز هي الاستعداد للهروب.

 

ـ الزمان : و هل ستكون للنقيب ولد بوحبيني حظوظ في هذه الانتخابات؟

ـ سيدي علي بلعمش : أتوقع أن يسجن ولد بوحبيني لأنهم لن يستطيعوا تحمل خطابه و لن يستطيع هو التحكم في غضب مناصريه إذا حصلت تجاوزات و ستحصل حتما. لهذا أتوقع أن “ينجح” ولد عبد العزيز في الشوط الأول و يسقط بعد شهر على يد ثورة أنصار ولد بوحبيني. هذا طبعا في حال مقاطعة المعارضة للانتخابات و تعاطفها مع الأخير.

 

ـ الزمان : و من هم أنصار ولد بوحبيني؟

ـ سيدي علي بلعمش : أتوقع أن يكون معه جميع الشعب الموريتاني غير المؤدلج أو المخدر في صفوف الحزب الحاكم و سيحصل على أصوات جميع الإسلاميين (أصدقاء النظام اللدد) لأنهم لن يستجيبوا لضغوط النظام على قيادتهم لا سيما بعد منع منظمة زعيمهم الروحي و سيحصل على حدود 70% من أصوات الجيش و الأمن المذلين منذ تولي ولد عبد العزيز للحكم و سيحصل على أصوات جميع مناصري المعارضة التقليدية ، هذا طبعا إذا لم يخلقوا له شرخا مع المعارضة التقليدية عن طريق النميمة و الاستفزاز مع أنني أثق جدا في قدراته العقلية و أتمنى من كل قلبي أن يوفق في اختيار فريق شجاع وفي لمشروعه و لموريتانيا ، لا يفكرون في ميزانية الحملة و لا في فاتورة التحدي و يترفعون عن كل ما يبحث عنه البسطاء  ..

و أتمنى من ولد داداه و ولد مولود و زميله ولد بتاح و جميع قادة المعارضة أن يدفعوا به كورقة بديلة في حال مقاطعتهم و أن يراهنوا عليه و يوجهوا كل جمهورهم و طاقاتهم إليه ، كما أتمنى من جميع رجال الأعمال و التجار أن يكفروا عن أخطائهم في حق موريتانيا من خلال التبرع لحملته بكل ما يستطيعون  و هو نداء إلى كل العمال و الطلاب و الجاليات  الموريتانية  في الخارج .. علينا جميعا أن لا نكافئ ولد عبد العزيز على فرض أجندته الأحادية و هو أمر يتطلب منا اليوم أن نتجاوز خلافاتنا حتى نحرر موريتانيا من دون أي حسابات أخرى.. و على النقيب من ناحيته أن يعتبر نفسه مرشح المعارضة، المدافع عن مشروعها و طموحاتها ، المثمن لنضالها ، المتفهم لأسباب مقاطعتها، المعتمد على دعمها و خبرتها و نصائحها ، لأن هذه هي الحقيقة في النهاية و هي مصلحة موريتانيا التي يجب أن تظل فوق أي اعتبار آخر..

 

ـ الزمان : و أين سيكون مسعود و بيجل؟

ـ سيدي علي بلعمش : في “المعاهدة”.

 

ـ الزمان: ماذا تعني ؟

ـ سيدي علي بلعمش : هم لم يخبرونا بمن يعاهدون و لا على ماذا يعاهدونه .. لكن الواضح ـ من خلال سلوكهم و توجهاتهم ـ  أنهم عاهدوا ولد عبد العزيز على العمل على كل ما يخدم استمرار بقائه ..  

 

ـ الزمان: أشكرك على هذه المقابلة الطويلة المتعبة.

 

ـ سيدي علي بلعمش : شكرا لكم  

 

 

 

    

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى